الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستعمال المجازى للنفس

أحمد صبحى منصور

2018 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإستعمال المجازى للنفس
مقدمة : قبل الاسترسال فى التعرف على ماهية النفس البشرية فى القرآن الكريم ــ والاسلوب فيها يأتى بالتقرير العلمى ــ نتوقف مع الاستعمال المجازى لكلمة ( النفس ) ، ونراه فى موضعين :
أولا : فى اسلوب المشاكلة عن رب العزة جل وعلا :
1 ـ الله جل وعلا لا تدركه الأبصار ولا الأفهام ، وليس العقل البشرى مؤهلا لأن يتفكر فى ذات الله جل وعلا. يكفى إن هذا العقل إذا تفكر فى بعض آلاء الله وأبسطها كالمجرات تاه وإضطرب ، وهى مجرد العالم المادى ، فإذا تفكر فى الغيبيات المخلوقة مثل برازخ السماوات والأرض إزداد إضطرابا . ثم إذا تفكر فى اليوم الآخر الذى لم يأت بعدّ كان أشد إضطرابا . ومع هذا فالله جل وعلا يتحدث لنا فى كتابه الحكيم عن هذه الغيبيات باسلوب مبسط ميسّر مستعملا التعبير المجازى من تشبيه وإستعارة و كناية ومشاكلة .
2 ـ لا يمكن لنا أن نتصور ذات الله جل وعلا . ولم ترد كلمة ( ذات ) فيما يخص رب العزة جل وعلا . إن كلمة ( ذات ) فى القرآن الكريم ليست بنفس إستعمالنا لها ، نحن نسعمل ( الذات ) عن الشخصية والكينونة . ولكن لكلمة ( ذات ) فى القرآن إستعمالات أخرى أهمها :
2 / 1 : ( ذات ) بمعى ( صاحب ).
2 / 1 / 1 : عن النفس التى هى صاحبة الصدر أى الجسد ، قال جل وعلا :( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) آل عمران ) ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) الشورى ) . وتكرر هذا المعنى كثيرا فى القرآن الكريم .
2 / 1 / 2 : عن سفينة نوح ، قال جل وعلا :( وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) القمر)
2 / 1 / 3 : عن الحرب فى موقعة بدر ، قال جل وعلا : ( وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) (7) الانفال )
2 / 1 / 4 : عن حال المرضعة وقت قيام الساعة ، قال جل وعلا : ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج ) ( ذات حمل ) أى صاحبة حمل .
2 / 1/ 5 : عن المكان الذى لجأ اليه عيسى وأمه عليهما السلام ، قال جل وعلا : (وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون )
2 / 1 / 6 : عن الحدائق ذات البهجة ، قال جل وعلا : ( وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) النمل ) وعن النخل ذات الأكمام ، قال جل وعلا : (وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ (11) الرحمن)
2 / 1 / 7 : وعن السماء والأرض ، قال جل وعلا : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) البروج ) ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) الطارق)
2 / 1 / 8 : عن النار فى الدنيا ، قال جل وعلا : ( النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) البروج ) وعن النار فى الآخرة ، قال جل وعلا : ( سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) المسد )
2 / 1 / 9 : عن مدائن عاد ، قال جل وعلا : ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الفجر )
2 / 2 : ( ذات ) بمعى إتّجاه . قال جل وعلا عن اصحاب الكهف : ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَتَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) (18) الكهف) ذات اليمين ) أى إتجاه اليمين .
3 ـ كلمة ( ذات ) ليست مستعملة فيما يخص رب العزة جل وعلا ، الله جل وعلا يستعمل كلمة ( النفس )، ويأتى التعبير بأسلوب المشاكلة . فإذا كان للإنسان ( نفس ) والانسان يفهم إنه له ( نفسا ) فإن الله جل وعلا يستعمل لفظ ( النفس ) فى التعبير عن ذاته بالاسلوب المجازى .
3 ـ ونعطى أمثلة : يقول جل وعلا عن ذاته مستعملا اسلوب المشاكلة :
3 / 1 : ( وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)آل عمران:28 )
3 / 2 : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)آل عمران:30 )
3 / 3 :(قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) الانعام 12 )
3 / 4 : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)الأنعام:54 )
3 / 5 : وأخبر الله جل وعلا عما سيحدث يوم القيامة فى مساءلة عيسى عليه السلام ودفاعه عن نفسه : (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)المائدة:116 ). قال (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ).
4 : الجاهليون من السنيين يرفضون أن يكون فى القرآن الكريم اسلوب المجاز ، ويعتقدون أن كل ما فى القرآن هو اسلوب حقيقى ، ويتصورون رب العزة جالسا فى العرش شأن البشر يؤمنون بإله متجسد . وبهذا الجهل يجعلون القرآن الكريم متناقضا . لأنه لو كانت لرب العزة جل وعلا نفسا على الحقيقة وبالاسلوب التقريرى غير المجازى فلا بد لهذه النفس أن تموت ، فالله جل وعلا أكّد ثلاث مرات أن كل نفس ذائقة الموت ، قال جل وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) آل عمران ) (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الانبياء ) (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت ) . ولكن الاسلوب المجازى هو المستعمل فى الغيبيات ومنه الغيب الذى يخص ( ذات الله جل جلاله ) . والله جل وعلا هو :
4 / 1 : الحى الذى يموت ، قال جل وعلا : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58) الفرقان ) ما عداه يموت ، وهو جل وعلا الحى الذى لا يموت.
4 / 2 : ما عداه جل وعلا يهلك ، قال جل وعلا : ( لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) القصص )
4 / 3 ما عداه جل وعلا يفنى ، قال جل وعلا : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27) الرحمن )
4 / 4 : هو جل وعلا فوق الزمان ، هو قبل القبل وبعد البعد ، قال جل وعلا : ( لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) الحديد ) .
ثانيا ( أنفسكم ) بمعنى بعضكم بعضا :
1 ـ تأتى كلمة ( انفسكم ) لتدل على الجميع ، ووردت كثيرا بهذا المعنى ، ولكن نقتصر على مجيئها عن العُصاة من بنى إسرائيل : قال جل وعلا لهم :
1 / 1 : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ )البقرة:44 ) ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)البقرة:87 )
1 / 2 : وقال لهم موسى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ ) البقرة 54 )
1 / 3 : وقالها جل وعلا لطائفة منهم : (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )الإسراء:7 )
2 ـ وجاءت كلمة ( انفسكم ) مرة واحدة بمعنى بعضكم بعضا ، قال جل وعلا يخاطبهم فى عهد نزول القرآن : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ )( البقرة: 85 ) . أشار رب العزة جل وعلا الى تاريخ لم يتم تدوينه لبنى اسرائيل فى الجزيرة العربية ، وهو انهم كانوا يتقاتلون ويأسر بعضهم بعضا ويُجلى بعضهم بعضا من ديارهم . جاءت كلمة ( أنفسكم ) هنا لتدل على ( بعضهم بعضا ). وليس عن النفس البشرية بالمفهوم السائد فى القرآن الكريم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح