الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تعلم العرب من دروس النهضة وبناء الدولة

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2018 / 8 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


لم يتعلم العرب بعد دروس النهضة والتغيير ...لا تعلموا من فلسفة وفكر اسست للنهضة والتطور وبناء الدولة ولا تعلموا من واقعهم المعاش بتجاربه إقليميا وعالميا .. لم يتعلموا .. لا مما هو ايجابي بدراسته واكتسابه ولا مما هو سلبي بتجاوزه واخذ الدروس والعبر منه كما يقوا ابن خلدون في فوائد دراسة التاريخ .. الدولة عربيا لم يكتمل نموها التنظيمي والهيكلي بل والقانوني ناهيك عن تغييب دورها او اضعافه ..ولم يترسخ بعد معنى فكرة الدولة ودلالتها في الوعي الشعبي والنخبوي باعتبارها الرافعة المؤسسية لكل شتات وتشظي المجتمع ومكوناته من الهويات الفرعية .. الدولة كما تجلت منذ عصر النهضة ومرحلة التنوير حتى اليوم رافعة سياسية نحو الحداثة واعادة بناء مجتمع وفق هوية وطنية لامجال معها للهويات الفرعية ..الدولة ركيزة للعمل السياسي الديمقراطي من خلال مؤسسات مدنية لا طائفية ولاقبلية ..الدولة اعظم فكرة في هندسة المجتمعات واعادة بنائها وفق اسس وثقافة حديثة .. هنا تتسع فضاء الحريات العامة وتتشكل شخصيات حرة تفكر وتنتقد كل ما يرتبط بها من سياسة وممارسات واعتقادات .. ونحن العرب نعيش في واقع مأزوم تتراكم ازماته كما في حال الجمهوريات التي غابت دلالاتها واقعيا واصبحت السلطات السياسية بيد نخب مغلقة تتداخل فيها جماعات المصلحة والبيزنس بالحزب والعسكر والقبيلة ..هنا تم تغييب معنى الجمهورية وفلسفتها واهدافها كما اعلنت منذ اكثر من نصف قرن .. ومع الفشل الانمائي وضيق الهامش الديمقراطي اصبح المواطن يعيش تحت جملة من الاكراهات المادية والمعنوية فتخلقت بسبب ذلك سيكولوجية مقهورة تتجه نحو الجنس واللاهوت الديني او الهجرة الى الخارج .. وهنا انتشرت الثقافة السطحية ومعها انتشر دعاة الاسلام الامريكي بعد سنوات من اسلام الصحراء ...الجدير بالذكر ان هذه الجمهوريات تم تدمير مشروع الدولة بشكل مقصود من النخب السياسية والاقتصادية وحلفائها واعادوا الامساك بما تبقى منها وفق منهج المحاصصة الذي يعيد انتاج الطائفية والمذهبية وتغيب معه المواطنة والدولة ..(انظروا الى لبنان والعراق واليمن وليبيا ...) وهؤلاء يقدمون خدمة كبيرة للمشروع الامريكي الهادف نحو هدم الدولة الوطنية في بلادنا العربية تأسيسا لشرق اوسط جديد ومعه يتم تدريب وانتقاء نخب سياسية وحزبية بل وحتى جمعوية جديدة يوكل اليها ادارة مؤسسات دولة رخوة ..ضعيفة.. وهي جزء من صفقة القرن ؟!!
وهذا الامر يعني ان بلادنا العربية ليست الا مسرح للدول الكبرى ..فهذه الدول ..الاوربية خصوصا .. ذات ماضي استعماري وامريكا جزء كبير من مصالحها خارج حدودها ..ولهذا يتدخلون بشكل مباشر وغير مباشر لحماية مصالحهم .. السؤال .. اين مصالح العرب ومن يحميها ؟ اليوم العرب في اسواء حالاتهم حتى ايام المماليك كانوا افضل ...الدول العربية ذات النظام الجمهوري في انهيار تام وما تبقى منها فاشلة ..والاخرى ضعيفة ..رخوة ...تبتزها امريكا كما السعودية والامارات .. وتدخلها في معارك اكبر من حجمها .. اليمن لديها قدرات بشرية وموقع جغرافي ممتاز واليمن بلد زراعي ومنفتح للتجارة إقليميا ودوليا لكن أيضا لليمن نخب بليدة وبائسة في السياسة والاحزاب ومراكز القوى ومعهم نفر من الازلام ..هذه النخب دمرت حاضر ومستقبل اليمن وشوهة ماضيه القريب والبعيد ..؟ الحل يكون بتشكل نخب جديدة وبدائل سياسية وحزبية جديدة وخطاب سياسي وديني جديد .. ودون ذلك سيستمر العبث السياسي وستستخدمه امريكا في حل يؤسس لدولة فاشلة من خلال تمكين جماعات عصبوية تتقاسم السلطة كمحاصصة ضدا على المشروع الوطني الديمقراطي .؟
ومن هنا كانت -ولاتزال – دعوتنا لتحقيق امجازات سياسية وتنموية تعيد الاعتبار للدولة كفكرة ومؤسسة ..ولكن لماذا لا تحقق الدولة تلك الإنجازات ؟ الجواب يكمن في الإشارة الى النخبة السياسية التي تفتقد للرؤية الاستراتيجية لما تسعى اليه على المدى الاني والمتوسط والبعيد ..ولأنها لا تتحكم بالقرار السياسي والعسكري ..ولان أعضاء تلك النخبة لا تتوافر فيهم اي ميزة او خاصية تؤهلهم لمناصبهم ..ولأنها تبتعد عن القاعدة الشعبية باستمرار ..
ولأن الفساد في صفوفها لامجال لنكرانه خاصة تعيينات اقرباء الوزراء او الازلام المتسلقين والمتنططين ...ولا يكفي القول انها تمثل الشرعية ..فالشرعية بالنسبة لي شرعية النظام الجمهوري وفلسفته السياسية وفق محددات المواطنة والمساواة ودولة القانون والحياة المدنية في المجتمع .. ولهذا لايمكن ان يستقر اليمن او أي بلد عربي الا من خلال دولة مدنية تتعزز معها المواطنة والمساواة .. واليمن خاصة لامجال فيه الا ان يكون دولة مدنية حديثة. ومجتمع متعدد ومتنوع لاطائفي ...والا ستكون الحروب والفوضى مسار عشرون عام قادمة ..ومعها ينهار المجتمع ويكون التفريط بالسيادة للخارج ... وراية الجمهورية هي مصدر الشرعية والولاء الذي التزم به حتى لو تم ربط تلك الراية بشجرة على قارعة الطريق او عمود كهرباء في شارع مهجور من الحركة ....الجمهورية بشعاراتها وفلسفتها السياسية ومضمونها الاجتماعي الاقتصادي ما نناضل من اجله ...
فالوطن والدولة المدنية والديمقراطية تستحق ان ندافع عنها كتعبيرات مدنية ومعيشية وفلسفية ترتبط بحياتنا ووجودنا الاجتماعي ولا مجال للاوهام السياسية التي تربط الافراد والمجتمعات بمتخيلات ماضوية او متخيلات متجاوزة للواقع ومخاصمة له . ولايمكن الاصطفاف مع تدمير المجتمع ورفع شعارات دينية او حزبية او مذهبية لان الواقع المعاش بتعبيراته المعاصرة وفي سياق حضاري عالمي يدعونا للبناء الحداثي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بل وتعزيز الاستنارة بوعينا بالدين والتراث وفق منظور منهجي نقدي للمسار التاريخي وتشكلاته وتعبيراته المختلفة .
في هذا السياق لابد وان يكتمل بناء الدولة الحديثة في عموم الوطن العربي -خاصة اليمن- ولابد من الاعتراف بالتعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي والديني دون اكراهات فكرية ضد فئات او جماعات ..لان التعدد والتنوع قيمة ثقافية وحضارية ...
ولا يمكن لمجتمع يستقر الا في اطار من المشاركة المجتمعية والتعدد الثقافي وان تكون الدولة ممثلة للمجتمع بكل تكويناته وتجمعاته السكانية بمحدداتها الانتربولوجية ..ولكن الإشكالية تظهر في الاستخدام السياسي للهويات الفرعية ضمن صراع على السلطة واحيانا بالاستناد على الخارج هنا تكون الديمقراطية فاعلة في الحوارات السياسية والتمثيل السياسي الذي يحول دون العنف المادي ويبقى الصراع فكريا وسياسيا داخل مؤسسات وهيئات ذات مشروعية قانونية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن