الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحطاط الآلهة

محمود عباس

2018 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد حان عصر دور تحكيم العقل في مناقشة الإيمان، وتحرير المؤمن من طغيان النقل، وتلمس ماهية الإله المتلائم مع التطور العلمي، وإنقاذ الروحانيات من الأوبئة والانحرافات، وانحطاط الأبعاد الإلهية أمام الجدليات العملية، مثلما أنحطت آلهة القبائل العربية الجاهلة المصنوعة من التمر والحجر أمام أول موجة فكرية معرفية، وانحطت آلهة داعش والنصرة والفرق الإرهابية الإسلامية أمام القيم الإنسانية، والفرق بينهما أن الأولى كفر بها وذلت، علماً أنها لم تحث على الغزو لنشر الإيمان، ولم تكن تلك رغم وثنيتها تحض على قتل الأطفال وسبي النساء، أما الثانية حجب عنها الكفر باسم الشريعة، رغم الغزو، وقتل الأبرياء، والقيام بكل الموبقات، وأجازوا شنائع مؤمنيها بفتاوى منسوبة إلى الأولين، ولم يكفرهم أحد من حملة أحقية التكفير، حتى تلك الفرق المتنازعة على ركن الإيمان ومرتكب الكبيرة والمتخالفين على الفقه النصي تنصلت تحت منطق علم الكلام الجامد منذ تفسيرات النص المحنط قبل قرون غابرة، والواجب تحريرها وتحريرهم من مطلقهم الفكري.
فالادعاء بأحقية التكفير أو تحجيمه، وتأويلات فرقه الثلاث، من حيث البعد العقلي دون النقل الفارض من النصوص المطلقة بتفسيراتها، بحد ذاته تكفير بإرادة الآلهة، وخداع لمدارك العامة، والذين دافعوا رفضوا الحكم وبشكل مباشر كانوا من الفقهاء أو المدعين بالفقه، وأفتوا بعدمية كفرهم، وصنفوهم من ضمن المارقين، والمبتذلين للقيم الإلهية، أو للإله الكلي، وبرروا لهم بشكل غير مباشر، أفعالهم تحت منطق الشهادة بالشهادتين، مدركين أن شهادتهم ليست لإله الرحمن، بل لألهتم البشرية، وأعمالهم انحطاط لماهية الإله الكلي، ولقيمه وأبعاد من نصوصه المتداولة، وهو كانحطاط الجهلاء المسيحيين لإلههم في عصر الظلمات بيد الفرق المسيحية الضالة والتي مرقت ولم تذنب تحت صكوك الغفران وغيرها، المشابهة للفتاوي التي ترد التكفير عن جماعات داعش وأخواتها، وعن المجموعات أو السلطات الدينية الماضية التي غرقت في المجازر باسم الآلهة، وأقربها إلينا السلطات الإسلامية بدءاً من الغزوات العربية الجاهلة الأولى إلى داعش والنصرة وأخواتهما.
وما يجري اليوم في شرقنا والعالم باسم الآلهة البشرية أو المصنوعة في مدارك البعض، والإرهابيون الإسلاميون يتصدرون ساحات الإجرام، تحت مبررات الحقوق المسلوبة والمعتدية عليها من قبل الغرب الكافر أو نشر الإسلام الصحيح، متناسين أن 74 مجزرة وأكثر وبفرمانات سلطات إسلامية التي جرت بحق الكرد الإيزيديين، ومثلها بحق الشعوب المسيحية والمانوية والزرادشتية والمزدكية، لم يكن للغرب حضور(ليس دفاعا عن سلطات الغرب) بل كان الحكام والأنظمة من مفرزات الفرق الإسلامية الضالة وبكل مذاهبها، وبفتاوى تزعم أنها تنفذ رغبات آلهتهم، أسندوها إلى التأويلات المستخرجة حسب رغباتهم من نصوص إلهية.
وعلى عتبات هذه الجرائم يحضر السؤال الشكي، هل كان سيبقى الإسلام الحاضر بفرقها المارقة في أحضان شبه الجزيرة العربية بدون المجازر المتتالية على مر القرون منذ ظهوره؟ وهل كان سيتمدد بالطرق السلمية كما تمت مع الديانة المزدكية والزرادشتية والبوذية، والمانوية؟ وهل الآلهة تحتاج إلى كل هذه الدماء والإجرام لنشر أخر الديانات السماوية، رغم أن أجزاء من النص يحرم القتل؟ أم أن ما يشرع ويطبق، وبفتاوى، قوانين بشرية، وما يتم هو تأويلات وتبريرات فقهية لما يقومون به من انحطاط للقيم الإلهية؟ وهل حقا لهم وللذين لا يكفرونهم دينهم وآلهتهم، وللمسلمين الناجين إلههم؟
الحط من ماهية الإله وتعاليمه، هذا ما عبرت عنه عمليا المنظمات التكفيرية الإسلامية (داعش والنصرة وأخواتها الإرهابية) وهي تعكس الكثير من ما وردت في النصوص المشكوكة في بعضها أو المسنودة على المنسوخة منها وتناسي الناسخة، فتعالت أصواتهم، مرددين التفسيرات السابقة الملائمة لأعمالهم، يوم حللوا قتل الإنسان في العراق على الهوية، وكفروا، بدون رادع فقهي إلاهي، عندما غزو شنكال وقتلوا شعبها الإيزيدي الآمن باسم الإله والإٍسلام، نقولها كفروا على نقيض حكم الفقهاء المدعين بمن شهد الشهادة لا يكفر، والفتوى هذه أو لنقل التأويل اللغوي للنص أو الأحاديث والمتناسي الأبعاد الروحية في الأحكام الإلهية تناقض لماهية الإله الكوني، مالك كل البشر ومصنفهم، وتناغم لمزاجية ألهتهم المخلوقة على مقاساتهم البشرية المختلة، وهو تكفير بإرادة الإله على منطق الجدليتين، القدرية والجبرية، أو أنهم يودون القول أن الآلهة أو الإله يبغي الشر كطريقة لتقويم الإنسان، وكأنهم على دراية بما يبتغيه الآلهة للبشرية وينفذون إرادته، وهذا بحد ذاته كفر وانحطاط لمدارك من لا وصف له، لمالك كونٍ نصف قطره تتجاوز 500 مليار سنة ضوئية وعدد النجوم فيه أكثر من عدد حبات الرمال الموجودة في جميع الصحاري على الأرض، حسب أخر المعلومات الفلكية، فهل يسمح مالك هذا اللامحدود الكوني لحثالة من البشر بتطبيق قوانينه حسب مزاجهم على الأخرين، ويعطى الإجازة لفقهاء من لدنهم يبررون أفعالهم بالصمت أو عدمية كفرهم، لأنهم يقولون الشهادتين، ويجب التعامل معهم بالتي هي الأحسن!؟
لا يشك وبالمنطق الإنساني وآلهة الرحمة، أنهم بفتاويهم الدفاعية عن الفرق المنحطة والاكتفاء بتصنيفهم كفرق ضالة، رجحوا الشك في كفرهم، وتصاعد الشك إلى اليقين يوم صدرت فتاوى بعدم تكفيرهم، وبها رسخوا الجهالة بالقيم الإلهية في مفاهيم البسطاء من المسلمين، وينسخونها بمراجعهم في أذهان المسالمين منهم، صفات الإله المجرم أو المحلل للإجرام والمجازر، والسبي، الذي صنعه التكفيريون لذاتهم والذي يعطيهم الحق تحت غيمة النطق بالشهادة على قتل الناس أجمعين بينهم من المسلمين على قدر الأديان الأخرى وأكثر.
كفر من لم يكفر داعش، وكفر من صمت على سبي نساء الإيزيديين والمسيحيين، كفر الذي لم يكفر مجازرهم منذ الفرمانات الأولى، إلى التي تمت في قريتي: سيبا شيخدري، وكرعزير، وما جرى في منطقة شنكال، وقرى المسيحيين المسالمين، وفي كل العراق وسوريا، وضمن الحسينيات والمساجد أو الأسواق العامة لتابعي المذهبين، وكفر من تمسك بالمطلق التفسيري للشهادتين، ولم يؤلها رغم كل الجرائم، وكفر من أوجد التبرير الفقهي بعدم تكفيرهم في العالم الإسلامي، وتناسوا أن الإحجام فيه كفر، لأن العصمة تعطي المبررات لفرق أخرى القيام بمثلها.
التأويلات المنزهة لبشائع الفرق الإسلامية الإرهابية بحق الإنسانية، وبلغة عربية منمقة ذات الصفات الإسلامية، وبمرادفات فقهية فلسفية تدرج تحت غطاء علم الكلام، ونعت كل من لا يستخدمها بعدم الدراية بالدين وأروقتها الفكرية والفقيه، خدع لماهية الإله الكلي، المراد للبشرية جمعاء الرحمة والسلام، وعليه لا بد من تطوير مفاهيم الدين الإسلامي وأحكام المراجع الإسلامية، والاقتناع أن الأديان ومفاهيمها ليست مطلقة كما الإله، فما كان يحدث في الماضي ويفسر أنها تلاءمت والعصر، أصبحت في حاضرنا جهالة وكفر وجرائم، علما أنه حينها أيضا كان القتل والسبي والغزوات تجاوزات بشرية ضد الماهية الإلهية، والكفر في عصرنا هو ذاته الذي كان في الماضي، والآلام الإنسانية هي ذاتها أمام الآلهة، ففي الماضي ولضحالة المعرفة كانت الرهبة سائدة من المجهول، ولكن اليوم وعلى خلفية التطور الفكري العلمي، ومنها بماهية الآلهة التي خلقها البعض للقيام بمجازرهم وللسيادة، لا بد من أن يعاد تقييم الآلهة بما توصف.
ففي الأديان القديمة أو الحديثة السماوية أو الأرضية والتي يقال عنها روحانيات باطنية بشرية لتنظيم المجتمع، وحتى ضمن حيز واسع من السماوية، كانت الآلهة في مفاهيمهم خارج أبعاد المساس بها، رغم أن الوصف وتحديد ماهيتهم ظلت في الأبعاد الإنسانية، أي أن الإنسان صنعهم على أبعاد مداركه حينها، والتوصيف لا يحمل أي انتقاص لكلياتهم أو لكلية الإله الأوحد، ولا للإنسان المؤمن بعقيدة روحانية له مطلقه الإلهي، فمثل هذه الشريحة تدرك أن الإله خارج الأحكام البشرية، والإنسان يعامله آلهته بما هو عليه في حقيقته وجوهره الباطني، لا بما يظهره للناس نفاقا، ليغطي على ما بداخلة من خباثة وانحطاط خلقي، وما أكثر الذين يدافعون عن الآلهة بجريمة وحقد تجاه الأخرين وجلهم يحملون التناقض في ذاته ما بين ادعاء الإيمان ظاهريا والكفر والجهالة باطنيا.
الأنسان مقارنة بكلية الآلهة عدم، والنعت المعنون موجه للبشر الذين يستخدمونه لطغيان الذات المريضة، وللذين يستخدمون المصطلحات المركبة بشريا لتسهيل استغلال الأخرين باسمه، وهو الخارج عن الأبعاد البشرية، والدفاع عنه أو توصيفه تشخيص بطريقة أو أخرى، والتشخيص انحطاط، وكفر بقدراته، ويجري هذا إما لجهالة أو لخباثة، وفي الحالتين يحق تكفيرهم بالأحكام الإلهية، وتحقيرهم في الأعراف الإنسانية.
