الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول ثقافة الشكر

خالد خالص

2018 / 8 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حول ثقافة الشكر

ذ. خالد خالص

يوجد في جميع المجتمعات أشخاص – فرادى وجماعات – يعملون ويكدون خدمة لأنفسهم وللآخرين. والعمل "عبادة" وهو الجهد الجسدي أو الفكري ( أو المالي ) أو هما معا، يقوم به الإنسان من أجل تحقيق هدف معين مشروع – مادي أو معنوي – يعود عليه و/ أو على غيره بالنفع.
وقد عظمت العمل جميع الديانات ومنها الديانة الإسلامية إذ قال عز وجل "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ."
وإذا كان الله تعالى يبجل من يقوم بالعمل الصالح لنفسه ولغيره ويعد أصحابه بالحياة الطيبة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث على شكر الناس الذين يقدمون خدمة للآخرين بقوله "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" ويذكرنا دائما بالآية الكريمة "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ". وقد حث الله عز وجل الناس ليشكرونه على نعمه في الكثير من الآيات نخص بالذكر منها الآية 2 و 52 و 158 و 172 و 185 من سورة البقرة و 37 من سورة إبراهيم و35 و 73 من سورة يس , و 123 و 144 و 145 من سورة آل عمران و 10 من سورة الأعراف. وإذا كان الله سبحانه وتعالى يؤكد على ثقافة الشكر فلأنه عاين ووقف في العديد من الآيات على ثقافة الجحود وانعدام شكر الناس له على نعمه كالآية 243 من سورة البقرة ( "إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون" والآية 60 من سورة يونس و 47 من سورة يوسف و73 من سورة النمل و 61 من سورة غافر . ولو علم الناس مدى فوائد شكر الله والثناء عليه لما كفوا عن ذلك.
إلا أنه رغم التعاليم الربانية منذ أربعة عشر قرن من الزمن فإن جل المجتمعات المتخلفة تعرف غياب شبه مطلق لثقافة الشكر والثناء سواء تعلق الأمر بالمجال الروحي او بالمجال الاجتماعي بصفة عامة أو الأسري بصفة خاصة إلى حد الإحباط أحيانا. ويمكن القول بأن هذه الثقافة نابعة ربما من نمط سلوك اعتاد عليه الناس وأصبح فيه الشكر استثناء وعدم الشكر قاعدة بل إن البعض لا يكتفون بالصمت وعدم الشكر بل يتجاوزون ذلك إلى العنف الجسدي واللفظي لاحباط المعنويات الى درجة اليأس تبعا لبعض الأعراف والمقولات الهمجية التي تركت معظم علاقاتنا جافة وغير مبنية على الثقة والكرامة كمقولة " نهار الأول كيموت المش" او غيرها من "التراهات" "كجنان ليهودي كول ونعل " التي يعتقد المرء بأنه بتطبيقها سيبسط سلطته ويرفع من شأنه.
والظاهرة ليست عامة بالطبع وليست خاصة بالمغرب بل هي قديمة قدم الإنسان الذي تم نعته ربما عن صدق وقتها "بالحيوان الناطق".
وعلى عكس ما يعتقد البعض من كون الشكر والامتنان لمن قدم لهم خدمة يقلل من شأنهم فإن الشكر لم يأت من فراغ إذ أن الله سبحانه وتعالى يعلم قبل البشر بأن للشكر تأثير على الدماغ ونظام المناعة دون فوائده على العقل الباطني للإنسان. كما يعتبر الشكر أكبر محفز لخلق الطاقة الإيجابية التي تحث الإنسان على المزيد من العطاء والإبداع مما يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي وبناء علاقات إنسانية اجتماعية متينة ومرنة مبنية على الاحترام والاعتراف بكرامة الآخر وبجهده.
والشكر كلمة سحرية تحقق المعجزات لانها سلوك حضاري راق يجب أن يسود بين بني البشر. كما ان الشكر ليس بترف بل هو ضرورة بشرية ملحة لان الإنسان بحاجة دائمة إلى التشجيع والاعتراف بالجميل ولو بالكلمة الطيبة وهو أضعف الإيمان. الا أن الشكر فن وأدب لا يتقنه الا الراقين الذين يجعلون المتلقي يشعر بالفخر والاعتزاز بنفسه ليظل بعدها ممتنا ومدينا لهم على دعمه وتحفيزه على تفجير طاقاته والرفع من معنوياته.
وحتى امزج بين النظري والتطبيقي فانني أغتنم هذا الفضاء لاجدد لكم جميعا كل واحد باسمه وصفته مودتي وتقديري.. كما اتقدم بشكر خاص لكل من يتابع كتاباتي سواء على هذه الصفحة أو من خلال الكتب والمجلات المتخصصة والصحف والمواقع المختلفة ... ويتفاعل معها بطريقة أو بأخرى.

ذ.خالد خالص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE