الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (130) حرس الحدود

بشير الوندي

2018 / 8 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
-----------------
يختلف كل بلد عن الآخر في حدوده الجغرافية , سواء بعدد دول الجوار او بطبيعة الحدود سواء كانت برية او بحرية , وتعاني كثير من البلدان مشاكل حدودية سواء كان بالتهريب او الهجرة او حتى بالتنازع بين الدول , لذا فإن هنالك حدود خاملة واخرى نشطة .
ويعتبر حرس الحدود السور الاول للحدود وهم بمثابة الانذار المبكر ونقطه البداية والنهاية لكل جغرافيا البلاد وسيادتها , فلكل بلد قوات حدود تتشكل حسب جغرافيا البلد ولايخلو بلد في العالم منها مع اختلاف الملاكات والتقنيات , فكلما استخدمت التكنلوجيا اكثر نتج عنها تقلص الاعداد البشرية.
ولا يمكن تأمين البلد بلا تأمين الحدود , ولا يمكن مكافحة اي شيء فاسد من دواء وغذاء وبضاعه تالفة او تسلل ارهابي او تهريب مخدرات الا من خلال المنافذ الحدودية البرية والبحرية وايضا الجوية , فأي شيء يدخل من الحدود يصعب السيطره عليه لاحقا لانه ينتشر.
ولأن عمل قوات الحدود هو على الحدود مع دول الجوار , فهي بتماس مع المنافذ على الاجانب وعلى التهريب والتسلل وتخريب البلاد والاقتصاد , فلكل تلك الاسباب تكون الحدود مجالاً ضرورياً رحباً ومهماً للعمل الاستخباري هجوماً ودفاعاً , وهذا هو مجال مبحثنا.
---------------------------
مصاعب جمّة
---------------------------
ان احد مؤشرات ضعف الدول هو ضعف سيطرتها على حدودها وموقف قوات الحدود ودورها في ضبط الحدود , وتختلف التهديدات في الحدود من منطقة الى اخرى بحسب الجغرافيا والمنطقة المحيطة وطبيعة العلاقة مع البلد الجار , ومن تلك التهديدات تسلل الارهابيين والتهريب الذي يستنزف الاقتصاد وفرار المطلوبين للعدالة ونشاط المعارضين المسلحين للبلد الجار والمخدرات والممنوعات وتجارة الاسلحة غير الشرعية والاتجار بالبشر وغيرها .
ولو اخذنا الحالة العراقية مثلاً فسنرى ان معظم الانهيارات الامنية في العراق قد بدأت حين تسيبت الحدود , فقد كانت الحدود السورية , لسنوات , ممراً رئيسياً للارهاب فبين عام 2004 الى 2011 كانت سوريا وصلاً جغرافياً لعناصر القاعدة , وبين اعوام 2011 الى الان اصبحت وصلاً جغرافياً لداعش .
اما باقي الدول الحدودية كتركيا وايران والكويت والسعودية والاردن والحد البحري فكانت دوماً منافذ لممنوعات مختلفة كالسلاح والعبوات والمعدات والكواتم والنقود المزيفة والمخدرات والاغذية الفاسدة .
الا أنّ مصاعب عمل حرس الحدود لايقتصر على الجانب الاخر من الحدود وانما تشمل بشكل اساسي سكان المناطق الحدودية , فسكان المناطق الحدودية في جانبي الحدود غالبا ما يكونون من عائلة واحدة او عشيرة واحدة او مذهب واحد وينقسمون بين طرفي الحدود , وغالباً ما يكون التهريب بأنواعه من عوامل رخائهم , فيما يكون التشدد بالامساك بالحدود بالضد من مصالحهم , لان المهرب والعصابي وناقل المخدرات والسلاح ومثابات المسلحين والارهاب يجب ان يكون ابن المنطقة وعارف بها , وهذا يؤشر الى ان على العيون الساهرة عند التخوم عليها التنبه الى جانبي الحدود ولاتهمل اي منهما .
من المشاكل التي تنعكس على طبيعة عمل قوات الحدود هي المنازعات الحدودية , وهي موجودة بكثرة بين الدول مما يخلق مشاكل سياسية ومناطقية , وهذا السبب يدفع بالدول للإضرار بالدولة التي تتنازع معها بما دون مستوى الحرب من خلال الاهمال الممنهج على الرقابة الحدودية وغض النظر او دعم اي عمل او مشاريع تخريب اقتصادي او امني او صحي ضد البلد الاخر بالاضافة الى تكثيف الجهد الاستخباري المضاد .
كما ان بعض الحدود هي مأوى لعناصر مسلحة ضد البلد الاخر لاسيما في المناطق الوعرة او الاهوار , مما يجعل الحدود متشنجه وملتهبة دوماً , وقد تصل وتتكرر المناوشات العسكرية وتدخل المنطقة الحدودية في حالة الانذار , كما هو حزب العمال الكوردستاني التركي المسلح الذي يستفيد من الشريط الحدودي العراقي منذ اكثر من 30 عام في جبال قنديل .
--------------------------------------------
ثنائية الامن وضبط الحدود
--------------------------------------------
لاشك من ان إنهيار الأمن يبدأ اولاً من استخدام الطرق النيسمية ( الاجتنابية) غير الرسمية كمنافذ للتهريب والارهاب والحركة غير الشرعية , وكلما ضعف الأمن فان الجريمة تتقدم تاركة الطرق الوعرة والصحاري والجبال والانهار , لتقترب من المنافذ الحدودية الرسمية بكل وقاحة وشعور بالأمان , للافادة منها تسلّحاً بالنفوذ السياسي والحزبي وبالتهديد والترغيب والفساد والرشوة.
أما إذا ازداد الامن قوة , فإن الجريمة تبتعد مضطرة من المنافذ وتنحصر في المعابر غير الرسمية البعيدة عن عين الأمن بين الجبال والوديان والصحاري والطرق الوعرة عاجزة عن استسهال خرق المنافذ الرسمية .
ولتسهيل وتفعيل عمل حرس الحدود فانهم يُجهزون بأفضل انواع العجلات والاسلحة والمروحيات والطائرات المسيرة والتكنلوجيا واجهزه الاتصال , كما تدعم عناصر حرس الحدود بتواجد وحدات من الجيش بالقرب منها في المناطق الخطرة جداً (انظر مبحث 50 الاستخبارات والجغرافيا )
وتعتمد قوات حرس الحدود على الموانع الطبيعية والاصطناعية والتكنلوحيا والمراقبة الارضية والجوية وتعبد شوارع بموازاة الحدود وتضع الدوريات والكمائن واحيانا تزرع الالغام وتضع المراصد والنقاط الحدوديه والمعرقلات لمنع التسلل والعبور غير الشرعي انظر (مبحث 6 الاستخبارات الدفاعية , مبحث 5 الاستخبارات الوقائية , مبحث 8 الاستخبارات العسكرية , مبحث 9 الاستخبارات الجنائية ).
ان مجمل المخاطر التي تحيط بعمل حراسة الحدود وطبيعتها تحتم ان تتدخل الاجهزة الاستخبارية وتتواجد عند الحدود لتواجه المخاطر الجسيمة المحتملة .
-------------------------------------
الاستخبارات والحدود
-------------------------------------
من طبيعة العمل الاستخباري العمل عند جذور الاشياء وعند منبعها , فحين تسعى الاجهزة الاستخبارية الى الحصول على معلومة حربية عن العدو , فانها تسعى الى الحصول عليها من وزارة دفاع العدو ومن مصانعه العسكرية .
ان الحدود هي نقطة التَماس مع البلد الاجنبي ومواطنيه ومهربيه وجواسيسه وادواته التخريبية , وهي بوابة شريرة للمؤامرات , فمن الطبيعي ان يكون الحضور الاستخباري قوياً عند الحدود .
ان من لا يحمي حدوده ويستخبر من هناك لا يستطيع ان يردع الارهاب في داخل المدن , فكما ان التسريب هو آفة الاستخبارات , فان التسلل عبر الحدود هو آفة الامن.
ان الكثير من النشاط والجهد الاستخباري يحدثان في الحدود كبناء مثابات ومقرات ومخابي وتدريب وتجنيد و تجهيز وعبور وتسليم بريد واتصالات وهي من صلب شؤون اجهزة الاستخبارات سواء في الاقسام الخاصة بإدارة العملاء او في العمليات الخارجية او في مكافحة التجسس او مكافحة التهريب وحماية الاقتصاد , فضابط الاستخبارات يجب ان يطلع ويفهم ويتعلم ماذا يجري في الشريط الحدودي.
ان المناطق الحدودية مثالية لتدريب المصادر وعبورهم وتوجيههم وعلاجهم وتجهيزهم , وغالباً ما يحدث ذلك في المناطق الحدودية سواء في داخل اراضي الدولة الهدف او داخل الشريط الحدودي للبلد , مما يتطلب ان تقدم قوات الحدود خدمات لوجستية متعددة وحماية ومرافقة وأشكال المساعدة لرجال الاستخبارات .
وتلعب استخبارات الحدود دوراً هاماً في كشف المخبرين والمتعاونين , فالحدود هي ملعب استخباري كبير ومهم حيث تنشط استخبارات دول الجوار على المناطق الحدودية وسكانها .
فالشريط الحدودي بكل تجمعاته السكانية من قرى وارياف ومراعي وبساتين ومزارع ومدن , هو ساحة عمل مهمة للاستخبارات وكلما غفلت عنها الاستخبارات تحولت الى ساحه عمل لاستخبارات الدولة الجارة , فهذه الاماكن هي محل نشر المخبرين والمتعاونين وتهريب العملاء , ويجب ان يتواجد ضباط الاستخبارات في تلك المناطق مع شبكة كبيرة من المخبرين من سكان ورعاة اغنام او بدو اومزارعين .
وغالباً ما تكون المناطق الحدودية ساحة عمل نشط للاستخبارات العسكرية والاستخبارات الجنائيه الداخلية , والاثنان يقومان بعملهما بالتعاون والتنسيق مع دائره استخبارات قيادة قوات الحدود.
وتحتاج الاستخبارات الى تنسيق مناطقي مستمر مع قوات الحدود لجملة من الاسباب , منها : تسهيل حركة ضباط الاستخبارات وجمع المعلومات وكسب المخبرين وعبور المصادر ذهاباً واياباً و تنسيق العمليات والتحقيق .
ان استخبارات الحدود تتمتع بخصوصية العمل مع جميع اجهزه الاستخبارات بحكم وضعها الخاص , لذا فهي تحتاج الى مقر قيادة وسيطرة في المناطق والى غرفة عمليات في المركز وتحتاج الى ضباط ارتباط مع اجهزة الاستخبارات الاخرى .
وفي حالات الطوارى والفوضى تضع الدول قوات الجيش قريبة من الحدود , وتضع قوات الحدود تحت إمرة قوات الجيش للتنسيق ولسرعه الرد والمعالجة والسيطرة , فيما تنشط الاجهزة الاستخبارية الى مستوياتها القصوى.
---------------------------------------------
الحدود والخبرة الاستخبارية
---------------------------------------------
ان خير مكان للتدريب وكسب الخبرة الميدانية هي استخبارات الحدود , ففي البلدان التي ليس فيها حرب , فان الشريط الحدودي والعمل الميداني لكل صنوف الاستخبارات وكسب التجربة والخبرة يكمن في العمل داخل استخبارات الحدود , فاستخبارات الحدود بمثابة مركز تدريب مفتوح لكل ضباط الاستخبارات بجميع صنوفها.
فكما يرسل الطبيب بعد التخرج الى المراكز الطبية في الارياف , فان ضابط الاستخبارات المتخرج يجب ان يذهب الى العمل في الشريط الحدودي لفترة من الزمن ليتعرف على العمل الميداني بشكل عملي.
ان افضل مكان لتطوير قابليات ومهارات رجال الاستخبارات الشباب هي استخبارات الحدود , فبسبب البيئة الصعبة , فإن استخبارات الحدود تحتاج الى طاقات شبابية , والضباط الجدد اكثر طاقة وقابلية مع خبرة سيكتسبونها من عمل ميداني كبير , لذا فهم في المكان المناسب عندما يكونوا في استخبارات الحدود.
بل ان بعض الدول ترسل جميع ضباط صنف الاستخبارات من جميع اجهزة الاستخبارات للعمل في استخبارات الحدود لمدة عام او عامين بعد التخرج , لكسب الخبرة والتعرف على العمل الميداني.
--------------
خلاصة
--------------

ان بناء بيت بلا باب وشبابيك او سور هو نوع من العبث والمخاطرة فما بالك بوطن مفتوح على الغارب , ومن هنا تسعى الدول الى ضبط حدودها وتحمي من خلال الحدود امنها واقتصادها وصحة ابنائها وعبث الدول بمقدراتها .
وغالباً ما تهتم الدول بحوافز ومرتبات حرس الحدود بسبب المخاطر والبيئة والطقس وكثره الواجبات وانواع التهديد وغيرها من المفردات التي لا تتوفر في الصنوف الاخرى , لذا تدفع لهم مخصصات ورواتب اعلى من اقرانهم بالاضافة الى نظام تكريم مالي وترقيات مع كل نجاح في مواجهة المهربين والعصابات المسلحة وهو امر تفتقده قواتنا الحدودية للاسف مما يجعل العمل في الحدود بمثابة عقوبة وليست حماية .
ان العمل الحدودي عمل امني شكلاً الا انه عمل استخباري في جوهره , بل ان العمل الاستخباري في حدود البلدان هو بمثابة تطبيق عملي للعمل الاستخباري , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على