الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا تفشل في كسر شوكة الثورة الايرانية

جورج حداد

2018 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إعداد: جورج حداد*

في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبفضل النضال الشعبي والتضحيات الجسيمة استطاعت الشعوب العربية القضاء على اشكال الاستعمار القديم الذي دام عشرات ومئات الاعوام في مختلف البلدان العربية. ولكن الامبريالية العالمية استطاعت ان تزرع الكيان اليهودي في فلسطين. الا انه في العديد من البلدان العربية، وخاصة في مصر وسوريا والعراق والجزائر، وصلت الى الحكم القوى والحركات الوطنية والقومية والتقدمية، التي كان بامكانها ان تدعم الجماهير الشعبية الفلسطينية المظلومة لاقتلاع الكيان اليهودي وتحرير فلسطين مرة والى الابد. ولكن في ظروف الاستعمار الجديد "النيوكولونياليزم" القائم على "الانفتاح" و"الصداقة" وتقديم "المساعدات" والقروض الى البلدان المستعمرة السابقة، فإن الفساد نخر انظمة الحكم الوطنية الجديدة، التي تآكلت من داخلها وتحولت الى انظمة دكتاتورية استبدادية متناحرة، همها الاول والاخير الاحتفاظ بالسلطة ومكاسبها و"خيراتها". ودخلت البلدان العربية في ما يسمى "عصر الردة" و"الزمن العربي الرديء"!
وجاء انتصار الثورة الوطنية الاسلامية في ايران، في 1979، ليشعل الضوء في آخر هذا النفق المظلم، وليسجل نقطة تحول في المسار الرجعي الذي فرض على حركة التحرر العربية. وطوال العقود الماضية حاولت الامبريالية العالمية واسرائيل والرجعية والشوفينية العربية العميلة والخائنة ان تقضي على جذوة الثورة الايرانية، من الداخل والخارج، الا انها فشلت فشلت ذريعا.
وخلال السنوات الماضية تحولت ايران الى قاعدة راسخة للانطلاقة الجديدة للمقاومة ضد اسرائيل وضد المؤامرات الامبريالية ولا سيما خطة تجميع الجيش التكفيري الارهابي العالمي واكتساح سوريا والعراق ومحاولة اقامة "خلافة اسلاموية" جديدة على انقاض الانظمة العربية القائمة، "خلافة" تقودها المخابرات المركزية الاميركية مباشرة. وكان دور الجمهورية الاسلامية الايرانية دورا محوريا في مواجهة هذه المؤامرة الامبريالية ـ اليهودية العالمية.
وقد شنت اميركا واسرائيل وجوقتهما الغربية والعربية حملة شعواء ضد ايران بتهمة انها تنوي تطوير برنامجها السلمي النووي لانتاج القنبلة الذرية، وتم فرض العقوبات الاقتصادية القاسية على ايران، دولة وشعبا، بذريعة هذه "التهمة على النوايا"، لاجل اخضاعها وجعلها تمتنع عن مساندة محور المقاومة والممانعة والتخلي عن مواجهة الجيش التكفيري العالمي في سوريا. ولكن كل هذه المحاولات فشلت. واخيرا، وبعد مفاوضات صعبة دامت سنوات طويلة، تم سنة 2015 توقيع الاتفاقية النووية مع ايران (المعروفة باسم "6 + 1")، التي بموجبها كان من المفترض رفع العقوبات عن ايران، مما سيمكنها من استعادة نموها وازدهارها الاقتصادي. وكانت اميركا، في عهد اوباما، احدى الدول الكبرى الموقعة على الاتفاقية.
ولكن تبين فيما بعد ان توقيع حكومة اوباما على الاتفاقية النووية لا قيمة له. ولو كانت اميركا صادقة في توقيع الاتفاقية، فلماذا فرضت العقوبات الاقتصادية على ايران قبل توقيع الاتفاقية اي قبل التأكد من ان البرنامج النووي الايراني هو برنامج سلمي بالاعتراف المتكرر للوكالة الدولية للطاقة الذرية. والواقع ان اميركا كانت تمارس تجاه ايران سياسة العصا والجزرة من اجل تطويعها وتغيير نهجها السياسي والا تعرضت لكل اشكال الضغوط ولخطر اسقاط النظام الثوري الراهن. وبعد توقيع الاتفاقية والانفراج النسبي في العلاقات الايرانية ـ الغربية أملت اميركا ان تتخلى ايران عن نهجها الثوري وان تدخل "راضية" في بيت الطاعة الغربي. ولكن ذلك لم يحدث. بل حدث العكس. وقد تجلى ذلك في الساحة السورية وفي اليمن ولبنان بشكل خاص. كما تجلى في توسيع وتعميق التقارب بين ايران من جهة وبين روسيا والصين من جهة ثانية.
وهنا علينا التوقف عند نقطة هامة جدا وهي: ان الذي يحكم اميركا ويدير السياسة الاميركية ليس السعادين القابعين في قيادة الحزبين الجمهوري والدمقراطي، وفي البيت الابيض والكونغرس والبنتاغون والسي آي ايه. فهؤلاء ليسوا سوى دمى وكراكوزات "تحطهم وتشيلهم" حسب الظروف حكومة سرية عميقة هي التي تحكم فعليا اميركا. وهذه الحكومة العميقة هي الاداة الدولوية المركزية للطغمة المالية الاميركية ـ العالمية العليا، اليهودية، الماسونية، البروتستانتية، الكاثوليكية.
والحكومة الاميركية العميقة "تطنش" عن امتلاك باكستان والهند للقنابل الذرية والصواريخ بعيدة المدى، وهي تستفيد من ذلك في ترهيب البلدين احدهما بالاخر وفي تطويع بقية بلدان المنطقة. وهي ـ اي الحكومة العميقة الاميركية ـ على استعداد "للتطنيش" عن امتلاك ايران للقنبلة الذرية والصواريخ بعيدة المدى، فيما لو كانت ايران غير معادية للامبريالية الاميركية. بل ان اميركا تستفيد من ذلك في جعل البلدان التابعة لها في المنطقة اكثر تبعية واكثر طواعية. وما يهم اميركا وحكومتها العميقة هو دفع ايران لتغيير نهجها الثوري، ان بواسطة العصا او بواسطة الجزرة.
وبعد انتهاء كرنفال الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة، جاؤوا بالمهرج دونالد ترامب الى البيت الابيض. وعلى الفور بدأ هذا المهرج، بالتعاون مع جوقته التي تضم صهره اليهودي كوشنر وجون بولتون وميلانيا وايفانكا بالاضافة الى محمد بن سلمان وغيره من امراء السعودية والامارات وقطر، ـ بدأ في اداء الدور المنوط به وهو العمل على كسر هيبة ومعنويات العالم العربي والاسلامي وترويض الثورة الفلسطينية والثورة الايرانية والمقاومة الوطنية الاسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله.
وكان اول قرار اتخذه ترامب على هذا الصعيد هو مرسوم المصادقة على قرار الكونغرس الصادر في 1996 بنقل السفارة الاميركية الى القدس، خلافا لجميع قرارات الامم المتحدة ذاتها حول فلسطين والقدس وعودة اللاجئين واعادة الاراضي العربية المحتلة في 1967.
والقرار الاستفزازي الثاني الذي اتخذه ترامب هو قرار الانسحاب من الاتفاقية النووية مع ايران والاعلان عن تشديد العقوبات عليها وحتى فرض العقوبات على الدول والشركات التي تواصل العلاقات مع ايران. وهدد ترامب انه سيجري تخفيض صادرات النفط الايرانية الى الصفر اي عمليا: التدمير التام للاقتصاد الايراني. وانعكس ذلك على الفور على السوق المالية الايرانية، فانهار سعر صرف العملة الوطنية وارتفعت نسبة التضخم بشكل دراماتيكي وارتفعت كلفة المعيشة.
وردت ايران على ذلك انه فيما اذا تم منع تصدير النفط الايراني فإن ايران ستعمد الى منع تصدير الطاقة عبر مضيق هرمز. وحسبما يقول الخبراء فإن اكثر من 80% من النفط والغاز المستهلك في العالم يمر عبر مضيق هرمز ومضيق باب المندب. وايران تمتلك القدرة التكنولوجية ـ العسكرية لاغلاق المضيقين. وهذا يعني الشلل التام للاقتصاد العالمي (باستثناء روسيا والصين لوقوعهما في المقلب الاخر)، اي انه يعني الانتقال من نطاق التضييق الاقتصادي الى نطاق الحرب المباشرة بين ايران وبين اميركا واسرائيل وحلفائهما. اي اننا نقف على اعتاب حرب عالمية اذا خرجت الامور عن السيطرة.
وقد ردت روسيا والصين انهما لن تتخليا عن تعاملهما التجاري والاقتصادي الطبيعي مع ايران ولن تتقيدا بـ"الممنوعات" الاميركية. كما انهما لن تقفا مكتوفتي الايدي اذا وقعت الحرب، لان الذي يمكن ان يضرب ايران اليوم سوف يضرب روسيا والصين في اليوم التالي.
واذا وضعنا جانبا مناورات ترامب واعلانه عن استعداده للقاء مع القادة الايرانيين في اي مكان وزمان يريدون من اجل البحث في امكانية عقد اتفاقية نووية جديدة "افضل" من الحالية وردود القادة الايرانيين (وطبعا المباحثات السرية وغير المباشرة التي تجري خلف التصاريح العلنية) ونظرنا فقط في الجانب العسكري يمكن القول:
ـ1ـ ان اميركا تمتلك قوة عسكرية مرعبة (الى جانب القنابل النووية الاميركية والاسرائيلية) وعدا عن حاملات الطائرات والقوات البحرية في الاقليم فهي تمتلك القواعد العسكرية الضخمة التي تحيط بايران من كل جانب في السعودية وقطر وافغانستان وبحر قزوين والبلقان وجزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي. ومن حيث الاسلحة يتبجح بعض الخبراء العسكريين الاميركيين ان اميركا تمتلك ترسانة كبرى من الصواريخ المجنحة والقنابل الثقيلة الذكية التي توجه عن بعد، وانها ـ اي اميركا ـ يمكنها اصابة 10.000 هدف محدد مسبقا في موجة واحدة في غضون بضع ساعات فقط. كما تمتلك القنابل الطنيّة فائقة الوزن من طراز МОР و МОАВ والقوة التفجيرية لهذه القنابل هي هائلة جدا وتحدث زلزالا بقوة عالية على مقياس ريختر ويدمر مدنا كاملة في دائرة قطرها عشرات الكيلومرات، ولهذا تعتبر من اسلحة الدمار الشامل مع انها غير نووية. وهذا طبعا غير الاسلحة النووية والكيماوية والجرثومية. وتحمل القنابل الطنية فائقة الوزن الطائرات القاذفة الستراتيجية من طراز ⢶ التي كيّفت كي تحمل كل طائرة قنبلتين من هذا النوع. ولا تحتاج القاذفات الستراتيجية للدخول في المجال الجوي الايراني بل هي يمكنها ان تقصف عن بعد مئات او آلاف الكيلومترات.
ولا شك ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ المضادة، الروسية والصينية، الاصلية والمعدلة، والايرانية الجديدة والمجددة.
ـ2ـ اذا تجردنا عن جعجعة ترامب وبهلوانياته ونظرنا الى اوضاع اسرائيل الواقعية نكتشف ما يلي: في زمن الجعجعة والديماغوجية للدكتاتورية في مصر وسوريا والعراق، كانت اسرائيل في احسن حالاتها، ترغي وتزبد وهي في وضعية الهجوم وقادرة على تدمير ثلاثة جيوش عربية معا في بضع ساعات. اما الان فقد تغير الحال، وانتقلت عادة الجعجعة من الانظمة العربية الثورية المنحرفة الى اسرائيل. وانتقلت اسرائيل من وضعية الهجوم الى وضعية الدفاع: تبني جدران الفصل العنصري، وتعلن "يهودية" الدولة اليهودية (ماذا كانت حتى الان؟) وتبني القبب الحديدية وتنشر شبكات الصواريخ المضادة للصواريخ وتضاعف اعداد الملاجئ ولا تعرف كيف ستواجه صواريخ حزب الله وتستغيث لانقاذها حتى من الطائرات الفلسطينية الورقية الحارقة. واليوم، مع وجود الثورة الايرانية، وازدياد قوة وتجربة حزب الله والمقاومة المسلحة والشعبية الفلسطينية، ومع امكانيات سحب القرار من يد النظام السوري واحتمالات تحويل الجماهير الوطنية السورية والجيش العربي السوري الى مؤخرة احتياطية للمقاومة وتحويل الارض السورية الى عمق ستراتيجي للمقاومة وجسر عبور بين لبنان المقاوم والعراق وايران، ـ نقول: مع هذه المعطيات الستراتيجية الهامة فإن اسرائيل تصبح رهينة في قبضة محور المقاومة. اي انها تصبح "الخاصرة الرخوة" للطاغوت الاميركي.
ان لسان حال الطغمة المالية اليهودية العالمية يقول: اذا خسرنا اسرائيل، سنخسر كل شيء. فماذا ينفع اليهود اذا ربحوا العالم وخسروا اسرائيل!
هذه هي اليوم نقطة الضعف الرئيسية الاميركية، التي ينبغي الامساك بها وتشديد الخناق عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر