الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من ايام النضال الحلقة الاولى

سعدي جبار مكلف

2018 / 8 / 17
الادب والفن


ذكريات من ايام النضال الحلقة الاولى
بين ساحة ام البروم في البصرة وساحة دارلينغ في سيدني لحظات سريعة امتدت حوالي اكثر من خمسين عام ، لحظات صمت وصخب تبدل فيها كل شئ كما تغير الزمن على ساحة ام البروم فكانت مأوى ومقر للجياع ثم مقبرة لهم وحديقة وبريد لنقل رسائل المحبين الذين يرقصون الهيوه على انغام ناي تومان الحزين وربما يبكون لا فرق ثم تحولت الى تمثال للعامل وهو يحمل بيده مطرقة لتهشيم الزمن و الصمت المخيف والذل وطاعون العصر يصرخ بحتمية التاريخ ... وقفت في هذه الساحة وانا احمل في يدي جريدة الموعد المصرية التي تحمل اخبار سامية جمال وشكوكو عرافي ذلك الوقت ، وقفت بجانب تسجيلات شرهان گاطع تحت فندق العروبة وصوت المكبرات الصادرة منه تعزف على الميعاد اجيتك ، لقد تغير كل شئ حتى اسمي وعندما سألت الرفيق عن سبب تغير اسمي اجابني نفذ ثم ناقش ومن يومها وانا لم اناقش ابداً لقد تعلمت صمتك وصبرك ايتها الساحة الحبيبة وانكشف الخط الطلابي في البصرة بالكامل حيث وقعت شجرة الاسماء بيد الشرطة السرية ( الامن ) حيث كانت مع الرفيق جبار وهو في طريقه الى بغداد وعلى الارض السلام وأصبح كل شئ واضح ودخلنا الى المحكمة العسكرية الثانية القادمة من بغداد برئاسة العميد عباس فرحان والادعاء راغب فخري سئ الصيت وبلحظات تم الحكم علينا جميعاً وأنحدرنا بشوق كبير الى سجن الرمادي الرهيب ، في محطة المعقل كان الناس في حيرة تامة من هذا المنظر الرهيب اكثر من عشرين شاباً مقيدين بسلاسل الحديد وبحراسة مشددة جداً وكثرة رجال الشرطة ورجال الامن في ارجاء المحطة وكان يوم وداع مهيب لا يمكن ان ننساه بينما راحت ام عبد رفيقنا مع مجموعة من النسوه يطلقن العبارات التي تمجد موقفنا امام المحكمة ...
عليمن سجنت اعبيد يل اخرية
دنت نفسه وصار وي الشيوعية
عليمن سجنت اعبيد يغمان
شنهو الباگ منكم خوخ لو رمان
ومن محطة بغداد الى الرمادي مباشرة ، وصلنا الرمادي يوم 25/11/1964 وكان الجو بارد جداً ونحن لا نرتدي سوى ملابس صيفية لان الجو في البصرة حار كانت الملابس خفيفة لا تستر اجسامنا وعند دخول السيارات الى ساحة السجن واجهنا منظر غريب وهو تسلق الشرطة والحرس الى نخيل عالي موجود في حديقة السجن وتساعدهم الخيالة في جلب سعف النخيل لم يكن هذا النخيل مشابهاً الى نخيل البصرة الحبيبة كان قاسياً لم يكن من نخل العراق الوفي ، سألني الاخ جبار اديبس ماذا يعملون بالسعف وقد جمعوا كمية كبيرة اخبرته ان القاعات قديمة وربما سنعمل على تنظيفها وتسعيفها لانها متروكة منذ زمن كما علمنا حيث هذه الوجبة الاولى من السجناء تدخل الى السجن وماهي الا لحظات حتى ابتدأ الحرس والشرطة والخيالة الهمج بتنظيفنا ولا نعرف كيف نواجه هذا الموقف حيث انهال الضرب علينه من جميع الاتجاهات وكل ما أذكره ان الاخ جبار راح يضحك بصوت عالي ومستمر وهو ينظر لي لقد تحمل ضرباً شديداً من جراء الضحك ، ادخلنا الى القاعة وكان يطلق عليه المحجر حشرنا في هذه القاعة وفتحت القاعة الثانية المقابلة اي اصبحت قاعتان متقابلتان كنت في القاعة الثانية كانت القاعة موحشة باردة قاسية ذات ارضية كونكريتية فارغة تماماً سوى عش طائر من نوع البلابل غادرها مسرعاً تاركاً وراءه طير صغير في العش ، الوحيد الذي استقبلنا لأنه لا يستطيع الطيران ومرت الايام والطير الصغير معنا اسميناه وحيد نعتني به ونضع له شئ من لب الصمون في الماء ونعطيه طعاماً له وكبر معنا وعاش في السجن على الرغم من انه يملك جناحين للحرية وانه الوحيد الذي لا تأتيه مواجهه اعتاد هذا الطير على الطيران والتنقل على اكتافنا ويعود الى عشه ، الغريب انه ملتزم معنا في الخرج للتعداد ولا يخالف مطلقا ً يطير ساعات ونقطع الامل في عودته لكنه يعود لقد تعلم الوفاء من اهل الوفاء كان يسكت اثناء فترة الهدوء واصبح شاغلنا الوحيد الذي نتنفس هواء الحرية من خلال اجنحته وطيرانه حيث كل شئ ممنوع القلم والورقة والكتاب وكل شئ من راديو وصحف او اي اتصال بالعالم الداخلي او الخارجي ، هذا الطائر عجيب غريب لا يخاف منا فعند التعداد الصباحي والمسائي يقف على اكتاف احدنا لقد اصبح وحيد واحد منا ، وفي احد الايام حدثت كبسة بلغة السجون اي تفتيش لكبس الممنوعات وعادة تكون مفأجئة ودخل الى القاعة عدد كبير من حرس السجن والشرطة وعلى مقدمتهم في قيادتهم معاون مدير السجن المدعو شرهان وكان برتبة نقيب واتجه مباشرة الى العش الذي فيه وحيد ومسكه ووضعه تحت حذاءه وانتهت حياة هذا الطائر وسط ذهولنا واستغرابنا وكنا غير متوقعين هذه المسرحية القاسية لقد انتهى كل شئ واصبح وحيد شهيد المحجر وثارت مشاعرنا من دون ان نحسب للنتائج واتجهنا نحو شرهان الذي اصبح خارج المحجر تحت حماية الحرس المدجج ، عشنا ايام حزينة تماماً ونحن نفارق صديق ورفيق ما خان الامانة في زمن مسلسل البراءات السيئة الصيت وزادنا استشهاد وحيد صلابة وقوة في رفض صكوك البراءات مهما كانت التضحيات حتى ان قسماً من تنظيمات شباب الناصرية سحبوا هذه الصكوك المذلة بعد هذه الحادثة نعم لقد اثر فينا هذا الحادث الذي لا انساه مطلقاً كم وحيد اعدمه شرهان وأمثاله لنا لقاء في ذكريات أخرى من ايام النضال
سعدي جبار مكلف
استراليا ...اواسط آب 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد