الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباعاتي عن زيارتي للمملكة الأردنية (2/2)

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


انطباعاتي عن زيارتي الثانية للمملكة العربية الأردنية !؟
(الجزء الثاني)
***********************************
في زيارتي هذه المرة لاحظت حجم التغيير الكبير في عمان عن ذي قبل، فيوم أقمت فيها ل6 أشهر عام 1996 كان وسط البلد هو مركز التسوق لكن - على ما يبدو - مع ظهور موجة (المولات) الضخمة وافتتاح شوارع ومناطق تجارية أخرى أصبح وسط البلد يمثل (عمان القديمة) التقليدية بنكهتها الشعبية التي تعجبني كثيرًا وتشدني برائحتها العريقة التي تنضح بعبق التاريخ وبعرق الناس البسطاء (الكادحين) أكثر من كل تلك (المولات) الحديثة التي تزورها الطبقة الاجتماعية المتوسطة أو العالية أو السواح العرب!.
طبعًا كعادتي لابد لي من التجول في محلات بيع الكتب خصوصًا (الكتب المستعملة) التي أحب اقتنائها ليس لرخص ثمنها بالقياس للكتب (البكر) غير المستعملة بل لأنني بطبيعتي أميل للكتب القديمة التي تداولتها قبلي أيادٍ كثيرة، ويزيد من قيمة هذا الكتاب المستعمل عندي إذا ترك الذين قرؤوه قبلي بعض ملاحظاتهم وعلاماتهم مما يجعلني أستأنس بعقولهم وأشعر بأن لي شركاء وسلفًا فيما أقرأ!، هذا عدا أنني أعتقد أن الكتب العربية القديمة أكثر عُمقًا وأدبًا في فكرها وأسلوبها من كتب هذا الزمان العربي (الأغبر)(المُفلس) بل و(التافه)!.. ولا أقصد بالكتب العربية القديمة الكتب التراثية - كتب السلف بكل فرقهم - إنما الكتب التي كُتبت ونُشرت في بدايات القرن العشرين حتى العقد السابع منه قبل أن ينضب المعين وينفلت كل هذا الغثاء!.. لقد زرتُ المكتبة القديمة العامة وسط البلد والتي كنت في اقامتي الأولى منذ أكثر من عشرين عامًا أزورها بشكل يومي منذ الصباح الباكر واقضي فيها معظم وقتي، وكانت يومها مزدحمة تعج بالشباب والشابات ولكنني هذه المرة وجدتها شبه خاوية!، والسبب معروف وهو سهولة الحصول على الكتب الالكترونية pdf حيث تعوّد الجيل الجديد على الاطلاع على هذه الكتب من خلال هواتفهم الذكية من منازلهم بل ومن على أسرتهم في غرف نومهم!، لذا لم تعد هناك حاجة إلى شد الرحال للمكتبة الحكومية العامة والسعي إلى الحصول على مقعد فيها قبل أن تزدحم وتمتلأ المقاعد بالقراء!(*)، إلا أن الكتب الالكترونية لن تغني طالب المعرفة العامة الباحث عن الثروة المعرفية عن زيارة المكاتب القديمة (المُعتَّقة) التي تزخر بكتب عربية من عصر النهضة العربية الفكرية والأدبية التي بدأت مع أواخر القرن التاسع عشر وكانت تُبشر بخير لولا ظهور موجة التيارات القوماوية والاشتراكية المصحوبة بحكم العسكر والتيارات الاسلاماوية المصحوبة بالماضوية والارهاب والتي ربما كان لقضية فلسطين دورٌ في استثارتها وظهورها بكل تشوهاتها كرد فعل (عاطفي وانفعالي) على ظهور السرطان الصهيوني في الجسم العربي(!!).. هذه الحركات التي عطلتْ مسار ذلك النمو الطبيعي و(التطور الليبرالي) للمجتمعات العربية وعطلتْ حركة الاصلاح الديني والسياسي المتزن فخدمتِ الكيان الصهيوني من حيث لا تقصد، ومن ثم قادتنا للوضع المأزوم الحالي!...
تجولت في المكتبة العامة في الدور الأول والثاني كما لو أنني في كهف علاء الدين الذي يعج بالكنوز والمجوهرات والآلئ والدُرر، حيث قسم الكتب العربية المذخور بمجموعة كبيرة من الكتب العربية القديمة من عصر النهضة والتي أثارت شهيتي وحنيني على السواء!، تشدني إليها رائحة صفحاتها المُصْفرَّة شبه البالية حيث كنتُ من حين لحين أختلس النظر للموظفة الجالسة على مكتبها للتأكد بأنها لا تراقبني فأستغل الفرصة سريعًا وأدس أنفي بين صفحات الكتاب العريق لأستنشق بكل أنفاسي رائحة الزمن الجميل والعتيق!، فأجدني على الفور- وبسبب رائحة الكتاب المُعتقة التي تشبه رائحة المسك - أنتقل بخيالي لذاك العصر العربي الذهبي قبل حلول القارعة وقبل أن ينهار الحلم العربي الأول الذي اعقب حقبة الاستقلال!، ذلك الحلم الذهبي الذي انهار مع مجيئ المد (القومجي) العربي المؤدلج المصحوب بالفكر (الاشتراكجي) وحُكم العسكر الذي عطّل عملية النمو الطبيعي الهادئ لمجتمعاتنا العربية مما تسبب في تشوهات كبيرة واختناقات واخفاقات مريرة وتناقضات خطيرة تسببت بالمحصلة في الهروب للماضي البعيد بحثًا عن الخلاص ونمو ظاهرة التطرف الديني (الاسلاماوي) بشكل غير طبيعي من جهة ومن جهة أخرى نمو ظاهرة المطالب الطائفية والجهوية والعرقية كرد فعل عنيف على الدولة العربية (القومجية) الاشتراكية الديكتاتورية والمركزية (الفاشلة) التي كان يسيطر عليها العسكر وضباط الأمن والحزب الواحد فوصلنا إلى هذه الهاوية التي نتخبط فيها اليوم!.
عمومًا كانت زيارتي للأردن كما زيارتي للمغرب فرصة لعربي مسلم مغترب لاستنشاق بقايا نسيم مجتمعه العربي العتيق بل والقاء نظرة وأخذ فكرة عن شكل وطبيعة (المجتمع الليبي) قبل أن يُفسده (النفط) ويلوثه (الأخ العقيد)!، وفرصة أيضًا للتأكد من خلاصة ما توصلتُ إليه من تدبري في أحوال العرب من أنه لو صح حكمنا التقييمي بأن النظم العربية الحالية كلها فاشلة وشريرة ومستبدة وعميلة - وهو في رأيي تعميم عاطفي غير عقلاني! - فلا شك أن النظم الملكية وخصوصًا البرلمانية الدستورية تظل أخفها فشلًا وشرًا وأقلها استبدادًا وضررًا !.
*********
سليم الرقعي
كاتب ليبي من برقة يقيم في بريطانيا
(*) في الخرطوم حينما أقمت في السودان أواخر عام 1995 لمدة عام تقريبًا كانت المكتبة المركزية العامة وسط البلد تعج بل تضج بالقراء من الشباب والشابات وكبار السن، وبالرغم من كبر حجم المكتبة إلا أنك إن لم تبكر في قدومك إليها فلن تجد لنفسك مقعدًا وستضطر أن تقعد على الأرض مع القاعدين!، وأحيانًا حتى مع حصولك على مقعد تضطر بدافع المروءة أن تتنازل عنه لأنسة أو سيدة أو رجل عجوز تأبى نفسك رؤيتهم يفترشون الأرض وأنت على كرسيك المريح تمامًا كما هو الحال عند ركوبك الحافلات حينما تضطر بواعز أخلاقي وذوقي أن تتنازل عن مقعدك لشيخ عجوز أو إمرأة أو حتى لطفل صغير!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالتك استاذ نصر كلها عبق ايام بداية الوعي للنهوض
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 8 / 7 - 17:32 )
تحياتي -كككمقالتك تفير الاعتزاز حقا وتذكرنا بايام الامل برؤية ضوء في نهاية النفق -في الاربعينات من القرن العشرين عشت بالمجينة الريفية العماره فيجنوب العراق كان فيها في موقع جميل عالضفة اليسرى من دجلة الخير اربع مبان مكتضة بحدائقها هي مدرسة الثانويه الوحيده للمحافظه ثم نادي الموظفين فالمكتبة العامه ثم نادي طلبة العماره-وكان امين المكتبة العامه الشاعر المبدع الوطني الاستاذ انور خليل وفي اخر زيارة لي للمكتبة حوالي عام 1949 استقبلني امينها مبتسما وقائلا خلص لقد قراءت كل متبنا ولم نحصل على جديد-الامل بعد قراؤة ال100سنه من الضياع الايديولوجي الطائش وربما البائس ان نبطاء بالتفكير بخدمة مجتمعاتنا العربيه الضاربه في التخلف بصورة علميه وانطلاقا من الوجود يحدد الوعي


2 - تحياتي دكتور صادق الكحلاوي
سليم نصر الرقعي ( 2018 / 8 / 9 - 17:12 )
أشكرك عزيزي (صادق) على هذا التعليق الجميل المفعم بحديث الذكريات والذي حملنا على جوانحه لزمن الأمل والحلم ، كما اتفق معك فيما ذكرت من ضرورة التخلي عن أساليبنا الطائشة القديمة والتحلي بأساليب جديدة مستنيرة تقوم على أساس التفكير الواقعي العميق واللصيق بالواقع الفعلي للناس وحاجاتهم وتطلعاتهم بعيدًا عن القولبة الايديولوجية للمجتمعات.. تحياتي

اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا