الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس سوريا الديمقراطية وخيانة الثورة السورية

محمد حسام

2018 / 8 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أعلن مجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في بيان للرأي العام (بتاريخ 30/7/2018) أنه عقد اجتماع مع ممثلي نظام الديكتاتور الدموي بشار الأسد في دمشق لوضع أسس لما أسماه البيان الحل الشامل، وكان وفد "مسد" المفاوض مع النظام السوري بقياد إلهام أحمد التي كانت تحتل منصب الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، والتي هي الآن الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية. يجب أن نذكر في البداية أن هذه ليست المباحثات الأولي من نوعها بين الطرفين، فقد حدثت مباحثات بينهم حول قضايا خدمية (مثل إدارة السدود الموجودة في مناطق نفوذ "مسد" ، وتوليد الكهرباء).
هكذا تكتب قوات سوريا الديمقراطية بداية خيانتها الواضحة و الفجة لثورة الجماهير السورية، وخيانتها لآمال وتطلعات الجماهير السورية بجميع أطيافها ومكوناتها في غداً أفضل بدون ديكتاتورية آل الأسد وشمولية النظام البعثي، بدون إضطهاد قومي، وتطهير عرقي للأقليات.

هذا المقال مكتوب بشكل رئيسي لمهاجمة قيادة قوات سوريا الديمقراطية " قسد" وذراعها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، وليس لاستجداء عطفهم و لتبرير خيانتهم كما يفعل بعض الثوريين السوريين، مكتوب لفضح طعنهم للجماهير السورية في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يكونوا هم قاطرة وقيادة الجماهير لإسقاط النظام الذي اضطهد وقمع وعذب وجوع وقتل مئات الآلآف، باعتبارهم كانوا من أكثر الفصائل تنظيماً وتسلحياً في بداية الثورة السورية التي نشهد اليومة جميعاً علي كتابة فصولها الأخيرة، والحقيقة أنه لولا الثورة السورية لما كان ليتسنى لقوات سوريا الديموقراطية وعمودها الفقري قوات حماية الشعب الكردية أن يسيطروا علي جزء من الأراضي السورية، لولا الجماهير الثورية التي طردت الجيش النظامي من المدن لما سمح النظام بإنشاء تجربتهم في الشمال السوري، والتي من المؤكد أنه سيُجهز عليها وينهيها في أقرب فرصة.

تناقض مجلس سوريا الديمقراطية (حول بشار الأسد ونظامه):

في البداية دعونا نتحدث عن رأي مجلس سوريا الديمقراطية وممثلته إلهام أحمد حول بشار الأسد ونظامه، لنكشف كم اللغط والضبابية في سياسات المجلس، وعدم إتباعهم لخط سياسي ثوري منحاز للجماهير السورية كما يدعون.
في مقابلة مع جريدة الحياة (بتاريخ 23/7/2018) قالت إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية وعرابة إتفاقيات المجلس مع نظام بشار الأسد "إن إصرار النظام على الحل العسكري الذي يزهق حياة المدنيين، و إستكمال الحملات العسكرية بالتهجير والترحيل، يؤثر على ديموغرافية سوريا ويزرع بذوراً لحرب أهلية مقبلة". هذا ما قالته إلهام أحمد قبل ثمانية أيام فقط من إصدار البيان الذي يعلن فيه مجلس سوريا الديمقراطية عن المباحثات مع النظام السوري، وكأن لسان حالها يقول "أننا في الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية نعلم أن بشار الأسد ونظامه دموي وقاتل ويمارس سياسات إبادة جماعية بحق مناطق ومدن سورية، ولايزال يمارس سياسات عسكرية وحشية أدخلت البلاد في نفق لا آخر له من العنف، نحن نعلم كل هذا ومع ذلك ذهبنا للتفاوض مع نظام بشار الأسد الدموي والوحشي الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف وتهجير أضعافهم وتسبب في تغيير ديموغرافي في سوريا، نتفاوض مع هذا النظام للوصول لحل ديموقراطي!!!"، هذه هي الانتهازية في أبهي صورها. وفي نفس ذات اللقاء تقول إنها تستبعد أن يشن النظام عملية عسكرية واسعة علي مناطق سيطرة "قسد" التي "لم توجه سلاحها ضد الجيش وقواته"، هكذا تعلن إلهام أحمد بوضوح عن خيانة قوات سوريا الديمقراطية التي لم تواجه بشار الأسد ولم تحاول إيقاف جرائمه في حق الشعب السوري، هي لسيت فقط تلعن ذلك بل تفتخر وكأن الخيانة أصبحت شرف يتم التغني به.

وفي لقاء آخر مع صحفي كرواتي (بتاريخ 2/8/2018) تقول السيدة إلهام أحمد عندما سألها الصحفي حول تخطيط مجلس سوريا الديمقراطية لإخراج بشار الأسد من السلطة؟ أجابت "في سياستنا لا نسعى لتغيير الأشخاص، بل نحاول لتغيير النظام الحالي، وتغيير الدستور والنظام الإنتخابي هو الشيء الأهم"، كمية غير معقولة من التضليل والتدليس واللعب بالكلمات تمارسه السيدة التي تمثل مجلس سوريا الديمقراطية، فهي تقول أنهم لا يرغبون في إسقاط بشار الأسد لكنهم يرغبون في تغيير سياساته، وكأن بشار الأسد ينتظر السيدة إلهام أحمد لكي تنصحه لكي يتخلى عن كامل مشروعه ومشروع حلفائه الإقليميين والدوليين الذي أفني على مئات الآلاف من الأرواح في سبيله وأزال مدن عن بكرة أبيها لتحقيقه، وكأن بشار الأسد ليس ممثل عن ذلك النظام الذي تقول السيدة إلهام إنها ضده، النظام الذي إضطهد وعذب وأفقر الشعب السوري لعقود. هذه الجملة التي قالتها إلهام أحمد معانها بالضبط " أن بشار الأسد ليس سيء ، لكن نظامه هو السيء"، وكأن المجازر حدثت دون موافقة بشار الأسد، وكأن الصراع بين الجماهير السورية والدكتاتور الدموي حول لائحة الانتخابات وبعض المواد في الدستور، وليس حول سياسات إفقار وتجريف للحياة السياسية السورية، وليس حول ملايين اللاجئين في داخل وخارج سوريا، وليس حول مئات الآلآف من القتلى بالصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية و الآلاف من الشهداء في السجون.

وفي بيان مجلس سوريا الديمقراطية الذي صدر بتاريخ 30/7/2018 طالب فيه " جميع القوى السياسية بالانخراط والانضمام لهذا المسار السوري السوري، وتعزيزه وتطويره، ليكون أكثر قوة وتأثيراً لوضع نهاية للعنف والحرب". وكأن بئر الخيانة لم يمتلئ بعد، وكأن مجلس سوريا الديمقراطية لا يكفيه الفصائل التي خانت الثورة وأصبحت رهن قوي إقليمية تنفذ سياساتها وتحمي مصالحها، فأخذ يدعو كل من لايزال يقاتل النظام أن يخون الثورة والجماهير السورية الثورية. عن أي نهاية للعنف يتحدث المجلس في ظل وجود منبع العنف في المجتمع السوري ، أقصد بشار الأسد ودولته، لا يمكن أن يوجد حد للعنف والحرب في سوريا في ظل وجود بشار الأسد ونظامه، لا يمكن إدخال الديمقراطية في سوريا دون إسقاط نظام بشار الأسد الشمولي، لا يمكن الوصول ل"نظام حكم ديمقراطي لامركزي في سوريا موحدة" كما يأمل مجلس سوريا الديمقراطية في ظل بقاء بشار الأسد ونظامه، من الغريب والمؤسف أن هذا الكلام وهذه البديهات لاتزال تحتاج لشرح وتوضيح وتأكيد حتي يومنا هذا بعد مرور سبع سنوات على بداية الثورة.

القصور في تجربة مجلس سوريا الديمقراطية:

دعونا نتحدث الآن عن أوجه القصور الرئيسية والأخطاء الرئيسية التي إرتكبها مجلس سوريا الديمقراطية، والتي جعلتنا اليوم نقف أمام هذا المشهد القاتم.
لنبدأ بالخطيئة الكبرى التي إرتكبها "مسد" والتي أكدت عليها السيدة إلهام أحمد أكثر من مرة في لقائتها الصحفية المتعددة في الأيام الأخيرة، هي وغيره من قيادات مجلس سوريا الديمقراطية وقيادات الإدارات الذاتية في روجافا، تلك الخطيئة المتمثلة في عدم "مهاجمة النظام السوري"، والإكتفاء بالمناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري التي تخلى عنها النظام بملئ إرادته، هكذا ارتكب مجلس سوريا الديمقراطية وقياداته نفس الخطأ الرئيسي الذي ارتكبته كوميونة باريس منذ أزيد من مائة وخمسين عاماً، هذا الخطأ هو عدم الإجهاز والقضاء على النظام القائم في وقت ضعفه، والاعتقاد بأن الثورة ستضعف الديكتاتور وتجعله يرضخ، حتي وإن لم تنتصر تلك الثورة.
لكن أعتقد أنه من المجحف في حق الثوار البارسيين أن نقارنهم بمجلس سوريا الديمقراطية، على الأقل الثوار البارسيين ارتكبوا هذا الخطأ بشكل رئيسي بسبب قلة التجارب التاريخية، لكن مجلس سوريا الديمقراطية ليس فقط لم يهاجم النظام ويقضي عليه بشكل كامل في وقت ضعفه، لكنه الآن ذهب للتفاوض معه.
ثم الخطأ الثاني الرئيسي ل"مسد" هو عدم تحالفهم مع حلفائهم الطبيعيين من الثوار السوريين وفصائلهم المسلحة من بداية الثورة لإسقاط النظام، كان في استطاعت قوات حماية الشعب الكردية ومن بعدها قوات سوريا الديمقراطية أن تنشئ تحالف واسع مع كل الفصائل التي كانت تضع هدف إسقاط نظام بشار الأسد كهدف أولي لها وليس لها في نفس الوقت إيديولوجية دينية أو رجعية، وما أكثر هذه الفصائل في بداية الثورة قبل تدخل الفاعلين الإقيلميين، تلك الفصائل التي تمخضت عن لجان تنسيقية ومحلية لحماية التظاهرات الشعبية. بدل ذلك تقوقعت قوات حماية الشعب الكردية ومن بعدها قوات سوريا الديمقراطية علي نفسها واعتبرت أن ليس لها دخل في ذلك، بل والأكثر أنها أحيانا ساعدت النظام واليوم تذهب للتفاوض معه. للأسف الشديد لم تفهم قوات سوريا الديمقراطية ومن قبلها قوات حماية الشعب الكردية والحزب الذي انشائها حزب حزب الإتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري PYD أن مصير الشعب الكردي مرتبط بمصير الشعوب المجاورة، وأن انتصار الثورة السورية هو الشرط الأولى والضروري لإنتصار الأكراد و نيِل استقلالهم.
وأخيراً وليس أخرا الخطأ الثالث الرئيسي لمجلس سوريا الديمقراطية هو علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية ومع ما يسمى بقوات التحالف الدولي من ورائها. في اللقاء الصحفي الذي أجراه الصحفي الكرواتي مع إلهام أحمد -المشار إليه أعلاه- سألها :" هل تدعمكم الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف؟" أجابت السيدة إلهام: " لقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية قواتنا ضد تنظيم داعش، أما فيما يتعلق بالدعم السياسي، لم تقم بأي تحركات جادة، لذا نأمل في دعمهم لمشروعنا السياسي من أجل أمن و إستقرار المناطق المحررة"، هكذا لايزال مجلس سوريا الديمقراطية يراهن علي دعم الإمبريالية الأمريكية التي تخلت عنه هو نفسه في مدينة عفرين عندما حدث تفاهم تركي -روسي-أمريكي، وتركوا المدينة للآلة العسكرية التركية وبعض الفصائل المسلحة المرتهنة لها. مازال المجلس يراهن على الإمبريالية الأمريكية رغم ما أظهرته هذه الأخيرة أكثر من مرة أنها غير معنية بما يحدث في سوريا من مجازر وإنها غير مهتمة إلا بما يحقق مصالحها هي وحلفائها في المنطقة -وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني-.
يقال أن الغباء أن يفعل المرء نفس الخطوات وينتظر نتائج مختلفة، وهذا هو ما لم يفعله مجلس سوريا الديمقراطية، فهو لم يعتمد بشكل كامل على الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كامل هذه المرة، لكن فعل ما هو أقبح وأقذر وأغبى، ذهب ليتحالف مع النظام السوري.

خاتمة:

في النهاية لا يوجد ما يقال حول هذه المفاوضات بين مجلس سوريا الديمقراطية والنظام السوري سوى إنها خيانة للجماهير السورية التي انتفضت لإسقاط النظام، خيانة للدماء التي سالت من قبل فصيل يدعي أنه يهدف لإقامة سوريا ديمقراطية.

ليس أمام مجلس سوريا الديمقراطية إلا طريقين لا ثالث لهما: إما التراجع عن هذه المفاوضات والانسحاب منها فوراً وإعلان الحرب على النظام السوري لإسقاطه كما رغبت ولاتزال ترغب الجماهير السورية، وإنقاذ الثورة السورية من مصير الهزيمة المحدق بها، وإما الإستمرار في طريق التفاوض والمساومة إلي النهاية، وحينها لن يتم فقط القضاء على تجربة المجلس في الشمال السوري، ولكن أيضاً سيتم لعن مجلس سوريا الديمقراطية لاتخاذه الصف المقابل للجماهير، إلى جانب الديكتاتور، بسبب اختيارهم للجانب الخطأ من المتاريس في الوقت الذي كانت الجماهير السورية في حاجة إليهم.
إني أحذر مجلس سوريا الديمقراطية أن التاريخ لا يرحم ولا ينسى، وذاكرة الجماهير المنتفضة ستسترجع خيانتكم لها و لثورتها مهما طال الزمن.
في النهاية أنا أتفق مع السيدة إلهام أحمد في قولها " إذا سيطر النظام علي كامل الجغرافية السورية عندها سيقوم بممارسة الاستبداد مجدداً"، وأقول لها أحذري لأنه لن يكون مصير المناطق الكردية أقل مأساوية من بقية المناطق السورية، عندما يجهز النظام على ما تبقى من المناطق الخارجة عن سيطرته، حينها سيتفرغ لكم لنزع سلاحكم وإعادة إنتاج الاستبداد والقهر والاضهاد القومي بحق الأكراد.
لا سبيل لتغيير الأوضاع مستقبلا في سوريا وجعلها مختلفة عما كانت عليه قبل الثورة السورية إلا بإسقاط بشار الأسد ونظامه وإسقاط هيمنة الجيش النظامي علي المجتمع، والشروع في بناء مجتمع بديل ونظام اقتصادي بديل لخدمة المجتمع بشكل حقيقي. هذا ما يجب أن يفهمه مجلس سوريا الديمقراطية أن حلفائهم ليسوا الإمبريالية الأمريكية ولا الإمبريالية الروسية ولا بالطبع بشار الأسد ونظامه، إنما هم الجماهير السورية التي ثارت في العام 2011 من أجل العدالة الإجتماعية والحرية وضد القمع والإستبداد والوحشية الخاصة بالنظام البعثي الذي يتكون من عصابات تمسك بزمام البلاد وثرواتها، مثله مثل بقية الأنظمة العربية.

المجد للشهداء والحرية للمعتقلين
تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)
تسقط حكومات رجال الأعمال
لا حل سوي إنتصار الثورة الإشتراكية بحكومة عمالية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا