الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لصوص الألقاب

إبراهيم رمزي

2018 / 8 / 9
المجتمع المدني


كنت قد نشرت بالفيسبوك:
في المغرب، تستطيع أن تعاين جانبا من الفوارق الاجتماعية ـ بشكل ملموس ـ من خلال التمسك بالألقاب والصفات. فلقب "الحاج والحاجة" لصيق بشريحة كبرى لإحدى الطبقات، ويكاد ينعدم أثره بين غيرها.
وحين تنظر إلى المشرق، ترى الأسماء مسبوقة بـ:"دكتور" وحتى "مهندس دكتور" وأحيانا "بروفيسور"، وتنظر إلى المغرب فيثير استغرابك الزهد ـ بصفة عامة ـ في تصدير الأسماء بهذه "الألقاب والدرجات"، إذ غالبا ما يذكر الاسم مجردا منها.

استحضرت هذا النموذج حين قراءة مقال: لصوص بدرجة دكتوراه..!! لكاتبه: خليل يوسف، على موقع الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=607100

أذكر أن أحد تلاميذ المعهد الذي كنا ندرس به في أواسط الستينيات، زوّر شهادة مدرسية والتحق بمؤسسة أخرى، ليتخطى سنة دراسية (وربما سنتين). وانقطعت الصلة منذ ذلك الحين، حتى تفاجأت باسمه مقرونا بلقب "دكتور" حصل عليه من جامعة عربية. وعاد إلى المغرب ليصبح محاضرا بإحدى الكليات.

وأستحضر بشيء من المرارة ما أوقفتني الظروف عليه من تدني مستوى أحدهم وأنا أقرأ ما نَشر على صفحات مجلة عراقية مشهودٍ لها بالرصانة والمستوى الجيد، وقد توسمت أن أجد في متابعته إغناء للمواد التي جمعتها حول بحث لغوي خاص. ويومها تساءلت: كيف تسرب هذا "المسخ" إلى هذه المجلة؟. وأي محاولة مني لتمحّل تبرير لذلك، كانت تعود بي إلى نقطة الانطلاق: المقال ممهور باسم "الدكتور فلان". (هزلت والله هزلت .. كما كان يرددها يوسف وهبي).

وكنت قد نشرت على موقع الحوار المتمدن موضوعا تحت عنوان: تعقيب على: خطأ إملائي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=437674
أشرت فيه إلى أن: "مسألة الأخطاء كانت مجال تجاذب بين المشرق والمغرب من قديم الزمان. فقد توسم أحدهم في مغربي مستوىً معرفيا مقبولا، فقال له: لمَ لمْ تؤلف كتابا؟ فكان رده: شغلتنا أخطاؤكم عن التأليف."
وهذا الحكم ينطبق – بدون جدال – على صنف "الدكاترة الذين كتب عنهم الأستاذ خليل يوسف.
وهذه "الظاهرة" معروفة عندنا – أيضا - بالمغرب، وإن كانت بدرجة أقل حدة.
ربما بسبب:
1 ـ اندثار بعض أسبابها، (العميد الذي كان يأمر: نجّحِي الطالَبْ) (ومساعده الذي كان الكل في الكل. ويكفي "إقامة نزاهة للفقهاء" لضمان النجاح). وهناك أيضا ما عرف في فترة سابقة بـ "إجازة كلية الخيمة".
2 - تنامي أسباب مستجدة، تتمثل في الحصول على شواهد عليا من بلدان أوربا الشرقية وبعض البلدان العربية مقابل "هدايا". وأصحاب هذه الشواهد محط سخرية من طرف طبقة المثقفين بالمغرب، بل إن هذه السخرية تظلم من حصل على الشهادة بجده وكده. وعادة ما يعاني أصحاب هذه الشواهد من صعوبة الاعتراف بشواهدهم، ومطابقتها للشواهد الوطنية.
غير أن آخر الأخبار الواردة يوم 6/8/2018 [alakhbar.press.] تشير إلى أن كاتب الدولة في التعليم العالي، يتجه إلى جعل الشهادات المغربية تتساوى مع شهادات دول يعرف الجميع الكيفية التي يتم فيها الحصول على تلك الشهادات.
ومن المهازل الظريفة أن يكتب أحدهم مُعرِّفا بحصوله على الإجازة في حقل معرفي: "موجاز".

وكنت قد كتبت عن أحدهم – وهو من أصحاب الشواهد العليا -:
كان يختار موقع جلوسه حول طاولة النقاش، إلى يسار رئيس الجلسة، ليكون من أواخر المتدخلين. إذ اعتاد مدير النقاش - بعد افتتاح الجلسة - الانتقال لسماع آراء المشاركين، ابتداء بمن على يمينه - كنوع من التيمن -، ولو شاء الحظ العاثر لصاحبنا وجلس إلى اليمين لأجاب - حين يطلب منه إفراغ ما في جعبته -: أستسمحكم في تأجيل تدخلي إلى ما بعد.
جلوسه إلى يسار الرئيس، أو حرصه على "التأجيل" كان يخول له الاستماع لمداخلات عديدة، ومنها يستوحي "مداخلته"، والتي تكون نسخة "مزيدة ومنقحة" من المداخلات السابقة. إذ يقوم "بعجنها" و"قولبتها" في "أسلوبه الخاص".
أما أسلوبه الخاص فيعتمد على "القص واللصق"، والتلوينات اللفظية، وذر بعض التوابل والبهارات، وحيرته في شأن نظارته: أيتركها على عينيه؟ أم يضعها جانبا إلى حين الرجوع إلى أوراقه؟ أم يزحلقها إلى أقصى أرنبة أنفه ليتسنى له تنقيل بصره - بين الحين والآخر - على وجوه الحاضرين متوقعا إعجابهم؟ والحقيقة أنهم يكونون متعجبين من "وقاحته المؤدبة"، بسطوه "الناعم" على بنات أفكارهم واقتراحاتهم واجتهاداتهم. وشغفه بحشو "مداخلته" بكلمات أجنبية لا مبرر لاستعمالها إلا "تعالُمُه"، مع ترديده - شبه الآلي - للازمة: "أليس كذلك؟ N’est-ce pas ?". وذاك ما يجعل العارفين به يبتسمون، لإدراكهم أنه بدأ يشرد ويضيع منه حبل "أفكاره". ويتأكد ذلك برجوعه إلى أوراقه، وإعادة تقليبها وترتيبها، كأنه يبحث فيها عن سطر "هارب" منه، "تائه" بين باقي الخربشات التي سطر. وخلال هذا الوقت تتحرك أصابعه على ظهر الأوراق - التي يرفع - كتحرك أصابع من ينقر على دف. بينما هي في جوهرها إشارة استدرار لصبر الحاضرين، واستعجال "للمفقود" أن يظهر.

وهناك نموذج آخر لمن نطلق عليهم بالمغرب "أولاد الفشوش" عاد إلى المغرب حاملا "شهادته العليا" فعُيِّن مهندسا مسؤولا عن ترميم المباني التاريخية. ولكن رجله لم تطأ يوما ما ورشا من أوراش البناء والصيانة. كان يحيل كل المهام على مرؤوسيه، مؤكدا لهم أنهم على دراية بما يجب إنجازه.

وهناك أشخاص عانوا من الظلم الصريح، وحرموا من الحصول على شهاداتهم العليا بسبب تنطع المشرفين وعنصريتهم:
فأستاذ الطب كان يستهزيء بالطالب "الجيلالي، أو: مبارك، ..." فأسماؤهم تدل على أصول شعبية، والمنتمون لـ"الهاي كلاص" لا يتخذون هذه الأسماء، ولا يجدر بطبيب المستقبل أن يحملها ويزاحم أبناءهم.
وعميد كلية الحقوق الذي يواجه طالبا: لا تحلم بالدكتوراة، فقد منحناك من الشواهد ما يسمح لك "بالعيش".

بدأت بعض القطاعات الحكومية في المغرب تعتمد وسائل احترازية عند التوظيف كمراجعة المؤسسة مصدر الشهادة، للتأكد من "صحة الديبلوم" والمستوى المعرفي للملتحقين الجدد بإداراتها. وقد مكّن هذا الإجراء من حصر حالات تزوير ومتابعة المتورطين.
بينما قطاعات أخرى تطالب بنسخ من البحوث العلمية والانتاجات الفكرية لتعزيز طلب التوظيف بها، مع مثول المترشح أمام لجنة، ليقدم تصوره عن تدبير المهمة التي يرغب في مزاولتها.

ظاهرة لصوص الألقاب تستشري، ولا يمكن القضاء عليها بصفة نهائية، ما دام هناك من يحول المعرفة والبحث العلمي إلى سلعة للمتاجرة، سواء كان شخصا أو مؤسسة أو هيئة .. وتبقى طرق الاحتراز أفضل حل للحد من تفشي الظاهرة .. وبإلقاء نظرة على الشعر العربي القديم تواجهك ظاهرة النحل والانتحال .. فهل نقول: ما أشبه اليوم بالأمس؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونيسف: نحو 4 ملايين طفل دون الـ 5 يعانون من سوء التغذية


.. مراسل الجزيرة: أي غارة إسرائيلية على رفح توقع شهداء وجرحي لت




.. لحظة اعتقال مواطن روسي متهم بتفجير سيارة ضابط سابق قبل أيام


.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب




.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش