الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الطائفي والإصلاح المحظور

فؤاد سلامة

2018 / 8 / 13
المجتمع المدني


يعيش اللبنانيون في ظل نظام طائفي ميزته الرئيسية أنه نظام استتباع واستغلال لا يتحمل الحكام فيه مسؤولية الحكم.
إنه نظام طائفي كونفدرالي يقوم على المحاصصة بين زعماء الطوائف بحيث يرتبط المواطن بزعيم الطائفة ربطا لا فكاك منه، زعيم لا يخضع لأي حساب أو مساءلة سياسية أو قضائية. هذا النظام يجمع بين الصفة القروسطية حيث النبلاء يملكون الثروات ويحكمون البشر دون حساب أو مساءلة، والصفة المافيوية الحديثة حيث عرابو المافيات يقتسمون مناطق النفوذ ويجبون الخوات، ويوزعون الحصص على مساعديهم والفتات على مأموريهم من خارج القانون والقضاء، ولا يخشون أي حساب أو عقاب.

كيف يمكن للسلطة القضائية الموزعة حصصا على الزعماء الطائفيين أن تكون مستقلة، محايدة وعادلة، في ظل هكذا نظام قروسطي - مافيوي؟
كمواطنين محكومين بالعيش في هذا الوطن الذي لم نختره، ترانا ندور في حلقة جهنمية مفرغة لا تفتح ثغرة للإصلاح، ولا تعطي أملا بمستقبل أفضل. هذا ما أثبتته الانتخابات النيابية الأخيرة التي خضناها كمعارضين ضمن إطار تحالف "كلنا وطني" وفي إطر معارضة أخرى.
لا المارونية السياسية كانت قادرة على التغيير في الماضي، ولا الشيعية السياسية ستسمح بالإصلاح حاضرا، فكيف بوجود تحالفات طائفية مركبة تعزز الفساد التحاصصي وتحول دون وصول دماء جديدة إلى موقع المسؤولية؟
أي عقد اجتماعي حديث ومفتوح على المستقبل يمكن أن ينشأ أو يتطور تدريجيا في ظل طائفيات سياسية استتباعيه مغلقة ومتحاصصة في كل شيء؟

في تكوينه الداخلي الذاتي ثمة انغلاق للنظام اللبناني على أفق الإصلاح، فكيف إذا أضفنا على هذا التكوين الجوهري مؤثرا خارجيا كبيرا ينتج عنه استتباع النظام برمته، بزعمائه وأحزابه، لأسياد خارجيين لا هم لهم سوى تمتين الطبيعة الطائفية للنظام لتسهيل الاستخدام الدائم للساحة اللبنانية.
الذين يقولون (السياديون) بأولوية كسر حلقة الاستتباع والاستخدام الخارجي، لتحرير النظام اللبناني وبدء عملية الإصلاح الداخلي، يغيب عن بالهم التركيز على أصل وجذر كل الاختلالات البنيوية، ألا وهو النظام الطائفي السياسي التحاصصي، الذي حمى لبنان من الدكتاتوريات العسكرية ولكنه منذ أمد طويل يغلق كل أفق واحتمال للتطوير والإصلاح..

من الملاحظ أن الكثير من النخب السياسية الإصلاحية المعارضة تتفادى التصدي بعمق لمسألة النظام الطائفي وتسليط الضوء على مكامن الخلل الأساسية فيه. كثيرون يكتفون بالحديث عن مسائل هامة وإصلاحات ضرورية من دون الإجابة عن سؤال: ما هو أساس العطب في النظام اللبناني؟ مواجهة بعض عوارض الطائفية السياسية كالزبائنية وتحاصص زعماء الطوائف للسلطة والإدارة والمؤسسات، لا يمكن أن تنجح مع الإبقاء على الأسس الطائفية للنظام. الإصلاح القضائي أمر هام جدا ولكن كيف يمكن تحرير القضاء من أغلال الزعماء الطائفيين الذين يتحكمون بالسلطة التنفيذية التي تستتبع بدورها السلطة القضائية؟ الاقتراحات الإصلاحية الإجرائية عديدة ولكن هل أن المسألة تقنية إجرائية أم سياسية طائفية بامتياز؟

أي إصلاح جدي يعيدنا إلى المربع الطائفي. حتى مسألة السيادة التي كان يتمسك بها تيار 14 آذار ولا زال يتمسك بها بعض يساريي ومستقلي 14 آذار، لا يمكن حصرها بصراع المحاور وبالسعي الأمبراطوري الإيراني للإمساك بالورقة اللبنانية.
النظام الطائفي هو الأساس في ضعف السيادة وقلة اهتمام اللبنانيين بها. القائلون بأنه لا إصلاح ولا حرية ولا عدالة ولا مكافحة للفساد من دون كسر الهيمنة الإيرانية على لبنان، ينسون أن أصل العلة هو تطلب النظام الطوائفي اللبناني للحماية الخارجية واستجلاب زعماء الطوائف والطوائف للحماية والدعم الخارجي، ما يؤدي حتما لتلاقي الطموحات الخارجية مع الرغبات الداخلية في استمرار دوامة الاستتباع والهيمنة والغلبة وفي تعطيل عجلة الدولة، ومنع تطوير وتحديث النظام.
هذا لا يعطي صك براءة لنظام الملالي الإيراني ولا للنظام الأسدي في المسألة اللبنانية. هذان الطرفان الاستبداديان يستغلان الوضع اللبناني المعتل تكوينيا، ويعملان من دون كلل على إدامة المرض اللبناني وتخفيف مناعة الجسد اللبناني بكل الوسائل لتدعيم موقعهما في الداخل اللبناني، وحماية مصالحهما على الساحة الإقليمية - الدولية.

في الظرف الراهن لن تستطيع قوة سياسية معارضة غير طائفية تنظيم حراك شعبي كبير تأييدا لمطلب هام مثل استرداد السيادة اللبنانية، أو إبعاد لبنان عن الصراع المدمر للمحاور الخارجية.
كما لن تستطيع قوة معارضة غير طائفية تنظيم تحركات شعبية مطالبة بإصلاح النظام السياسي أو بإلغاء دور السلاح غير الشرعي، أو بمحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.
جل ما يمكن أن تطمح إليه قوى الاعتراض والتغيير هو انتزاع مكاسب اقتصادية - اجتماعية تتمثل بتحسين وضع الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة الدنيا، وتخفيف الأعباء المالية التي ترزح تحتها، وتأمين ورفع مستوى الخدمات الأساسية، وتخفيض الضرائب غير المباشرة عنها، ووضع خطط للحد من البطالة، وحماية البيئة من المخاطر التي تهددها وتهدد صحة المواطنين وسلامتهم.
وعلى الصعيد السياسي فأقصى ما يمكن أن تطمح إليه قوى المعارضة هو الضغط باتجاه إرغام الطبقة السياسية على الوفاء بالتزاماتها لاستكمال تطبيق الطائف في البند المتعلق بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. وهذا ليس إسقاطا بالعنف للنظام الطائفي بل تطويرا له بشكل سلمي عبر التحركات الشعبية، والانتخابات النيابية، والاستفتاء الشعبي.

وحده الحراك المدني بطاقاته الشابة وتنوعه يمكنه اليوم إعادة الروح للنضال الاجتماعي المطلبي والبيئي، مستفيدا من أخطاء تجربته في ال 2015. ليس من الضروري توحيد المجموعات التغييرية المنبثقة من الحراك المدني في جسم واحد، ولكن من المهم إيجاد أطر ائتلافية وتحالفية تخوض نضالات مشتركة بصفوف منظمة، تجنبا لهدر الطاقات، وتحقيقا لأقصى ما يمكن من فعالية ونتائج على الأرض.
من خلال إعادة تنظيم صفوفها واستخلاص الدروس من تجربتها الانتخابية الأخيرة، تتوفر فرصة أمام القوى المعارضة المنبثقة من الحراك المدني للاستفادة من أجواء تصاعد النقمة الشعبية بسبب الإهمال المزمن لمطالب الناس، واستخفاف المسؤولين بمعاناة المواطنين، وعدم وفاء النواب بوعودهم الانتخابية. ثمة فرصة لكي تشرع المعارضة بالعمل الجدي والمنظم لاستقطاب آلاف الناقمين والمتضررين من السياسات الخاطئة والأداء الفاشل للطبقة السياسية في مواجهة الأزمات المعيشية وتقلص الخدمات واستفحال الفساد بشكل فاقع في كل المجالات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقررة الاممية لحقوق الانسان تقول إن إسرائيل ارتكبت ثلاثة أ


.. قيس سعيّد يرفض التدخلات الخارجية ومحاولات توطين المهاجرين في




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة – برنامج الأغذية العالمي يحذر من مجا


.. نشرة إيجاز – برنامج الأغذية العالمي يحذر من مجاعة محتومة في




.. العراق يرجئ مشروع قانون يفرض عقوبة الإعدام أو المؤبد على الع