الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البصرة: مرضعه العرق الاقتصادية ونافذته الحضارية و.....ثورته المستقبلية!! .... (2))

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 8 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كل أمة وكل شعب وكل جماعة صغيرة أو كبيرة كانت، وحتى كل فرد على وجه هذه الأرض، فجميع هئولاء لا يستطيعون الإفلات من قبضة تاريخهم الخاص وجملة الأحداث ـ بشقيها: السلبي والإيجابي ـ التي تضافرت في تصنيع ذلك التاريخ لهم، بدءاً من نقطة الصفر لبداية تاريخهم ـ وعبر جميع الأجيال السالفة ـ وصولاً إلى لحظه الأحداث الآنية الراهنة، والتي ستصبح هي الأخرى ـ بعد حين ـ تاريخاً ضمن مجرى تاريخهم العام .
وما ينطبق على الأمم والشعوب والجماعات ـ كقانون تاريخي ثابت ـ ينطبق أيضاً، وبنفس التفاصيل على كل بلد ومدينه ومنطقه جغرافية تعيش فيها أمم وشعوب وجماعات ومجتمعات بشرية .

واللافت جداً، أن الأحداث التاريخية الكبرى والصغيرة واليومية منها على حد سواء، دائماً ما تتكرر بنفس الطريقة والأسلوب، وكأنها وضعت في (قالب واحد) فخرجت إلى الوجود بشكل وصورة واحدة وموحده تقريباً، في حدود الجغرافيات الأرضية البشرية الخاصة بكل جماعة من الجماعات الإنسانية المختلفة.. وعاده ما يطلق على هذه الصور والاشكال المتشابهة وصف أو عبارة: "التاريخ يكرر نفسه"!

والحقيقة أن التاريخ لا يكرر نفسه ولا يعيدها مطلقاً، إنما الطبيعة المجتمعية والإنسانية التي صكها التاريخ في [قالب واحد موحد] لكل جماعه بشرية خلال مسيرته الطويلة، قد أعطى لتلك الجماعة ولمجتمعها أغلب طبائعهم وتصرفاتهم مع بعضهم واتجاه الأحداث المختلفة.. ومتما كانت الظروف المجتمعية متشابهة في الجغرافيا الأرضية والبشرية الخاصة بجماعة من الجماعات، جاءت الأحداث الصغيرة والكبيرة وتصرفات أعضاء تلك الجماعة متشابهة أيضاُ!.
ولما كانت الأحداث الصغيرة اليومية عادية ومتكررة باستمرار، فهي لا تلفت النظر ولا ترى تاريخيتها بالعيون المجردة وحدها، أما الأحداث الكبيرة والمفصلية في التاريخ، فهي واضحه كل الوضوح وتراها حتى العيون الرمداء تتكرر مرات ومرات، ولهذا يعبرون عن هذه الأحداث المتشابهة دائماً بعبارة: "التاريخ يكرر نفسه"!

والحقيقة أن التاريخ لم يكرر نفسه يوماً ولن يكررها أبداً، في أيٍ من البيئات الجغرافية البشرية المختلفة، إنما ظروف هذه البيئات في لحظه تاريخيه مضت، كانت مشابه لظروف لحظه تاريخيه قائمه، فجاءت أحداث وظروف وتصرفات الأشخاص اتجاهها متشابهة ومتماثله إلى حد التطابق في كلا اللحظتين التاريخيتين، فظن البعض أن التاريخ قد كرر نفسه من جديد!
*****
إن جميع هذه الحيثيات التاريخية التي تنطبق على جميع الجغرافيات الأرضية والمجتمعية في العالم، تنطبق بحذافير حذافيرها على تاريخ البصرة في الماضي وعلى ظروفها وأحداثها الحالية أيضاً، والتي تتشابه وإلى حد التطابق مع أحداث مفصليه حدثت للبصرة على مدى تاريخها الطويل .
ويبرز هذا التشابه بكل وضوح مع تلك الظروف والأحداث المأساوية، التي أدت تداعياتها إلى "ثوره الزنج" و "خراب البصرة!" الذي اصبح يضرب به المثل .

وأوجه الشبه بين الحدثين كثيرة ومتشعبه جداً، لكننا نريد أن نلفت النظر إلى ملمحين جوهريين منها فقط.. وهما :

o الأول : أن الأحزاب والمليشيات والحكومات المحلية المتعاقبة والمتنفذين في البصرة، قد أخذوا اليوم ـ أنظر ج1من المقال ـ نفس الدور الذي أخذه [الملاك والاقطاعيين ومستثمري الأراضي] في البصرة قديماً، باستغلالهم للزنوج ولفقراء البصريين إلى أقصى حدود الاستغلال، مما تسبب في مآسي إنسانيه كثيره أدت بجملتها إلى قيام ثوره الزنج!.
ووضع البصرة الاقتصادي والمعاشي والإنساني اليوم، شبيه تماماً بمقدمات وضعها الذي أدى إلى ثوره الزنج!

o ثانياً : إن استغلال الاحزاب والمليشيات والحكومات المحلية المتعاقبة والمتنفذين للبصرة ومواطنيها، قد حول "فقراء بصرة اليوم" إلى "زنوج بصرة/القرن3هـ" والتي أدت إلى ثورتهم الكبرى أنذك!
ففقراء البصرة وأحفاد زنوجها القدامى المتبقين في البصرة، يعيشون اليوم ظروفاً لا إنسانية وحياة كفاف قريبة جداً من حياة (زنوج البصرة) في القرن الثالث الهجري، تلك الظروف التي أدت إلى ثورتهم، والتي وصف وقائعها (الــطــبــري) في تاريخه الكبير:
فهم كما يقول الطبري: كانوا يشتغلون بدون مقابل تقريباً، ووسط ظروف شديده البؤس والشقاء :
 ولقد ((اقتصرت أجورهم على قوت قليل من الطحين والتمر والسويق)) وكانوا يرزحون تحت وطأه ظلم فادح وبؤس شديد وجوع وحرمان دائم، مع تسلط الملاك الاقطاعيين وسياط عمالهم الغلاظ التي لا ترحم!

وفقراء البصرة وأغلبيه مواطنيها يعيشون اليوم تحت وطأه نفس تلك الظروف المعاشية والاجتماعية تقريباً، وتحت وطأة تسلط الأحزاب الحكومية والمليشيات المتنفذة وحماتها وداعميها الدوليون والإقليميون، وتسومهم اليوم ما أسامه لزنوج البصرة من قبل، مستثمرو وإقطاعيو وملاكو الأراضي وعمالهم القساة الشداد!
وهذا الوضع المزري للبصريين، هو الذي تسبب بثورتهم أو انتفاضتهم أو هبتهم الحالية، كما تسببت بالأمس ظروف الزنوج المماثلة لظروفهم هذه بــ "ثوره الزنوج" وخراب البصرة!

جميع الثورات الشعبية وفي كل زمان ومكان، كانت تأخذ صيغه العصر الذي تعيش فيه، وتتعامل بنفس قيمه ومفاهيمه وعقائده السائدة في حينها، وقد قامت ثوره الزنج في بيئة إسلاميه خالصه تقريباً، فأخذت هي الأخرى على يد قائدها "صاحب الزنج" صيغه دينيه أيضا، أدت إلى إخفاء جوهرها الاجتماعي والطبقي والإنساني .

ف "صاحب الزنج" مثلاً: قد ادعى ادعاءات دينيه عريضة، ادعت ما يشبهها أحزاب الإسلام السياسي أيضاً.. فهو قد ادعى :
(("أن العناية الإلهية أرسلته لإنقاذ العبيد المظلومين، وأنها كانت ترشده وتساعده(1) وادعى العلم بالغيب(2) وانتحل النبوة والرسالة(3)، مع أنه ادعى النسب العلوي ليكتسب شرفاً"4)) .

ونفس هذه الادعاءات الدينية أو ـ محتواها على الأقل ـ ادعتها أحزاب الإسلام السياسي اليوم، ونفس ذلك المشهد التاريخي تتكرر في العراق وفي البصرة خصوصاً، من قبل هذه الأحزاب الحاكمة الآن وهذه المليشيات المهيمنة نفسها .
ومن يراجع أقوالهم وتصرفاتهم وكيف كان كلامهم الطويل عن "مظلومية الجنوب" و "مظلومية الطائفة" وعن "النواصب والمواكب واللطم" وأناشيد "ليش يا ظالم هذي المظالم"......الخ يرى أن ما قالوه في بداية الاحتلال، يشابه أقوال صاحب الزنج وادعائه بأن "العناية الإلهية" هي التي أرسلته، هي التي أرسلتهم أيضاً لرفع هذه المظلوميات جميعها عنهم!

لكن الصورة انعكست اليوم وأخذت الضحية دور ذلك الجلاد الظالم الذي لا يرحم :
فأكثر شهداء هذه الهبه أو الانتفاضة الشعبية، وأكثر جرحاها الذين قارب عددهم الألف مصاب ومئات المعتقلين الآخرين جميعهم أو أغلبهم، قد سقطوا بأيدي هذه الأحزاب والمليشيات وحكومتها المركزية وحكومتها المحلية نفسها، والتي كانت تدعي "مظلومية الجنوب" ودفاعها المستميت عنه.. وإذا كان "صاحب الزنج" قد وظف دعاويه الدينية لصالح الثورة، فإن هئولاء يوظفون دعاويهم الدينية اليوم لصالح قمع ثورة البصرة وثورة العراق بأجمعه!!
*****
في كل هبة أو انتفاضة أو ثورة شعبية حدثت في العصر الحاضر وفي التاريخ أيضاً، كانت السلطات الحاكمة في أي بلد كان ـ وأيٌ كانت عقيدتها أو أيديولوجيتها ـ تتهمها دائماً بالعمالة للأجنبي أو أن جهات خارجيه ورائها تدعمها، وأن هناك "مؤامرة دنيئة" لتلك القوى الخارجية، وهي التي حركت العجلات الأربع لجماهير الشعب باتجاه [هذه السلطة الحاكمة] القائمة!

وانتفاضة الجنوب وحراك العراقيين الحالي، لم يشذ عن هذه القاعدة أو الطريقة السلطوية الدائمة في التعامل مع أي حراك شعبي.. وعلى هذه القاعدة التبريرية السلطوية الدائمة، اتهمت سلطاتنا المركزية والمحلية وأحزابها وميلشياتها (التكفيريين ، والوهابيين ، والبعثيين ، والسعوديين.......الخ) بأنهم كانوا وراء هذه الانتفاضة الشعبية .
*****
من البديهي والمعروف جيداً أن أعداء النظام ـ أي نظام سياسي في العالم ـ يستغلون فرصه الهبات والانتقاضات والحراكات الشعبية، وكذلك يستغلون الفشل والعثرات السياسية للنظام، وتوظيفها ضد ذلك النظام .
وفي مثل هذه الحالات الثورية، تتطلب العمل [الاستخباري الفعال] لكشف المندسين ومعرفه الحقيقة التي تقف وراء ثوره الشعب، وليس اتهام الشعب وحراكه بأكمله ـ وإن كان بطريقه ملطفة ـ بالعمالة للأجنبي أو لجهات خارجية .

ومع هذا.. لماذا لا يسأل حكام العراق أنفسهم عن الذي قدموا لهذا الشعب على مدى خمسة عشر عاماً من توليهم للسلطة في البلاد، حتى يتمسك بهم الشعب ولا يهب أو ينتفض أو يثور عليهم؟
إن الثورة حق مشروع للشعوب، بعد أن تعجز جميع الطرق السلمية في استخلاص حقوقها الإنسانية!
[email protected]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:
1) و(2) و (4)الطبري.. (3)السيوطي.. عن كتاب: "دراسات في العصور العباسي المتأخرة".. د. عبد العزيز الدوري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري