الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود درويش الذي لا يريد لهذي القصيدة الجديدة ان تنتهي

احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)

2018 / 8 / 11
الادب والفن


في مثل هذا اليوم كان قد رحل محمود درويش لم اصدق انه يمكن ان يرحل لاسيما ان قناعة لدي ترسخت انه متل القط بسبعة ارواح وكان من النوع الذي يؤثر عميقا بمن حوله فترى ان المنظمة تهابه وعرفات يهابه وليس العكس وان حساباته لموازين القوى افضل من حسابات من يعتبرون قادة للشعب الفلسطييني ..يوم موته اصابتني حالة من الندم فقد مات فعلا اي ان محمود درويش قد يموت وليس بسبعة ارواح ما ان يصاب بجلطة حتى ينهض منها معافى ويكتب دواوين اكثر وافضل من كل ما كتبه..حالة الندم اصابتني لأننا كان يمكن ان نكون اصدقاء فتوفرت لي اكثر من فرصة لالتقيه ولم افعل وكانت فرصة اللقاء معه ممكنة في قلعة سوسة بتونس فكان الحضور بالعشرات وجميعهم وجميعهن سلموا عليه الا انا اخترت ان انسحب لافلت في شوارع سوسة حيث كانت مدينة عجيبة تسير بها فلا تجد فيها اي تونسي او لاتميزه كان موسم السياحة وكنت اسير في مركبات سياحية ضخمة وممتدة على مسافة عدة كيلومترات والوجوه لسياح اوروبيين وغيرهم..كان من الممكن ان نصل الى صيغة ما بيينا للتعاون او الحوار او التعارف على الاقل كما نائبه في مجلة الكرمل حسن خضر الذي ظلت علاقتي طيبة معه وهو طيب بالفعل في تونس او يوم طلب مني ان اعود لاشتغل باحدى الوزارات بغزة وكان هذا في بروكسل ..كنت مشوشا و دخلت بتعقيدات الغربة والمنفى وادور في حلقة مفرغة وتجربتي مع الاجهزة لم تكن مشجعة رغم ان لي اصدقاء في هذا الوسط وسط المنظمة الثقافي والسياسي كانت الى جانبي في تونس وكانوا من خلفيات مقاومة فعلا..مات محمود درويش بعد ان تأكد انه نحت جداريته ليعود الينا من الغياب حاضرا في كل ان وكأنه يتجول اثيريا في كل هذا العالم بيننا وحولنا وفي كتاباتنا


انتبه محمود درويش متاخرا بعض الشيء الى العطب في قصيدته رغم ان شهرته كانت قائمه على هذه القصائد المعطوبة او الساذجة او التي تحمل الى حد ما شعارا ولا علاقة لها بالشعر ..كانت قصيدة سجل انا عربي تطارده بفجاجتها ولو كنت محله لقلت من كتبها نتنياهو للحط من سوية الشعر الفلسطيني الإنساني الذي اكتبه فما الذي تقوله هذه القصيدة فنيا او شعريا لا شيء سوى شعار في مرحلة عربية طارئة وايضا قصيدته الساذجة احن الى خبز امي وقهوة امي أيضا لا تقول شيئا ولا تحمل شيئا ابداعيا جديدا فكل منا يحن الى عكوب امه او طبخة الفاصولياء البيضاء التي كانت تعدها امه او مجدرة البرغل التي كان يرمها رما من طنجرة أعدتها امه اذا لا جديد فيها ولا دهشة ولا شعر ولا ابداع .. ولم يقع درويش وحده في هذا المطب بل ان تراثا مكدسا من اطراء العرب بشعرهم وانه ديوان العرب يدل على ان هذه الامة لاعلاقة لها بالابداع ولا بالشعر فكل اشعار العرب صف كلام ساذج فما الذي يقوله بيت المتنبي "عش عزيزا او مت وانت كريم بين طعن القنا وخفق البنود" أيضا لا شيء كلام فارغ وادعاء اجوف وخواء تام من الصور والدهشة وغيرها مما قرأناه لعنترة "يا دار عبلة في الجواء تكلمي وعمي صباحا دار عبلة واسلمي " مجرد وقوف ابله على الاطلال والقاء لسلام عابر فما هي الاطلال التي لدى البدو وهي مجرد مضارب خيم وقماش نخيل فلا ابداع ولا تراكم حضاري اشوري او اوغاريتي او فرعوني ولاهم يحزنون بل شوية نخل مرماة على بعضها وبيوت شعر..ربما كان للبترودولار الخليجي ان يصنع من البدو الذي لاحضارة لهم شيئا عظيما او معلقات اما ما اشبه..كيف يمكن ان نقارن هذا الشعر مع العمق الحضاري الصيني او الفارسي او حتى اشعار سورية الكبرى وحضاراتها
نقرأ في الشعر الصيني القديم هذه اللوحة :" لا طَيْفَ إنْسانٍ يَلُوحُ
في جَوانِبِ الْجَبل،
لكنَّ لِصَوْتِ النَّاسِ
في سُفُوحِهِ صَدَىً،
أشِعَّةُ الغُروبِ
تَسلَّلَتْ في الغابَةِ العَمِيقَةِ
وغَمَرَتْ بِنُورِها
الطَّحالِبَ الخَضْراءَ مِنْ جَدِيد"



هنا يكتب الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي بمقطع من قصيدة "انظر كيف تبتسم شفاه الأرض هذا الصباح

رقدت بجانبي ليلة أمس، مجددًا"
بهذه اللوحة السيريالية الغارقة بالصور والدهشة والتساؤلات والتاويلات التي تتناسل بلا نهاية يقدم لنا الشيرازي الشعر الراقي على شكل قصة بعدة كلمات تمتلك كل عناصر التشويق والدهشة
بعد ركل محمود درويش كل قصائده التي شهرته وجعلته نارا على علم وهي التي تتمتع بصفة البلاهة وقول لا شيء بل الاقتباس من ديوان العرب في الفخفخة كسجل انا عربي او الوقوف على اطلال فنجان قوة لأمه هاهو يعيد اكتشاف القصيدة من جديد ويكتب شعرا مختلفا تماما وان لم يصل الى عمق الصيني او الفارسي الا انه مسار جديد وعمق اخر في ارض أخرى غير ارض دواوين العرب الجوفاء:" وكُلُّ شيء أَبيضُ ،

البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ

بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في

سماء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ ، ولم

أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه

الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي

فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي :

(( ماذا فعلتَ ، هناك ، في الدنيا ؟ ))

ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ ، ولا

أَنينَ الخاطئينَ ، أَنا وحيدٌ في البياض ،

أَنا وحيدُ …"
بات الشعر على يد درويش الان رؤية فلسفية وتناول التدرجات المعقدة لنفسية كائن حضاري
من اشعار الحب السومري نقرأ :" بينما كنت بالامس , انا ملكة السماء,ازهو وأتألق

حين كنت اتلألأ وأمرح وحدي

حين كنت اغني مع شروق نور الشفق

التقى بيدي (اوشم ـ كال ــ انا) (وهو احد القاب تموز) وعانقني

وحاولت انانا ان تفلت منه اذ خاطبته

ما هذا ايها الثور الوحشي .

علي ان اعود الى البيت فخل سبيلي ما ذا عسى ان اقول لأمي.

بأي عذر سأتذرع الى امي ننكال..

فأ جابها تموز

يا انانا يا ادهى النساء سأعلمك ما تقولين .

قولي لها :

اصطحبني احدى صويحباتي الى ميدان المدينة العام .

فلهونا بالالحان والرقص , وغنت لي اغنية عذبة .

ففاتني الوقت وأنا في غمرة فرحي وحبوري. "
في ديوانه "لا اريد لهذي القصيدة ان تنتهي يختم درويش محاولاته الشعرية الجديدة وكأنه يقول انا اسف كنت أتمنى ان يطول بي العمر ان انهي قصيدة اجمل فقد عرفت درب الشعر وان متأخرا وهذه محاولاتي المتواضعة التي اسعفني بها اول المسير:" ها نحنُ نشربُ قهوتَنا بهدوءِ أميرينِ
لا يملكان الطواويس، انتِ أميرةُ نفسِك
سلطانةُ البر والبحر، من أخمص القدمين
الى حيرةِ الريحِ في خصلة الشعر.
في ضوء يأسكِ من عودة الأمسِ
تستنطقين حياةً بديهيةً. وبلا حرسٍ
تحرسين ممالكَ سريَّةً. وأنا، في
ضيافةِ هذا النهار، اميرٌ على حصَّتي
من رصيفِ الخريفِ. وأنسى مَن المُتّكلِّمُ
فينا لفرطِ التشابه بين الغيابِ وبين
الإيابِ اذا اجتمعا في نواحي الكمنجات
لا أتذكّر قلبي الا اذا شقَّهُ الحبُّ
نصفين، او جفَّ من عطش الحب،
او تركتني على ضفة النهر احدى صفاتك!
ضيفاً على لحظة عابرةْ
اتشبّثُ بالصحو،
لا امسَ حولي وحولك
لا ذاكرة،
فلتكن مَعْنوياتُنا عالية"
..................................................
لييج – بلجيكا
اب اوت 2018
..................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا