الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الاستفتاء في قضايا الحريات وتقرير لجنة الحريات الفردية بتونس . ماهي الحدود

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2018 / 8 / 11
حقوق الانسان


"الفرق بين الاستفتاء الشعبي العام و الحرب الأهلية هو نفسه الفرق بين " البرميل المتفجر" وصاروخ "ستينجر" موجه ، الاول يقتل الصغير مع امه والثاني يقتل الأم وصغيرها."

تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة تقرير اشكالي من أربع نواح :
الأولى هو تقرير سلطوي صيغ بطلب من رئاسة الجمهورية التي لا ثقة لنا في تخندقها بشكل اصلي في خندق الحريات .
الثانية: محتوى التقرير ذاته واستشهاداته ومقدمات فقراته وحتى خلاصات بعضها معادية لحقوق الإنسان في بعدها الكوني بل و تستنجد بالجانب التشريعي/الديني في اغلبها (في حين أن جوهر مسألة الحريات استقلالها عن الدين ) .
اما الثالثة فتتمثل في تركيبة اللجنة ذاتها وناساتها الصائغة للتقرير بوصفهم مجموعة منبتة عينها السيد الرئيس لغاية في نفس يعقوب وبمقابل لا يعلمه الا " يعقوب" ، ليخرج تقريره هجينا هزيلا بهذا الشكل الذي طلع لنا به ( لا فرق كبير بينه وبين كتابات شيخ النهضة في الحريات العامة في الدولة الإسلامية أو المرأة بين القرآن وواقع المسلمين !! و ربما لهذا رفض شيخنا "المتعلمن" لقاء جماعة التقرير من باب "صاحب صنعتك يقسم معاك هه ) .
وأما المأخذ الرابع ( وهو مأخذ أصلي عندي على الأقل ) فهو تغييب التقرير بشكل متعمد للحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأفراد ونزعهم نفس المنزع البرجوازي الكلاسيكي والتقليدي في فصل حق الناس في تملك أسباب عيشهم عن حقهم في أن يعيشوا آمنين في حين أنه لا تستقيم هذه دون تلك ابدا ابدا !
ولكن هذا التقرير الذي اراد صائغوه و صاحب عملهم وحسبتهم "اصباغه غصبا" بطابع الناطق الرسمي باسم الحريات الفردية اليوم لا يجب أن يضعنا في الزاوية وأن يحدد لنا سقف النقاش والدفاع من أجل قضايا الحريات كما يجب ان تكون متصالحة مع الانسان في شموليته وخارج كل حدود التقزيم القسري لوجوده المستقل تحت يافطة "دين الأغلبية!!) ورغم حجم الغوغاء و الضوضاء "الاسلاموية" التي تسنتجد بعقبة وجيشه السابق والحالي سرا وعلنا و التي تستنهض بقايا همم "المجاهدين" العائدين منهم من جحيم سوريا وليبيا أو المقيمين منهم "تقية" في جحيم تونس !! لا يجب أن نغفل مسألة الحريات في كليتها وشمولها والتي تتجاوز بكل تأكيد ما قدمه تقرير لجنة الحريات الفردية "الغير حرة .
ولكن (وهذا الاستدراك مهم جدا ) لا يجب أن نقبل أو أن نسمح بكل اشكال وحملات التكفير التي تطال اللجنة وأعضائها وأنصارها من قبل مجموعات الردة والإرهاب الفكري والمادي ، رغم أن منطلقات الضارب والمضروب واحدة ، ولا يجب أن نسمح لتحويل قضايا الحريات والمساواة المواطنية إلى مسائل خاضعة للاستفتاء السياسي و الحسابات الانتخابية ، لانه بكل بساطة لا يمكننا تنظيم أو القبول بتنظيم استفتاء حول طرد "المسلمين او المسيح او اليهود او اللادينيين مثلا من تونس من عدمه " أو القبول باستفتاء حول منع "السمر من العمل أو السكن أو التجوال في مدن الساحل أو الشمال " مثلما لا يمكننا القبول باستفتاء حول "منع محبي الشاي من شربه خارج قاعات الشاي" !!!
سادتي الاستفتاء الشعبي فعل مواطني حول القضايا المصيرية للشعب ومجموعاته المختلفة لتقرير وحدتهم التاريخية والمصيرية من عدمها وهو يفترض شرطا مسبقا أساسيا ، ألا وهو التساوي في المواطنة ، أي في الحقوق والحريات الفردية والعامة أولا و قبل كل شيئ ، دون هذه المساواة المطلقة يكون الفرق بين الاستفتاء الشعبي العام و الحرب الأهلية هو نفسه الفرق بين " البرميل المتفجر" وصاروخ "ستينجر" موجه ، الاول يقتل الصغير مع وامه . والثاني يقتل الأم وصغيرها .
لذلك فإن على كل الصادقين مع أنفسهم أن يقفوا بكل صلد ضد أعداء الحرية وأن يساندوا بكل الطرق معركة الحريات والمساواة ضد كل الإرهاب الذي الفكري و المادي الذي يواجه لجنة الحريات "اليتيمة" وتقريرها الكسيح ، حتى نظمن تساوينا في البؤس و نحضى بمواقع متقدمة في دفاعنا عن إنسانية الإنسان في الحرب المعلنة ضده من قبل أبناء العمومة وأنسباء الدم (سفاح) من الجهتين "الزيتونيين ، جماعة التقرير وجماعة جمعيات الأئمة ) .
ان النقاش على هامش تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس على على هناته ، يدفعنا الى بحث اعمق في قضايا الحريات الفردية البرجوازية وحدودها . فماهي هذه الحدود ؟
اغلب النقاشات تتمحور حول ما ورد في تقرير لجنة الحريات وخاصة قضيتي المثلية الجنسية و و"الزنا" و"الخناء" وما يترتب عنهما من تهديد للأسرة "نواة المجتمع" وكل هذا اللغط بين أنصار الحرية الفردية المفترضين (ومنهم كتبة التقرير الهزيل شكلا ومحتوى وهدفا) وأعداء الحرية الفردية المفترضين (ايضا) المنعوتين بالمحافظين الإسلاميين للسبب البسيط أننا في دولة اغلبيتها المفترضة تدين بالاسلام ) ولكن سلاح كلا الطرفين المشترك ترسانة من النصوص والقوانين والتشريعات والأعراف...الخ "الدولاتية" التي تقحم نفسها بالقوة في حياة الأفراد لتحديدها وتوجيهها وفق فهم/تصور ما قبلي ، مسقط يلغي الفرد بوصفه فردا مستقلا بذاته وواعي بمصلحته وحاجياته لحساب "المجتمع" الذي يسهر هؤلاء (كتبة تقرير الحريات) وأولئك (أنصار الشريعة) على حمايته من التفكك على حساب حرية الأفراد وإن كانت كل من مرجعية فريق"الكتبة" ومرجعية "أمراء الكتاتيب" تظهر لنا متضاد ومتناقضة من زاوية الدين (ليس الاسلام فقط بل ومعه كل الاديان الاخرى حتى الاكثر وضعية وانسانية بينها ) والعرف ..الخ الا أنهما يشتركان/يتشابهان في آلية الضبط الصارمة التي تجيز لهم التدخل السافر في حياة الأفراد لضبطها وتوجيهها في أدق تفاصيلها بما يخدم المصلحة "العامة" ! طيب دعونا نمارس بعض الرياضة الذهنية "الفردية" ولنفترض أن أحدهم/ احداهن رغب في إقامة علاقة مع أحدهم/احداهن سيقول بعضنا تلك حريتهم الخاصة طالما يعون ما يصنعون ويستدركون في نفس الوقت ولكننا لسنا منهم فهم أقلية رغم حقهم في ذلك ثم يضيفون لهم تصنيفا استثنائيا "المثليين" ليفردوا لهم في ما بعد قانونا خاصا و استثناءات قانونية خاصة ومحاور نضالية ...الخ خاصة بوصفهم أقلية!! و سيقول آخرون إنها أمراض اجتماعية لا تستوجب العقاب بل تستوجب العلاج والتقويم ...الخ ولكن وفق ضوابط اجتماعية وقانونية ...الخ تحفظ للمجتمع سطوته على الفرد ، وستقول الأغلبية هذا ضد نواميس وشريعة الله تستوجب ردعا وتوبة وإصلاحا ... الخ أو نكرانا للفرد حماية لنواميس "الله" وقوانينه الأزلية التي تعني شأن الفرد (استخلفته في الارض وحملته وحده دون سواه ما يحمل معه من اثقال للجنة او النار ) لأن الله بحاجة لنا لنحسن نواميسه وقوانينه حتى لا ينفرط عقد الكون الذي خطه بكل دقة بداية ونهاية !! .ويغفل كلهم انهم اهرقوا دم الحرية الفردية على مذبح سطوة "المجتمع" التي تحددها بعض رموزها وأنبيائها بدعوى حماية "الناس" !! دعونا من كل هذا اللغط حول "المثليين من الذكور" ولنحاول سبر أغوار "مجتمع" المثليات من الإناث!! سنجد أن الجميع بكل نصوصهم وضوابطهم وموانعهم الشرعية والقانونية والأخلاقية على حد السواء تتناوله بشكل جانبي وعرضي حتى في علنية تصنيفه العلمي كمرض !! لا لشيئ الا لأن مسألة "المثلية الجنسية" الخيار الجنسي ليست مسألة مبدإية متعلقة بالأفراد عند كلا الطرفين بقدر ما هي مسألة أخلاقية أخلاقوية (تكرار الجذع في صيغتين للتأكيد ) عند كلا الطرفين مرتبطة بالنضرة الذكورية (الباطرياركية) حتى للمجتمع البرجوازي الحداثي الغير متدين لأنهما (المتدينين وغير المتدينيين) ينتصران بنفس القدر لسيادة العنصر الذي يحقق أقصى درجات الربح ويضمن أعلى درجات الاستغلال ضمن علاقات الانتاج التي تمنح وتؤبد علاقات التمييز على قاعدة سيد ومسود ، ولا يهم كثيرا أصلها أو منشؤها طالما الرب يحقق مصلحة سادة الربح في تنمية أرباحهم .
لنواصل العملية ، ولننطلق من مسلمة الحرية الفردية القائمة على الاتفاق الطوعي والواعي بأن تقبل اربع نساء (4) قياسا القاعدة الدينية (الاسلامية) الذكورية أن يتزوجن/يضاجعن رجلا واحدا !! بل وأكثر من ذلك أن تقبل إمرأة خارج الاربع بذلك وان ينقدها هذا الفحل حقها قبل أن يجف عرقها وعرقه (وفق سنة الاولين في الإسلام ) !! ما دخل الدولة القانون والعرف والأخلاق ولجنة الحريات وحتى الطاهر الحداد و الفاتيكان والأزهر في هذا ؟!! طالما الاتفاق شخصي وطوعي بين مجموعة من الأفراد الراشدة !!! اكيد سيفرح الكهنة وحراس الدين بهذا بدعوى أنها سلطة الله في خلقه ووعده لهم في الجنة !! وسينتفض رفضا الفريق الاخر "مجموعة الحداثة" بأن المرأة ليست بضاعة ولا تشيء ...الخ وأنها قاصر لا يعتد بقناعتها ووعيها في قبول التعدد ....الخ لذلك وجب حمايتها بترسانة من القوانين . هذا جيد من حيث الشكل ، ولكن يغفل أصحاب الاطروحتين أنهم يعاملون المرأة (بوصفها فرد) معاملة متساوية ومتشابهة تنتقص من قيمتها ومن قيمة كل فرد حيث في الأولى يجبرها شرع الله على أن تكون خاضعة وفي الثانية يحميها شرع اعداء الله من أن تكون خاضعة !!! ويبقى السؤال في الحالتين اين هي ، ذاتها ، وما يجب أن تكون لذاتها ؟؟ دون إعتبارها قاصرا !! وهنا يصدمنا الحجاج الاخر "العقلي" بأن المجتمع ذكوري (باطرياركي) وجب تقييده باطروحات غير باطرياركية حتى يعود لرشده . طيب هي أطروحة جميلة فلنجرب جماعة دفعها لاقصاها ولنحرر المرأة والرجل على حد السواء من قيد الباطرياركية ولنفترض معا للحظة أن إمرأة واحدة تزوجت في نفس الوقت رجلين أو ثلاث أو اربع (أو ما ملكت ايمانها) عن طوعية وسابق إعلام وحسن وعي وقابلية من الطرفين !! . مالذي سيحدث ؟
هنا ستثور ثائرة كلا الطرفين معا ، أحدهما سينتفض دفاعا عن النسب واثباته (رغم أن عيسى نبي الله نسبه أمه) والثاني بدعوى نقاوة المرأة ورمزيتها في ثبات قيم المجتمع ( رغم أن مريم ذاتها انجبت نبي الله دون إثبات واضح لأبيه الواضح ) ...الخ وسندخل في نقاشات لا طائل منها حول مسلمات لا طائل منها بأن المرأة الواحدة للرجل الواحد والرجل الواحد للمرأة الواحدة ...الخ وننسى كلنا المسألة الأساسية الأولى المتعلقة بالحريات الفردية !! حرية الاشخاص ذكورا واناثا بوصفهم افرادا يصوغون علاقاتهم الفردية الحرة والخاصة دون حاجة لتسلط أو وصاية او حتى تدخل من نساء الدين أو رجال القانون أو كهنة العرف والمجتمع والتقاليد !!
الحرية الفردية لا تتجزأ محورها واساسها الفرد ، الانسان وزينتها "أكسسورها" لا غير (لا اكثر ولا اقل )هي الحرية المزعومة ، حرية العلاقات ، حرية الحب ...الخ . طالما الإنسان غير حر في ذاته ولذاته ، طالما هو مسلوب الإرادة يبيع نفسه/ذاته يوميا بالجملة أو بالتفصيل لتحصيل قوته ومعيشته من أجل تجديد شروط بيعها مرة أخرى وفي اليوم التالي ضمن نفس القوانين "المجتمعية" الباطرياركية ونقيضها الصوري في جبتيه العلمانية والدينية ، ستظل حرياته مسلوبة و مساواته مشوهة وسيبقى غريبا عن كل العلاقات التي تبيح ل"انبياء الله" أن يأتوا ما شاء لهم من "الخبيثات" ول"أعداء الله" أن يصادقن ما شاء لهن من بني جلدتهن ويبقى الحب غائب في الطرفين ومن الناحيتين لغياب الإرادة الحرة في مجتمع حر ، مجتمع لا تحكمه سطوة قوانين الجماعة ومصلحتها على حساب حق الفرد في تملك نفسه ، وما تنتجه وما تنتج به مصالح الجميع !! الحب يا سادة هو أس المشاكل وهو أصل الحلول ولا حب أنقى واطهر من حب الذات ولا ذات دون تملك مقومات ووجودها واهمها تملك وسائل انتاج الحياة وإعادة انتاجها ، وسائل العيش ووسائل الانتاج المادية التي من خلالها تتحدد كل علاقات البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا