الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملف المساواة في تونس بين أنصار الحرية وأنصار الشريعة

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2018 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم تحسم المجتمعات ذات الانتماء الثقافي العربي الاسلامي ومن بينها المجتمع التونسي بعد بين مسارين حضاريين متناقضين ،مسار الشريعة ودولة الحاكم والرعية و" أهل الذكر " المرادفة للكنيسة في القرون الوسطى وبين مسار الدولة المدنية العلمانية التي تقوم على المواطنة وعلى الارادة الشعبية ...وبين هذا وذاك يتأرجح توجهين وطرحين مختلفين في الهدف متقاربين في عدم الوضوح يظهران بوضوح كلما عاد النقاش حول ملف الشريعة وملف الحريات وبالمناسبة يعيد الجدل حول المساواة في الميراث في تونس هذه الثنائية التي تبدو واضحة بين أطروحتين لكنها في الواقع مشوشة من الجهتين .
الطرح الأول : يبدو للوهلة الأولى أنه طرح الشريعة ، يطالب بالاعتماد على ما نص عليه القرآن في توزيع المواريث و يرفض رفضا قطعيا أي نقاش حول تعديل " ماهو معلوم من الدين بالضرورة " بل يكفّر كل من يحاول وضع هذه النصوص القانونية ذات المصدر الديني موضع تساؤل أو تطوير أو تغيير و يحاول تسويق فكرة علوية النص الديني على الدساتير الوضعية و بطلان كل ما يمكن أن يخالف الشريعة...وبالتالي يصل الى نتيجة مفادها أن الشعب مسلم وبالتالي فان قوانينه يجب أن تكون مصدرها الشريعة ولا شيء غير الشريعة .
هذا الطرح بالتمعن فيه نتبين أنه مجرد واجهة لصراع سياسي تخوضه الحركات المتسترة بالدين في مواجهة واقع اجتماعي تم تحديثه بالممارسة ولا يزال رجعيا بالثقافة والوعي الجمعي وبالتالي بيئة خصبة لمثل هذه الطروحات المغلفة بالشريعة ، وصراع ثان ضد قوى سياسية مدنية سواء يسارية أو ليبيرالية في تناولها للحريات ، هذه التيارات لم تحسم أمرها بعد في علاقة بالعلمنة فيطغى عليها وعي عامي محافظ حذر في طرح مسائل الحريات بشكل واضح ومكشوف وعدم الاستعداد للدخول في مواجهة صريحة مع القوى الرجعية ولا مع الوعي الجمعي للمجتمع فتضطر للمخاتلة و اتباع التدرج الحذر وأنصاف المواقف وتقع عادة لقمة سائغة في مطب النقاشات الدينية المتشعبة .
وباعتباره واجهة لصراع سياسي تخوضه الحركات المتسترة بالدين فان طرح المشروع الديني صراحة لا يعتبر من أولويات المرحلة ولا من الخيارات التكتيكية لها في مناخ عالمي وحقوقي متربص بمثل هذه المشاريع فيتم تناول الشريعة تناولا حذرا فالتمسك بقانون الاحوال الشخصية في تونس والذي يقسم الميراث حسب الشريعة يخفي مغالطة لاتباع هذه التيارات ، فمجلة الأحوال الشخصية تنظم حياة الأسرة التونسية بنظام مناقض للشريعة في مسائل عدة ، فالزواج الذي لا يشترط موافقة ولي الأمر والطلاق الذي لا يكون بمجرد اليمين بل في المحاكم ، والطلاق الذي تقيمه المرأة انشاء كما يقيمه الرجل وتقيمه المرأة للضرر مثلما يقيمه الرجل يتناقض مع ما تنص عليه الشريعة التي تطلق يد الرجل في تزويج ابنته و في طلاق زوجته بمجرد يمين شفوية ...
مجلة الأحوال الشخصية عكس الشريعة تمنع قطعيا التعدد في الزوجات وتجرم ذلك و تضع سنا دنيا للزواج رغم أن الشريعة لا تمانع من تزويج القاصرات ، هذه المجلة تجعل من موانع الزواج التطليق ثلاثا رغم أن الشريعة تتيح للمعنيين العود في ظروف معينة ...هذه النقاط وغيرها سبق أن أشار لها "شيوخ" الزيتونة مطالبين الدولة بمراجعتها بما يتماشى و أحكام الشريعة غير أن المقصد الرسمي كان التوجه نحو العلمنة لا التقهقر نحو الشريعة .
التمسك بنص مطابق للشريعة في مجلة قانونية مدنية هو تمترس خلف تعلة لتجييش الانصار أكثر منه تمسك مبدئي .
واذا تمعنا في دستور 2014 نتبين أن مختلف الحركات السياسية المدنية منها والمتسترة بالدين صادقت على فصل في باب الحقوق والحريات ينص على أن " المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز..
تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم " وهو ما ينص بصراحة على اقرار المساواة دون تحفظ ودون استثناء بما في ذلك في الارث وفي غيره وبالتالي من الطبيعي أن يتم تغيير القوانين للتلائم والدستور وهو ما تحاول الحركات المتسترة بالدين تجاهله والدفع للواجهة بخطاب عاطفي يدغدغ المشاعر الايمانية دون تفكير مترو وعقلاني كما بينت التحركات الأخيرة كشفت أن الغالبية العظمى من الرافضين لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة لم يطلعو على التقريرنفسه بل اطلعوا على وثائق تحريضية أخرى تروج لأعتبار الدين في خطر والتقرير يروج للشذوذ وتغيير الايات القرانية ...وهي طريقة نجحت الحركات المتسترة بالدين في استعمالها وتوظيفها .
الطرح الثاني : الطرح الثاني يبدو للوهلة الأولى طرح مدني علماني يدفع نحو دولة ديمقراطية تقوم على المواطنة ولا شيء غير المواطنة لا تميز بين أفرادها في القانون و أمام القانون لا على أساس الدين ولا المذهب ولا الجنس ولا اللون و لا العرق ولا تفاضل بين المعتقدات و المشاعر الإيمانية والتوجهات الفكرية للمواطنات و المواطنين ، وتنادي بترسانة قانونية تضمن الحريات دون تردد أو تدرج أو مراعاة لاعتبارات سياسية ظرفية أو توازنات انتخابية ...
غير أن المتمعن في خطاب أصحاب هذا الطرح في الغالب مع استثناءات لا تنفك تتوسع ، يكتشف توجه متردد و شبه محافظ مع تطوير القوانين لكن مع الحذر و التخوف وتقديم تعلة الخصوصية الثقافية والوعي الجمعي و المقدسات و الثوابت و مصطلحات بمثل هذا التعويم أو أكثر ،هذا الطرح لا يمانع من استشارة جهات لاتؤمن بمدنية الدولة وتنظّر للشريعة في اعداد تقارير ومشاريع قوانين تهم الحريات العامة والفردية ، لا يمانع من أخذ رأي أنصار تطبيق الشريعة بعين الاعتبار ولا أدل على ذلك من الديباجة الدينية لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وما تضمنه المحتوى من اقتراحات لا ترقى لما اقترحه الطاهر الحداد بوضوح في كتابة امرأتنا في الشريعة والمجتمع منذ ثلاثينات القرن العشرين .
هذا التردد يخفي مرجعية محافظة لطيف واسع من المشهد السياسي الذي يطلق على نفسه صفة الحداثي خاصة التوجه الدستوري و التوجه القومي وهذا الأخير منقسم بين تيار أقرب للاسلام السياسي في مواقفه الرافضة للتحديث والمدافعة صراحة على الشريعة كما ورد صراحة في بيان حركة الشعب و بين شق ينزع نحو الحداثة والتقدم ، و يسار منقسم بين يسار حداثي طلائعي في طرح مسالة الحريات دون حرج على غرار حزب المسار و يسار يكتنف مواقفه الحرج و يستبطن نظرة عامية للحريات تلخص في أولوية المسالة التنموية المعيشية على الحريات وعدم استفزاز الوعي الشعبي المحافظ وفي نفس الوقت الحرج من التخلف عن المشهد الديمقراطي فتأتي مواقفه متأخرة حذرة .
النقاش حول المساواة في تونس كشف عن مشهد سياسي وحقوقي مشوش و متردد كما كشف عن مشروع اسلام سياسي متلون ومتخفي ومتشنج بواجهة مدنية و جوهر سلفي و قدرة على تهييج العامة وتشويه النخب و كسب المعارك بالضجيج والمخاتلة
في حين تظل الحركة علمانية محتشمة مشتتة تحاول فرض المنظومة الكونية لحقوق الانسان في التشريعات و في الوعي الجماعي للمجتمع وتحاول ترسيخ ثقافة حقوق الانسان وتحاول الفصل الصريح بين الدين بما هو شأن خاص فردي وبين السياسة والشان العام الذي لا يتأثر بايمان الناس ومعتقداتهم من أجل دولة المواطنة وهي الحركة الطلائعية في حمل لواء الحريات بمختلف تمظهراتها السياسية والجمعياتية والحقوقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah