الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة (مفاتيح صدئة الجهات)، ومشاكسة اللغة ..

وجدان عبدالعزيز

2018 / 8 / 12
الادب والفن


تواصل الشاعرة اسماء القاسمي في مسيرتها الشعرية بتأزيم النسق العقلاني من خلال مشاكسة اللغة وتغيير دوالها الوضعية، محاولة ان تدل من خلال هذا الكشف على الازمة الثقافية والاجتماعية التي تعاني منها الشعوب العربية، بسبب تواضع الشجاعة السياسية، بل وانعدامها في بعض انظمة الحكم العربي، وهذا الامر لم يظهر للعيان في شعرها، انما جاء في مشاكساتها اللغوية وحالة المساءلة، (والشعر حين يخوض غمار المساءلة، فإنه يتوخى توليد الرؤى الاستبصارية والاستشرافية، بدءا من تفجير لغة الكائن الإنساني المهووس بالاستكشاف وبالنزعة التشكيكية التي تتخطى نزعة ديكارت العقلانية التي لا تعترف بالوجود إلا لما يتخطى مرحلة الشك، بمعنى أن الوجود مرتبط بالتفكير، لأن الكائن - في الكوجيتو " والكوجيتو هو المبدأ الذي انطلق منه ديكارت لاثبات الحقائق بالبرهان - هو نتيجة عملية التفكير.)، لكن الشاعرة القاسمي لم تستخدم الشك كثيرا، انما واجهت الحقائق بمغايرات شعرية تحمل دلالات ايحائية، تكمن فيها حالات الرفض .. يقول بودلير : (أما اليقين فلا يقين وإنما أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا).. تقول الشاعرة القاسمي في قصيدتها (مفاتيح صدئة الجهات) :

(الفجر مراسيم النور الأول
يدوي صوت انفاسه في المدى
كأنه يلمح سر ما
في خبء غفلة
لا زلنا نعمد الطين في ارواحنا
بمذبح الوهم
لنخرج من جسد الماء
نفارق شيخوخة الوقت الذي قارب على الانتهاء
تتجلى طقوس الغفران على طيات الشك
ليظهر كل مستور)

من عنونة القصيدة حاولت الشاعرة، ان تشكك بالحل من خلال المفاتيح، التي من دلالاتها الحل، لكنها صدئة الجهات، اي من الصعوبة بمكان تلمس طريق الجهة او الوجهة المحددة ثم تعزز هذه الحيرة في لمح السر، غير انه في خبء غفلة، (لنخرج من جسد الماء/نفارق شيخوخة الوقت الذي قارب على الانتهاء/تتجلى طقوس الغفران على طيات الشك/ليظهر كل مستور)، ثم تحاول الوصول بايحاء الماء رمز النماء، وشيخوخة الوقت، والنتيجة اظهار المستور .. يرى ادونيس : (ان الشاعر هو من يخلق اشياء العالم بطريقة جديدة، وان لغة الشعر يجب ان تكون لغة كشف وتساؤل، فالشعر الحديث هو، بمعنى ما، فن جعل اللغة تقول مالم تتعلم ان تقوله، خلاف اللغة في الشعر العربي القديم، التي تقوم على التعبير، بمعنى انها لغة تكتفي من الواقع ومن العالم بأن تمسهما مساً عابراً رفيقاً، وهذا ما يجهد الشعر الحديث في ان يستبدل بلغة التعبير لغة الخلق)، (لذلك فان اللغة الشعرية تخرج من كونها اداة تعبيرية موصلة حسب، انما يقوم الشاعر بوساطتها "بعملية تشكيل مزدوجة في وقت واحد، انه يشكل الزمان والمكان معا ببنية ذات دلالة"، اذ ان المفردات فيها ليست محايدة او مكتفية بدور التوصيل القولي والمضموني، بل يدفعها الشاعر الى التزاوج والتضافر وحتى الصراع فيما بينها، كي "تكتسب معنى جديدا، وتنشأ هذه الجدة من جدلية اللغة، من التفاعل بين العلامات داخل القصيدة، ومن ان كل كلمة لاتنقل محتوى فحسب، بل يمكن ان يقال انها محتوى في حد ذاتها، انها حقيقة قائمة بذاتها" ومن هنا اكتسبت اللغة بآليتها الشعرية هذه الاهمية في النص الشعري الجديد ووعى الشاعر الجديد اهميتها وخطورتها في تشكيل حداثة نصه الشعري وجدته.)2، والفائدة المتحصلة من هذا ان الشاعرة القاسمي تقدم نصا مشاكسا يحمل روح الحداثة في توجهاته شكلا، بل ومضمونا ايضا، لذا تقول :

(إن مصابيح العالم
عتمة اضافية
كظل العين الهرمية
هاربة انا من انا الغائمة
من حاجز الحلم الموغل في القدم
تتهجاني الحروف المنقوشة بأوجاعي
وعلى كف باردة اعلق امنياتي اللحظية
من هذا !!!
الدخان القادم على أحصنة ....النور والنار
وعفاريت تسترق ثرثرة مذنب عابر
يتثاءب فم كإناء نحاسي مفتوح)

تقول رغم العالم مضاء، الا انه يعيش عتمة اضافية، من هنا تهرب من ذاتها الغائمة واسطتها الحروف التي تحمل اوجاعا ليس لها نهاية.. (تتهجاني الحروف المنقوشة بأوجاعي/وعلى كف باردة اعلق امنياتي اللحظية/من هذا !!!/الدخان القادم على أحصنة ....النور والنار)، والظاهر كان ارسطو محقا، حينما اعتبر الشعر محاكاة، يلعب الخيال فيها دوره ومن ثم يقدم حقيقة أسمى ، أي واقع جديد تعلو منزلته على الواقع الفعلي ، فالشاعر يحوّر مادته الخام ويعيد ترتيب أجزائها ويحذف زوائدها ويؤكد ضرورتها في سبيل تحقيق ما هو عالمي ومثالي، ونلاحظ ان الشاعرة القاسمي نقلت لنا رفضها بوجع تعاني منه .. بدلالة قولها : (هاربة انا من انا الغائمة)، الغموض الذي يلف الواقع وهي منه تهرب من ذاتها ومنه الى صراع جديد بين النور والنار .. (الدخان القادم على أحصنة ....النور والنار/وعفاريت تسترق ثرثرة مذنب عابر/يتثاءب فم كإناء نحاسي مفتوح).. بعدها تقول :
(أتأمل الأفق المرتشف كسلافة بلا ذاكرة
كألواح سومر المخمورة بالطوفان
اشحذ صرختي بالصمت
واقص أجنحة الخفافيش المرقعة بالسقوط
و تغريني الطيور الملونة إلى حشائش العش
يغمض كلي فأنعتق من رق غلي
واغمس يدي في لجة الضوء)

والحقيقة ان الشاعرة القاسمي عاشقة للضوء، وترى ان هناك حلول في المدى البعيد، فهذا الكون المعتم يحمل في مكامنه الضوء، لذا تقول : (يغمض كلي فأنعتق من رق غلي/واغمس يدي في لجة الضوء)، لتدل على ان هناك اسرار تتحرك مفسرة ذلك الضوء الذي تغمس الشاعرة يدها في لجته ..(ونوه مارتن كمب، الحاصل على الأستاذية الفخرية في تاريخ الفن من جامعة أكسفورد، بأن النور يعد بعداً أساسيا ركزت عليه كل والثقافات، إلا أنه اختص بعرض أبعاد النور من خلال الفن المسيحي، مستعرضاً لوحات لفنانين عدة، انعكست في لوحاتهم دلالات الضوء، منهم مايكل أنجلو، فرانشيسكو، وأوضح كمب أن النور في الفن التشكيلي يرمز إلى الخير والعدل والحقيقة، بينما على العكس من الظلام الذي يرمز إلى الشر والشك).. اذن من معاني النور الحقيقة ..

1 ـ قصيدة (مفاتيح صدئة الجهات) للشاعرة اسماء بنت صقر القاسمي

2 ـ كتاب (عضوية الأداة الشعرية) أ.د.محمد صابر عبيد سلسلة كتاب جريدة الصباح الثقافي رقم 14 2008م ص65








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا