الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يناير.. من حلم التغيير إلى كبت الوطن

سليم صفي الدين

2018 / 8 / 8
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يناير لم تكن ثورة بالمفهوم المتعارف عليه، بل كانت انتفاضة، وصرخة خرجت بعد أنين من بين ضلوع الشباب ضد سلطة الأب والمجتمع، ومن بين ضلوع البنات ضد الذكورية والتحكم الأُسرىّ! وبلا شك ضد نظام ظن أنه يستطيع فعل أى شىء بلا قيد وبلا حساب، والدليل أن النسبة الأكبر ممن شاركوا وحركوا وخلقوا الأحداث كانت لمواطنين من أعمار سنية شابة، ما أجبر الإعلام المصرى والعالمى على تسميتها بـ"ثورة الشباب".

من بعد تلك الانتفاضة الجارفة التى دوى زعيق شبابها وصراخهم فى أرجاء المحروسة، أخرج الشباب ما لديهم من أفكار، وباحوا بما لديهم من طموحات، وطالبوا بما يرغبون فيه من حرية؛ ظنوا أنه قد آن الأوان للتعبير عن كل شىء، على اعتبار أن حريتهم لن تعود مقيدة إلا بالقانون العادل الذى سَيُشّرع بعد الثورة، على أن يكون مبنيا على مبدأ "أنت حر ما لم تضر"، ويقف على أبعاد متساوية من المواطنين كافة.. ولكن سرعان ما تبدد الحلم، لتعود السلطة بشكل آخر ممثلة فى تيار عسكرى يقود البلاد لفترة انتقالية، لا يسعنى إلا أن أقول إنها الأسوأ، لنخرج منها إلى التسلط الدينى، الذى لم يتحمله الشباب بضعة أشهر فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها إلى أن تحرك من تحرك ليتخلص "بنا" من السلطة التى حالت دون حلمه!

وظل الوقع على ما هو عليه "من نقرة لدحديرة ومن فخ لفخ" ليصل بنا المطاف أخيرا إلى لا شىء، لا حلم، لا طموح، لا أمل! قد أبدو مبالِغا، لكن كل الأجواء و"وشوش" الناس -التى ارتسمت الكآبة عليها- وأنين الجوع والعوز خير دليل.

هكذا وجد الشباب أنفسهم، بعد فرحة الحرية، فى سجن كبير اسمه الوطن، سُلِب منهم فيه كل شىء، لا لشىء إلا لأن الشباب "فاشل ومش راضى يشتغل فى الاستثمار"!

فى نهاية 2017، ومن خلال عملى بإحدى الجرائد الخاصة، حاولت رصد حالات الانتحار، ودوافعها، وعددها... تبريرات المسئولين وقتها كانت متحفظة، بل منغلقة، لا تخرج عن أن الانتحار ليس "ظاهرة" بل هو فقط "حالات فردية"؛ و"مصر جميلة.. خليك فاكر مصر جميلة"! ليخرج علينا المركز القومى للتعبئة والإحصاء أخيرا بتقرير إحصائى عن الثلاث سنوات الأخيرة، يقول إن المنتحرين وصل عددهم فى مصر إلى 183 حالة، جميعهم شباب!

حتى هذه اللحظة التى أكتب فيها هذه السطور، لا أتخيل مطلقا أن دولة وصل عدد المنتحرين فيها إلى هذا العدد لم تحرك ساكنا، بل إن معالى اللواء مجدي عبد المنعم، مدير الإدارة العامة للإحصاءات الحيوية بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، صرح لصحيفة "الدستور" منذ أيام بأن معدلات الانتحار ليست مفزعة أو مقلقة كما يروج البعض! بالطبع هى ليست كذلك، ما دام المنتحرون ينتمون إلى طبقة فقيرة حياتها لا معنى لها ولا مضمون!

أتذكر الساعات التى شهدتها مصر قبل رحيل الطفل محمد جمال حسنى مبارك، حفيد الرئيس الأسبق، كيف كانت، وما تلاها كيف كان!

الإشكالية أن الحدود الدنيا للحرية أصبحت غير متاحة لجيل فاقت حاجته إلى الحرية ما تتيحه إدارة بيروقراطية لم تستوعب الفارق الكبير بينها وبين هذا الجيل من جهة، وبين سلطة الأسرة التى تقيد وتكبت حتى تطبق الدنيا قبضتها، فيصبح الهروب من ألم الحياة بالهروب من الحياة نفسها هو الحل الأوحد!

نحن بلا شك فى أزمة حقيقة باتت واضحة المعالم من كل الاتجاهات، والهروب من المواجهة هو الخطر الأكبر الذى سوف يؤول بنا جميعا إلى نهاية لا يعلم حجم مصابها غير الأيام، والحل يتمثل أولا فى الاعتراف بما وصلنا إليه من انعدام سياسى، ودمار اقتصادى، وكبت مجتمعى لا ينم عن خير على وجه الإطلاق.

الإشكالية فى أن من حلم بالتغيير من أجل الحرية لن يرضى بغيرها بديلا.. التواصل والتفاهم والمضى نحو مستقبل أكثر هدوءا بالتوافق لا مناص هو الحل الأمثل، فكل الذين يرفضون السلطة الحالية، وكل المعترضين عليها وعلى سياستها، سيكونون في أول صفوف المؤيدين لو طرح الرئيس حلا أو توافقا وطنيا؛ ففى النهاية نحن نختلف على كل شىء، ولكن نتفق على الوطن.

متى تستشعر السلطة الخطر؟ متى نَعِى جميعا أن الهروب من ألم الحياة فى مصر بالانتحار أصبح خيارا سهلا لدى الشباب مقابل العيش فيها؟ كل هذا ولم أتحدث عن اللجوء والهجرة والأرقام المفزعة فى السنوات الأخيرة.. متى نفهم أن الحل بالتوافق وليس بأحادية الرأى؟ الفرصة لا تزال قائمة، والحل موجود: أن يتوافق الجميع من أجل الوطن.
نظرة دون خوف منا جميعا، قد تغير المسألة تماما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد


.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض




.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس


.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس




.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين