الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحج طقس ديني سماوي أم طقس وثني؟

صالح بوزان

2018 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القول أن الله طلب من عبده أن يبني له بيتاً أو معبداً هو فكرة قديمة تعود إلى مرحلة ما قبل الديانات السماوية. فأغلب الآلهة الاسطورية الاغريقية واليونانية وفي بلاد ما بين النهرين كانت لها بيوت عمّرها الذين كانوا يؤمنون بها. في بدايات وعي البشر الديني كانت آلهتهم مجسمة أمام أعينهم وفي علاقة مباشرة معهم. فكانت هناك تماثيل وأيقونات تدل على وجود آلهتهم حسب اعتقادهم. فعندما كان يعبد شجرة، فهو كان يسمع صوت الريح المهيب بين أغصانها ويستشف من ذلك أن الاله مستوطن في الشجرة. وبالتالي تتحول الشجرة إلى رمز مقدس. نلاحظ في أكثر الأساطير الدينية القديمة أن الناس كانوا يعتبرون آلتهم قوة خفية قادرة على فعل الخير والشر. لكن عقلهم لم يستطع تصور إله مغيب بالكامل. فلا بد أن تكون هناك مؤشرات مادية على الأرض تدل عليهم. وهكذا قاموا بصنع مجسمات ترمز لتلك القوة الخفية التي اعتقدوا أنها مصدر كل ما يحدث على الأرض. كانت تلك المجسمات ليست الآلهة نفسها، وإنما صوراً عنها وتسكن فيها. وبالتالي كان يسهل عليهم الاتصال بآلهتهم عندما يقدسون تلك المجسمات ويقدمون لها القرابين. فبدون وجود رمز لأي إله على الأرض لا يستطيع الانسان الإيمان به.
نعرف أن الديانة الزردشتية هي الديانة الأولى التي دعت إلى وحدانية الإله. وفي الديانات التي تسمى السماوية كانت اليهودية هي التي بدأت بتجريد الله من الصفات المادية والرغبات الانسانية. لكننا نلاحظ في التوراة أن هذا التجريد لم يكن كاملاً. فالله يخبر اليهود أنه الشعب المختار لديه، ويخاطب موسى وجهاً لوجه. بل يلبي طلبات الشعب اليهودي فوراً من طعام وماء. وبمجرد أن غاب موسى في جبل سيناء فترة أطول ضعف إيمان اليهود بإله موسى الغائب وصنعوا لأنفسهم تمثالاً من العجل وطافوا حوله. مما أدى ذلك إلى غضب موسى الهستيري عندما عاد إليهم وهو يحمل لوحتين حجريتين كتبت عليهما الوصايا العشر التي قدمها إليه إلهه ليطبقها على الشعب اليهودي. فحطم اللوحتين وقام بارتكاب أفظع جريمة بحق شعبه، عندما أمر اللاويين أن يحملوا أسلحتهم ويجوبوا المعسكر ويقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه عسى أن يغفر عنهم الرب. فقتل منهم المئات من الرجال والشيوخ والأطفال والنساء باسم ربه "يهوه".
في المسيحية لم تتغير العلاقة بين الانسان والله كثيراً مقارنة باليهودية. ففي العودة إلى المرجع الديني الأساسي الذي هو الأساطير القديمة، نجد أن هذه الأساطير تخبرنا أن الآلهة كانت تنزل إلى الأرض وتعاشر النساء اللاتي يلدن من الآلهة مولوداً نصفهم آلهة ونصفهم بشر. فالإله زيوس عاشر المرأة البشرية ألكميني فولدت هرقل. لم تتغير الحالة في المسيحية. فالله الذي نفخ في فرج مريم وحبلت بالمسيح لا تختلف الحالة عن المعاشرة الجنسية المباشرة للآلهة الاسطورية مع النساء. ولعل التطابق شبه الكامل نجده في أن الرب هو زيوس ومريم هي ألكميني والمسيح هو هرقل. فمريم ولدت ابناً نصفه انسان ونصفه إله. عندما تقول المسيحية أن المسيح هو ابن الرب، فهذا صحيح حسب الرواية الانجيلية. ويعني ذلك حسب منطقنا البشري الذي استوحيناه من سنة الحياة أن مريم هي الزوجة والرب هو الزوج. وبالتالي فابن الإله هو إله أو نصف إله على الأقل، كما هو حال هرقل.
جاء الاسلام ليرفع درجة التجريدية للإلهية إلى مستوى أعلى في الغيبية مقارنة باليهودية والمسيحية. فالله ليس مادة، ولا يمكن رؤيته ولا وصفه. ولا يحمل خصائص الإنسان وصفاته. هو موجود في كل مكان كقوة غيبية، رغم اقراره، أي الإسلام، بأن عرشه في السماء السابعة. لم يدّع محمد أن الإله ظهر له، وتحدث معه وجهاً لوجه. أما قصة المعراج فهي مجرد اختلاق قام بها أصحابه فيما بعد.
لكن محمد لم يستطع اقناع عرب الجزيرة بإله مغيب لا يتحدث معه مباشرة، وإنما يرسل موفداً عنه. كان بحاجة إلى إيجاد رمز لإلهه على الأرض، وخاصة في مدينة مكة مركز أقوى العشائر العربية التي تحاربه وهي قريش. فانتبه إلى الكعبة التي يقدسها كل القبائل العربية. وهو أيضاً كان يقدسها قبل نزول الوحي عليه رغم وجود التماثيل الوثنية فيها. قداسة الكعبة لدى القبائل العربية جاءت لكونها تضم تماثيل آلهتهم. فالعرب لم يكن على علم برواية محمد فيما بعد بأن ابراهيم الخليل بنى الكعبة كبيت للإله السماوي. كانت الكعبة بالنسبة لهم مجرد مبنى تضم تماثيل آلهتهم. أي أنها "بيت الآلهة". وبما أن إله محمد هو ليس أحد تلك الآلهة، وإنما هو الأوحد ولا يقبل شريكاً له، فقام محمد، عند انتصاره، بتحطيم كل تماثيل آلهة العرب وإخلاء الكعبة منها وتحويلها إلى بيتاً لإلهه الذي سماه "الله". فكل ما جرى أن الكعبة تحولت من بيت "للآلهة" إلى بيت "لله".
اقرار الاسلام أن الكعبة هي بيت الله يجب الطوفان حوله، وتقبيل الحجر الأسود وضرورة رمي الجمرات في ذلك المكان الذي حدده محمد أثناء مناسك الحج لدلالة أنه (محمد) لم يستطع الخروج من الحالة الوثنية العريقة في الجزيرة. ليس لأنه لا يملك القوة، بل لأنه لم يصل إلى ذلك المستوى الفكري بأن يتحرر نهائياً من المنظومة الفكرية التي كانت سائدة.
يعرّف المسلمون الوثنية بأنها عبادة الأوثان كالتماثيل وما شابهها. لكن هذا التعريف ناقص. فمنذ العهد الاغريقي وحتى ظهور الاسلام كان الوثن هو رمز للإله وليس الاله نفسه. عندما كان الانسان يصلي أمام التمثال الذي يسميه إلهه، فهو يعرف أن هذا التمثال لا يتحرك من مكانه، وإنما هو مجرد رمز لإلهه الحقيقي الكلي القدرة. في اليهودية عندما يقفون أمام جدار المبكى ويتمتمون بآياتهم، أو عندما كان أسلافهم يعتبرون الهيكل هو بيت الله، فهم يشيرون في الحقيقة إلى أن هذه الرموز المجسمة هي التي من خلالها يستطيعون بث مشاعرهم وأحاسيسهم وطلباتهم إلى إلههم المغيب. وعندما يقف المسيحي أمام الصليب أو أيقونة مريم ويصلي، فهو لا يصلي للصليب أو لمريم، بل يعتبرهما مجرد رموز مشخصة تستدل لإلههم الحقيقي الذي هو في السماء.
لا تختلف الكعبة عن هذه الرموز. فهي كانت مقدسة قبل الاسلام، لأنها مركز لتماثيل آلهة القبائل العربية. هي "بيت الآلهة" كما سبق القول. أي أنها كانت معبد وثني. وكما نعلم أن ثمة قبائل عربية كانت بعيدة عن الكعبة بنت لنفسها كعبتها، وكانت العشيرة تطوف حولها في مناسباتها. عندما يطوف المسلم حول الكعبة فهو يطوف حول مبنى جامد. أي أنه يطوف حول وثن. وعندما يقبل الحجر الأسود فهو يقبل وثن وليس الله. فهذا السلوك هو من آثار العقائد الوثنية القديمة الباقية في الاسلام. في الوقت نفسه فهذه الأوثان رموز تقربه من الإله الأعلى.
لم يرد في القرآن أن الله ربط الشيطان الأكبر في تلك البقعة لكي يرميه المسلمون بالحجارة. فحسب ما ورد في القرآن أن الشيطان مرافق لكل إنسان، وموجود في داخله. يمشي في دمه وعروقه ويستوطن عقله وقلبه. وعندئذ، ما قيمة رمي تلك الحجرات في مكان لا وجود للشيطان فيه. إنه مجرد سلوك وثني لا أكثر. كل ما في الأمر أن المسلم بهذا الطقس يعبر عن موقفه من الشيطان طاعة لإلهه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحج طقس وثني ولا معنى له في ميزان العقل
معن محمد ( 2018 / 8 / 17 - 19:09 )
راجع تعليقنا على مقال الاخ محمود الشيخ المعنون بـ ( لماذا علينا كمسلمين الإمتناع عن اداء فريضة الحج والعمره) تحت الرابط الآتي:
http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?aid=599442
الحج طقس وثني ولا قيمة له في ميزال العقل الا ميزان واحد فقط وهو الاجتماع للمسلمين على صعيد واحد عند اول نشوء دولة المدينة لان التقارب غير ممكن للساكنين في غير يثرب ومكة فكان الاجتماع ضرورة للتبليغ ودروس شئون المسلمين وريعه التجاري. اما وانه اصبح ملكا خاصا للدولة السعودية فالاولى بعلماء المسلمين ان يصدروا فتوى بتحريمه او جعله شان شغصي وليس واجب ديني.الشكر للخليفة الثاني عمر ذو العقل الثاقب الذي حافظ على الاسرار المتفق عليها بين المؤسسين فتمسك بمبدا ان الحاجة ام الاختراع او الغاية تبرر الوسيلة لذا كان يحلل ويحرم حسب الظرف ومتطلباته. اليس من حنكته قوله للحجر الاسود (لولا رايت رسول الله يقبلك لما قبلتك) لقناعته بان الحج برمته طقوس وثية ولكن الغاية تبرر الوسيلة. ان الانفاق على مشاريع خيرية يعود ريعها على المحتاجين اولى واصوب من اعمال رياضية. كما ان زيارة قبور الاولياء هي الاخرى عمل جاهلي والمستفيد هم المجهلون.


2 - الى صاحب المقال
صباح ابراهيم ( 2018 / 8 / 17 - 19:22 )
لم اكن اعلم ان الجهلاء اصبحوا كتابا و ينتقدون فلسفة الاديان الصحيحة
ليس كل من قرأ كتابين او ثلاثة اصبح كاتبا فيلسوفا ينقد الدين واللاهوت وانت لا تعلم شيئا عنها
من اين جئت بمقولة ان المسيح نصف اله ونصف انسان ، وان الله نفخ في فرج (...) . لاتأخذ كلام الخزعبلات القرأنية لتنسج حولها افكار مسيحية لا علاقة لها بتلك الخزعبلات .
اقرأ الانجيل جيدا و افهمه ثم اكتب لك كلمتين و ابحث عن من ينقحها لك من الاخطأء ثم انشرها لتصبح كاتبا بين الكتاب .


3 - الزم الاعتدال ولا تتهور
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2018 / 8 / 17 - 20:08 )
الاخ صباح ابراهيم المحترم. رد باسلوب حضاري واترك عنك التهكم. فاذا كان صاحب المقال جانب حقيقة ما تعتقد فالافضل التصحيح وليس التهجم. اخي الكريم اذا كان دين الاسلام دين خزعبلات فالمسيحية هي كذالك دين خزعبلات بل كل الاديان التي تنسب الى السماء. انت حر فيما تعتقد ونحن نرحب بكل حوار هادئ وبناء سوى اتفقنا او اختلفنا اما ان تتهكم فهذا مردود والسلام.


4 - فهد العنزي
صباح ابراهيم ( 2018 / 8 / 17 - 20:36 )
لقد قلت انت بتعليقك [ فالمسيحية هي كذالك دين خزعبلات]
وكنت من المتهكمين ايضا .

لاتنه عن خلق وتأتي مثله ...عار عليك إذا فعلت عظيم


5 - الاخ فهد العنزى
على سالم ( 2018 / 8 / 17 - 21:08 )
انا بالتأكيد اتفق معك فى هذا المنحنى , انا اعتنق فلسفه اللاادريه وهى الانسب لكى لايشطح الانسان ويدور فى حلقات مفرغه واكيد لن يصل الى شئ , نعم من الواجب ان اقول ان جميع الاديان بشريه وتشترك فى الخزعبلات والحواديت والاساطير بدرجات متفاوته


6 - الاخ العزيز على سالم المبجل
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2018 / 8 / 18 - 00:16 )
شكرا والف تحية للك اخي الكريم على سالم. نعم فلسفة اللا ادرية هي الطريق الاصح و الاصوب والاقرب الى المنطق لانه يستحيل على اي عبقري او فيلسوف ان يثبت ما وراء المادة والغيبيات.لكن لكل قناعته ونحن نحترم الانسان كـ انسان وان عبد حجرا او شجرا ولا ندعي امتلاك الحقيقة. اما للاخ صباح ابراهيم فاعتذر ان اسات اليه لانه كان البادئ والبادئ اظلم واقول له:
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما تصح به وانت سقيم
فابدا بنفسك وانها عن غيها *** فاذا انتهت عنه فانت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويهتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
كن قدوة يحتدى به حتى لمن خالفك الراي لان النفوس جبلت على حب من احسن اليها. تحية وسلام