الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة آتون الأخيرة

أسماء غريب

2018 / 8 / 16
الادب والفن


بسم اللـّه الرّحمن الرّحيم
والحمدُ لله في الأزل والأبد
والصلاة والسلام على من تمّ به المراد والقصد
صاحب التّاج والمعراج، راكب البراق
ودافع البلاء والوباء
أمّا بعد؛

إنّني أنا آتونُ الحيُّ العظيمُ، وإنك أنتِ شمسُ الشموس الحارقة للبحار والرّاكبة للأهوال والأخطار، وأنتِ الرّوحُ التي عرّفتُها عندي بصاحبة الغرفة الزّرقاء واليد البيضاء، منْ عرَفكِ عرفني، ومن قدّركِ قدّرني، ومن عاداكِ عاداني، وإنه لوصلنِي ديوانُكِ الجديد الذي جمَعْتِهِ باِسْمي ومنّي وإليّ، وبحرف لا هو بشِعْرٍ ولا هو بنثرٍ وإنما هو أسمى من هذا وذاكَ، تلهجين فيه بوحدانيتي التي لم يكنْ قبلَها ولا بعدها أحد سواي، فقرأتُه بمفردي بلا فردانيّة، وبإنّيتي بلا غيْريّة، وإنّي لوجدتُكِ تحكينَ فيه عنّي وقد رأيتِنِي بعيني لا بعينِكِ، وأدركتِنِي بعقلي لا بعقلكِ، وبفهمي لا بفهمِكِ، وبقلبي لا بقلبكِ لأنني أنا وحدي من يرى نفسي لا بعيْنٍ باطنة ولا بإدراك حسيٍّ ظاهر، وراقني جدّا أن علِمْتِ أخيرا أنكِ أنا بلا أنتِ، لا أنا داخل فيكٍ ولا أنتِ فيّ، وأنّكِ متِّ بيّ عنِ الخلق والهوى فأغنيْتُكِ بغنىً لا فقر بعدَه، وأعطيتك عطاء لا مانع بعدَه، ورزقتُكِ علما لا علم بعده، تريْنِ به أجدادك القدامى، فتحدّثينَ رع، وحورس وموسى، وتكلّمينَ الصقور واليمائم، والثعابين والغربان، وتدخلين بالنّار والنّور والبرد والسلام في تنّور الكلمة، وتأتينَ إليّ تنادينَنِي تارة بالخزّاف وتارة بصاحب العين الكحيلة، وتارة تُقرّين وتارة تُنْكرين، وتارة تؤكّدين العرفان ثمّ تنفينهُ، لكأنّي بكِ تحدّدين خطوط أسفار الأجدادِ وخرائط الذهاب والإياب، وجداول الأقمار والنجوم والكواكب، لا يشاركني فيكِ أحد، وكيف يمكنُ أن يحدث هذا وأنتِ من أعيطتُها سرّاً لمْ أطلعْهُ على أحد، سرّا به فطمتُكِ عن الخلق كافّة، لا ترين غيري لا في عطاء ولا في منعٍ، ولا في رجاء ولا في خوفٍ، أعيذُكِ بي من العمى بعد البصيرة ومن الصّدود بعد الدنوّ ومن القطيعة بعد الوصل والوصال.
إنّني أنا آتون، صاحبُ مشكاة أرسطو، وصاحب الحانة والطاحونة الحمراء، بكِ عبرتُ من العقل إلى القلب، ومنهما إلى الرّوح، وأطلعتُك على خبايا الانفجار العرفانيّ من داخلكِ، فأدركتْنِي روحك وأصبحتِ معي شاهدةً على كل شيء، ففهمتِ حتى من يكون إبليس، وصاحبيْه سِتّا وقابيل، وشهدتِ معي الملكوت الذي به عرفتُ ذاتي، وأدركتِ في الختام أنّكِ أنَا، بعد محنة أولى أنكرتِ فيها كلّ شيء وادّعيتِ أنّكِ ما أنت سوى (فتاة من هذا الزمان)، ومحنة ثانيةٍ قلتِ فيها إنّك ما كتبتِ فيَّ حرفا ذات (مطر منتصف آب)، ومحنةٍ ثالثة وأخرى رابعة نزلت فيهما إلى الجحيم، ورأيتِ ما يُدمي القلوب، وكم كنتِ شجاعة يا شمس الشموس وحرفَ الخير والبهجة، بل كم كنت صبورة وأنتِ تتحملين الألم ولدغ العقارب والأفاعي وتعبرينَ فيافي مدينة البدن، وتدرسين جغرافيتَها التي يحيط بها الموت من كلّ جانب. لأجل هذا أحببتُكِ، ما شكوتِ مرّة من شيء، وما لهجَ لسانُكِ إلا بالشكر والحمد وإن كنتِ تعلمين أنني أنا من كنتُ أقودُك إلى تلك القفار الموحشة، وأترككِ تعانين الوحدة والوحشة والخوف: كنتِ يا حبيبتي في طريق الفطم، وكان لا بدّ لكِ من كلّ هذا، حتّى أظهر لكِ وتظهرينَ لي!
نعم، ما تذمّرتِ، ولا أعلنتِ العصيانَ حتّى حينما أدخلتُكَ مقام المراقبة، فبتِّ لا ترين من حولك سوى العيون التي تترصدك في كل حركة أو نفس لكِ، إلى أن كتبتِ (العارفةُ والدرويش)، أو القصيدة التي بلغتِ فيها أقصى درجات معاينة الحضرة الإلهية في كلّ شيء، فهل بعدَ شمسك شمس يا مهجة الروح؟! وهل بعدكِ بَعْدٌ يا نور العين، ويا السّدرةَ الملآى بطيور العشق والمحبة؟! هيّا انطلقي وكونِي أنا، فأفكارُكِ سامية، تجمعُ الفرح بالحقيقة، والحبّ بالسعادة والحزن، ولتعلمي أنّ رسالتي هذه هي الأولى والأخيرة على مرّ العصور والأزمان، كما بعثُّها لك بعثّها لآخرين قبلك، وإن بشكلٍ وصيغة مختلفيْن، فإخوتك في النور كُثر، وأنت منهم ومثلهم؛ قلب أخضر وعقل متنوّر. وكلامي وإن جاءك نثرا أو شعرا فهو وحيٌ منّي، لأنك أنتِ من دعاني، وما كان علّي سوى أنِ استجبتُ لكِ، لأدعَمَ بقدرتي ماأرادهُ قلبُكِ، ولتعرفي أخيراً كمِ الحياةُ بكِ أعظم، ما دمتِ فيها تخلقينَ وتُبدعينَ، لذا فلتفصحي عن نفسكِ يا فتاةُ، واجعلي العالمَ بأسره يقرأ ما كتبتِ فيّ، لأنّ كلّ ما في الحياة هو أداةٌ أنتِ من خلقََها، وكلّ الأحداث التي فيها هي فرصة لكِ لتقرّري من أنتِ وكيف تكونينَ.
آتون الحيّ العظيم
في كلّ مكان وزمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع