الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سموّ الفكر في رواية وميض تحت الرّماد

رفيقة عثمان

2018 / 8 / 8
الادب والفن



صدرت رواية "وميض تحت الرماد" للكاتب المقدسي عبدالله دعيس، عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في ٣٨٠ صفحة من الحجم المتوسط.
استلهم الكاتب أحداث الرّواية من خلال مكوثه في أمريكا؛ عدد أبطالها محدود، من أربعة رجال وامرأة واحدة، حيث نجح الكاتب في تحريك الشَّخصيَّات، لتحريك مجرى الأحداث.
صوَّر الكاتب حجم المعاناة والاستغلال الذي يلاقيها المُغترب العربي وبالأخص المسلم، من قبل المواطنين الأصليين، وتصوير العنصريَّة المتفشيَّة في الغربة وخاصة أمريكا، وصوَّر الكاتب حجم المكائد والجرائم الحاصلة، وكيفيَّة توريط المسلمين في أعمال إجراميَّة؛ ليوصم المسلمون بصفة الإجرام.
استخدم الكاتب أسلوبا سرديّا سلسا، يبعث على التشويق، من حيث اتقان الحبكات المتكرِّرة في الرّواية؛ ممّا يحفّز القارئ على متابعة القراءة بشكل متواصل؛ لمعرفة النهاية؛ ناهيك عن استخدام اللغة الفصحى الصحيحة، في كل الرواية، وتكاد تخلو الرواية من اللغة العاميّة؛ إلّا أنه وردت بعض الأخطاء الإملائيّة، والنحويَّة، كان من الممكن تلافيها.
تحدّث الكاتب بصوت الرّاوي، وبصوت الأبطال أنفسهم، وذلك بواسطة الحوار الديالوجي، أو الحوار المونولوجي، أو بواسطة الرّسائل المنصوصة داخل الرواية؛ هذا الدمج من الاستخدام كان استخداما تكنيكيّا في سرد الرّواية اختاره الكاتب، لا شك بأنَّه كان موفَّقًا.
استطاع الكاتب أن يُصوّر الصراعات المتأصَلة في النفس البشريَّة، والمعاناة الإنسانيّة التي كابدها الأبطال في خلال نصوص الرواية، من خلال الأحداث الدراميّة التي عصفت بكل بطل من الأبطال؛ سواء كانت غادة: الفتاة الرّيفيّة التي تزوّجت من رجل عميل وغني، اسمه ماهر، لم تستطع رفضه من قبل العائلة التي أجبرتها على الزواج منه وخاصّة الأب. غادة عاشت حياة تعيسة من الذل والإهانة من قبل الزوج، حيث مبادئها الوطنيّة تتعارض مع مبادئ الزوج العميل. حاولت الانفصال عنه؛ لكن أباها أرغمها على الرجوع إليه. صوّر الكاتب الصراعات التي عاشتها غادة، والتي صوّر شخصيّتها بصورة غامضة، حتى نهاية الرواية. أجد بأن هنالك مبالغة في تصوير الكاتب لشخصيّة غادة الفتاة الريفيّة البسيطة، وتحميلها عبئا كبيرا فوق طاقتها، والتي تحوّلت إلى عميلة مزدوجة في امريكا، كما ظهر في نهاية الرواية، وكما صرّحت غادة لعلي هذه الحقيقة.
مرّ البطل "علي" بصراعات ذاتيّة وصراعات خارجيّة، ابتدأت هذه الصراعات عندما أحبّ غادة ابنة الجيران، ولم يبح بحبه لها، حتّى غابت عن عينيه؛ والصّراعات اليوميّة التي واجهها أثناء غربته، وعمله كسائق أجير، ولم يستطع إتمام تعليمه الذي من أجله اغترب، بالإضافة لكونه فلسطينيّا، حُرم من العودة للوطن؛ بسبب فقدان الهويّة التي مرّ على اقامته بأمريكا أكثر من عام. وقع علي وأصدقاؤه: مصعب عراقي الجنسيّة، ونزار السوري، وعبد الحكيم المصري؛ كلهم وقعوا فريسة الوقوع في الإجرام من قِبل المافيات في نيويورك، والميلشيات في مونتانا، والتي تهدف الإساءة للمسلمين؛ ومن ثمّ تجريمهم بفعل الجريمة، وشرعيّة احتلال الدول العربيّة، لاستغلال مواردها. صوَّر الكاتب الصراعات بين الأبطال وبين مشغّليهم، وكيفيّة الوصول الى الحلول المُرضية والنجاة من الموت. كما ورد صفحة: 300، " توريط العرب والمسلمين في اعمال ستوصف بأنّها ارهابيّة لخلق عدو جديد للولايات المتحدة، وإعطاء المُبرّر لها لغزو العراق أو دول أخرى واحتلالها، ولتعزيز أمن "إسرائيل" وصرف نظر العرب عن العداوة معها، عندما يصبحون في وضع اتهام"؛ كما يبدو بأنَ هذه هي الرسالة التي أراد الكاتب توصيلها في الرواية.
نسج الكاتب عبدالله دعيس روايته من الأحداث الواقعيّة خاصّة فيما يتعلَق بالجريمة، والعنف الذي تتصَف بها هذه البلاد، وجيّر خياله الخصب في تحريك الأحداث والشخصيَّات، وخلق الحبكات المتتالية، صانعًا سلسلة من الأحداث الدراميَّة المُشوَقة،
لعب المكان، والزمان دورا هامَا في الرواية؛ التي دارت فيهما الأحداث والمغامرات، منذ زمن الانتفاضة الأولى عام 1987، ولغاية عام: 1998-1997.
فلسطين، وأمريكا: خاصة مدينة نيويورك التي كانت مركز الأحداث الرئيسيّة التي دار فيها التخطيط للجرائم، ومسرحا للأحداث الدراميّة التي اختارها الكاتب، ونجح في وصف الأماكن والعناوين، وأسماء الشوارع بدقّة متناهية، من زار نيويورك يدرك جيّدًا بأنَ هذه الأماكن حقيقيّة. يبدو فعلا بأنّ الكاتب بن بيئته: حيث عاش الكاتب في نيويورك أثناء دراسته، وعرف الأماكن بدقّة. إنَ ذكر الأماكن بهذه الدّقة تُحسب نجاحا في سرد الرواية وتقريبها للواقعيّة. كذلك كانت واشنطن وسياتل ومونتانا، أماكن أخرى استمرت فيها مجريات الأحداث، ومن ثمّ كانت مصر، وسيناء ومن ثمّ رفح الأماكن التي تنتهي فيها مجرى الاحداث.
وميض تحت الرّماد؛ عنوان الرواية، وُفّق الكاتب في اختيار عنوان الرواية والتي صوّرت أحداثها في منتهى الخطورة، وفي اللَحظات الأخيرة كانت النجاة، أو الخروج من المآزق؛ الوميض يعني الأمل في النجاة من المواقف حالكة الظلام؛ كما ورد صفحة، 307، " هموم وظلام قاتم يتسلّل من وسطه شعاع.".
لم يكن للنساء حضور لافت في الرّواية، ما عدا البطلة "غادة" فلسطينيَّة الأصل، والتي أحبّت علي، ولم تتزوّجه، وزوّجت عنوة من " ماهر" العميل، عاشت في أمريكا، من أجل مناصرة المقاومة، وعملت كعميلة مزدوجة؛ والمرأة الثانية كانت أجنبيّة أمريكيّة الأصل وصحفيّة باسم "ستيفاني"، تزوّجت "نزار" السوري.
دور يسرى كان دورًا هامشيّا، أحبَّها نزار، وكانت سببًا في تعاسته، وتورّطه في محور الجريمة؛ بسبب أخيها سليمان، الذي كان سببا في توريط نزار بدخول متاهات الجريمة والقتل.
هدى فتاة مصريّة الأصل، كانت شخصيّتها غامضة، عاشت في نيويورك لأسرة ثريّة، وقُتلت بظروف غامضة، كما يبدو من رسالة تركتها بأنَها يهوديّة الأصل؛ لكنها عاشت في مصر وهي إنسانة تحب الإنسانيّةَ أراد عبدالحكيم الزواج منها؛ لكن القدر سبقه إليها.
خلاصة القول: رواية "وميض في الرماد" تعتبر رواية متكاملة العناصر المطلوبة لكتابة الروايات، ذات مستوى عال من الفكر والأسلوب، وتستحق القراءة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81