والفرق الدينية الإجرامية، والمكفرة أو الملغية للأديان الأخرى، كداعش أو النصرة أو الفرق الإسلامية الإرهابية، أو المؤمنة بالسبي كقانون يجيره الآلهة، ومثلها فرق الأديان الأخرى المشابهة لهم كالمسيحية واليهودية في الماضي، والذين لا يفصلون ما بين الإله وما له، وبين الإنسان وما عليه، وكذلك المرجعيات الإسلامية مستخدمي ومستغلي نصوص دون أخرى والمؤمنين بالمطلق في التأويل والنص، حيث عدمية الحكم على الفرق الدينية المدافعة جدلا وجهالة عن الإله بالكفر، كصمتهم وبالمطلق على جرائم الفرق الإسلامية الـ 72 المارقة بعدم تكفيرهم، وبتفسير النص تحت أجنحة الجمود والمطلق وغير القابل للتطوير مع السند الإلهي في توسيع معارف الإنسان، هؤلاء جميعهم ومن ولاهم، يطعنون في ماهية الإلهي الكلي، ويقدمون آلهتهم الغارقة في الضحالة الفكرية والعلمية والروحية، بدءً من أوائل الذين سبوا النساء باسم الإله، وأجرموا بحق الشعوب تحت غطاء نشر تعاليمه، وقتلوا الأطفال كإرادة إلهية إلى حيث أواخر الفرق الضالة من التكفيريين المسلمين، رغم أنهم يقولون الشهادة، فكل الفتاوى وهذه ضمنها تنعدم أمام كفرهم بالله وأحكامه وقوانينه، وكفرهم أشد وأوضح، أمام تهمة تكفير الأخرين، رغم أن التكفير بحد ذاته وصف لغوي عربي نسبي، قد تكون الجدلية معكوسة، فيكون الكافر في نظر الداعشي محل تقدير لان الوصف ينطقه قاتل الأطفال، وبالتالي فكل النعوت من الجاهل ساقط قيمها ومعانيها، وهكذا فوصف الإيزيديين المسالمين بالكفر في أحكام الإرهابيين المسلمين كداعش والنصرة ساقطة ماهيتها، لان أحكام المجرمين والمنافقين وصف غير مباشر للمحكوم، في العرفين الإلهي والبشري، والمحكومون هم أبعد البشر عن الموبقات والمحرمات، فالتقييم الإلهي والأحكام الإنسانية حسب النصوص والأعراف، بين داعش والنصرة والتكفيريين عامة والكرد الإيزيديين هي الجريمة والنفاق والكذب والسرقة باسم الغزو والعهر تحت غطاء الشريعة الإسلامية وجهاد النكاح تحت تأويل فاجر لنص ما والتكفير بالأديان الأخرى بفتاوى، وغيرها من العاهات التي يؤمنون بها كطرق لنشر إسلامهم. فمن هو الكافر ومن هو الصالح المؤمن؟ وما هو الإيمان والكفر، وبماذا يقاس هذا الحكم وبمقاييس من؟
لا شك مثل هذه الجرائم وابشعها حصلت قبل الإسلام والمسيحية واليهودية، وخارج الأديان السماوية، ولكنها الأن وفي عصرنا هذا وفي منطقتنا تحصل من لدن المدعية أنها الأكثر رحمة، وحيث الإملاءات الإلهية، بنصوصه، وتتم كما فسر ويفسر النص، أو يؤل حسب الغايات والمدارك، وتبرر وتسند أن ما يجري استمرارية للماضي، متناسين أن ذاك الماضي غاب فيه آلهة الرحمة، وكان، وككل العصور اللاحقة، الحضور البارز لآلهة الشر، وهو الإنسان ذاته، المبرر لجرائمه بحق الأخرين، بإحكام واستنادات فقهية، متهما بها الإله الكلي. فالبشرية أمام جدلية معرفة الآلهة، وماهيته، والكون، بتفسيرات وتأويلات حديثة تتلاءم والعصر والحقائق، والمعارف العلمية الحضارية، للفصل بين الآلهة البشرية، حيث الكفر والإيمان حسب الرغبة، والإله الكلي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
5/8/2018م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح