الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستتفتت تركيا كالإمبراطورية العثمانية 2/2

محمود عباس

2018 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الانهيار بدأ يظهر بشكل جلي، وخاصة في ميزانية الدولة والعجز التجاري، والمتوقع بلوغ الأولى في هذا العلم إلى قرابة 300 مليار دولا، وفي الثانية في نهاية هذا العام إلى حواف 12% من قيمة الدخل القومي البالغ 3 تريليون ليرة تركية، أي قرابة 780 مليار دولار قبل هبوط سعر الليرة، والوطني والذي وقف على حدود 1 ونصف تريليون دولار عام 2017م وبنفس سعر الليرة قبل هبوطها الحاد، والذي كان متوقعا أن تتجاوز حسب تقرير صندوق النقد الدولي 2 تريليون دولار، ولتصبح الدولة الثالثة عشرة في العالم، والخامسة أوروبيا، لكنها وبعد موجة التدهور ستكون الأرقام بحدود نصف المذكورة، ولن تظل بحدود الدولة 17 من حيث الناتج المحلي الاسمي، والـ 15 من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والفرق الهائل بين القومي والوطني هو ما تبين مدى الدعم الذي كان يتلقاه أردوغان من الشركات الرأسمالية العالمية.
وعلى أثر كل ذلك وتراجع الدعم الخارجي، تصاعد العجز التجاري وبلغ حدود 17 مليار دولار وهي ضعف العجز الحاصل في عام 2016م، وسيستمر في التصاعد مع هبوط الليرة التركية أمام الدولار واليورو، رغم أن نمو التطور الاقتصادي الذي لا يزال متوقعا أن يكون بحدود 5%حسب سعر الدولار، والمحسوب تركيا بـ 11% وهي تخمينات عالية جدا في المقارنات الدولية، لأنها محسوبة بالليرة التركية وقبل هبوطها، علما أنها لم تتجاوز نسبة 9.5% في أعلى مراحل الدعم العالمي وذلك عام 2004م، ومن غير المعقول إيقاف العجز بالدعاية المقالة أنها وروسيا وإيران سيتعاملون بالعملة المحلية، وحتى لو حصل فهي قد تغطي نسبة لن تتعدى 3% من جملة العجز التجاري، ولضخامة التأثير تحاول تركيا أقناع الحكومة العراقية، ورئيسها وزرائها حيدر العبادي السماح للإقليم الكردستاني بتصدير نفط منابع كركرك عبر إراضيها، للحصول على كمية من العملة الصعبة، أو الاعتماد على قطاع السياحة، كما نوه أردوغان لتطمين الشعب، أن عدد السواح الروس سيبلغون ستة ملايين سائح، والتي في أفضل السنوات لم تتجاوز دخل القطاع السياحي 50 مليار دولار.
كما وأن ضخ كميات من السيولة التركية إلى السوق لمساعدة الشعب في مواجهة التضخم المتصاعد، قد تؤدي إلى استقرار في السوق قليلا، لكن إذا لم يحصل أردوغان على دعم خارجي، سيكون التضخم وتدهور سعر السوق والليرة التركية كارثية في المستقبل، وفي الواقع بدأ التأثير يظهر الأن في قطاع البناء، وعملية الشراء والبيع، وهناك شريحة واسعة من الشركات الاستثمارية يجمدون احتياطيهم من العملة الصعبة، ولا يشترون من الخارج، لبيعه في الداخل بالليرة غير المستقرة.
وقد أسند أردوغان هذه العملية بوعد سياسي-اقتصادي قبل أيام، ذاكرا أنه لن يزيد من سعر الفائدة ما دام في الحكم، لكن معظم الاقتصاديين يؤكدون أن تجميدها في أدنى مستوياتها ستؤدي إلى نتائج سلبية على العلاقة بين حركة السوق أي المستثمرين والمصارف والبنوك. فالتجميد بسعر فائدة متدنية، ستقلل من نسبة أرباح البنوك، وبالتالي ستضعهم أمام عجز في السيولة، وستدفعهم إلى الإحجام في نسبة القروض على خلفية تراجع العائدات، وعليه فالمساعدات بدون دعم من البنك المركزي العاجز أصلا أمام تراجع الاحتياطي من العملة الصعبة، رغم ما تم إقراره من قبل صهر أردوغان، وزير المالية (براءة البيرق) بحرية التصرف للبنك المركزي، لن تؤدي إلى سد العجز الاقتصادي الحاصل في ميزانية الدولة للعام القادم، والمتوقع أن تبلغ قرابة 230 مليار دولار، فيما إذا لم تزداد، في حال اضطرت على دخول حرب مع الجوار أو غيرها، ولن يتوقف التضخم، وتدهور سعر الليرة، وعلينا ألا ننسى أن مدفوعات المستثمرين الأتراك للبنوك العالمية ستظل بسعر الفائدة المتفقة عليها قبل سنوات وبالدولار.
وفي الواقع علينا أن نعلم خلفية الازدهار الذي نعمت به تركيا في فترة أردوغان، لمعرفة ما يجري حاليا، والتي كما ذكرنا سابقا ورائها شركات رأسمالية عالمية وبعدة طرق منها:
1- أيصال استثماراتها عن طريق الشركات التركية إلى مراكز في العالم الإسلامي وبشكل غير مباشر، وهو ما أدى إلى التدفق الهائل من السيولة نحو تركيا، وكنا قد ذكرنا بعضها بالأرقام. وحصول المستثمرين الأتراك على أرباح لم يكونوا يحلمون بها، وارتفعت سعر ليرتها بنسبة تجاوزت 3 ألاف بالمائة، بعد التدهور الاقتصادي وليرتها والذي امتد على مدى عقدين وأكثر.
2- دعم السوق الداخلية التركية، وفتح أبواب التجارة الخارجية لها، والتعامل مع مستثمريها بالليرة التركية لرفع سعرها، وبهذه العملية تم إنقاذها من عجزها التجاري الدائم، بزيادة كبيرة في نسبة الصادرات، وبسند من صناعات خارجية تجميعية في تركيا، بينها قطع تغيير للأسلحة الأمريكية والإسرائيلية ودول حلف الناتو.
لا شك تزايد وتيرة الاقتصاد التركي في الفترة التي جاء فيه أردوغان إلى الحكم 2003م، أعطته القوة في إحداث تغيرات هائلة على المستويين الاجتماعي والسياسي، متبجحا بها وبالنجاحات الاقتصادية، وهو ما أدى إلى تضخم في الذات، ولربما انحراف في الشخصية، ليبلغ حد جنون العظمة كما يروجها بعض الإعلاميين، ولذلك كان له إشكاليات مع أعضاء من حزبه. وبعد التمكن من القضاء على منظمة أرغنكون ومجموعة الكماليين، حول تركيا من نظام علماني إلى نظام إسلامي، ومن برلماني إلى رئاسي شبه مطلق، وحول السلم مع حزب العمال الكردستاني إلى حرب شرسة، كما نقل تركيا من صفر مشاكل مع الجوار إلى جملة من المشاكل والصراعات مع القوى الداخلية والإقليمية، وليصعد إلى الصراع مع أمريكا وأوروبا ودول حلف الناتو وإسرائيل، وهنا بدأت مسيرة أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالهبوط الحاد، علما أنها كدولة كانت لا تزال تملك بعض الأمل منذ بداية تقليص الشركات العالمية الرأسمالية دعمها.
وبوادر سقوط تركيا كنظام اقتصادي متماسك، تشبه كثيرا ما حل بالإمبراطورية العثمانية يوم وقفت في وجه الإمبراطوريات الأوروبية المتصاعدة، وهي كانت تغرق تحت ديونها الخارجية والبالغة قرابة 5 مليون ليرة ذهبية، وهو المبلغ الذي تكفل بتسديده ممثل بن كوريون، مع إضافة 5 ملايين أخرى للسلطان عبد الحميد ذاته كهدية.
كما وأن وضع تركيا الأردوغانية السياسي والدبلوماسي لا تختلف كثيرا عن ماضيها المنبثق منه، يوم بلغت مرحلة العزلة الدولية على خلفية مواجهتها كل الأطراف بوقوفها مع ألمانيا الخاسرة، ولم تحافظ على حليف يثق به، فلم تكتفي الدول الكبرى حينها بالتخلي عنها، بل بالتخطيط على تقسيم ممتلكاتها، وهو ما تم، وتشكلت الدول العديدة في المنطقة من ولاياتها، وهذا ما يتوقعه معظم المراقبين الاستراتيجيين أن تحصل نتيجة مماثلة لتركيا الحالية في المنظور البعيد، وتنقسم بين الشعوب المحتلة من قبلها، ويحصل كل إلى سيادة جغرافيته، ومنها كردستان التي أصبحت يتيمة الإمبراطورية العثمانية حيث أكبر الجغرافيات والديمغرافيات بلا دولة، من بين جميع الشعوب الأخرى، ما عدى اللاظ.
فحتى ولو استمرت تركيا كدولة متماسكة إلى فترة ما، تظهر فيها قوتها، وتبجحها، وتقوت بروسيا المحاصرة مثلها، من قبل أمريكا، ستظل معرضة إلى التفتت فيما لو استمرت في مواجهة أمريكا وأوروبا وإسرائيل، وقادتها يعلمون أن أجداد الأخيرة قضوا على الخلافة العثمانية عندما رفضت الهجرة اليهودية إلى أرض الميعاد، وساعدوا على إقامة المملكة السعودية بدعم بريطاني، بعد الحصول على موافقتهم على الهجرة.
ستخسر تركيا الكثير كدولة كبرى، وستبلغ سويات لا يحمد أردوغان عقباه، لتمسكه بإعادة تجربة الخلافة العثمانية حول علاقاته المتذبذبة مع إسرائيل، ودعمه ليس للفلسطينيين كشعب وحكومة بل لحركة حماس الإسلامية الفلسطينية الراديكالية، والتي تعتبرها أمريكا وإسرائيل خط أحمر، تمس أمن الدولتين.
لكن هنا وفي الوجه الأخر من المعادلة، تتناسى أمريكا والدول الأوربية وإسرائيل ومستشاريهم، أن أردوغان يتحول يوما بعد أخر إلى دكتاتور مطلق الحكم في تركيا، والانحراف الحاصل هو حصيلة ما بلغته تركيا من قوة في الفترة الأردوغانية، وهي التي أدت إلى تجاوز كل القيم في تبجحه، خاصة بعد أن غير نظام الحكم، وبدعم شبه مطلق من حزبه، العدالة والتنمية، وأغلبية الشعب، وهو ما سيؤدي إلى تحويل تركيا إلى دولة مشابهة لألمانيا النازية بعد استلام هتلر السلطة بالانتخابات.
فمهما تدهور الاقتصاد، وتراجعت الليرة فلن تؤثر على سلطته الدكتاتورية والمحبوبة والمدعومة حتى الأن من أغلبية المجتمع التركي الذي لا يزال تحت تأثير ما بلغته تركيا من المستويات العالمية الاقتصادية. علما أن الجميع يعرفون أن الدكتاتوريات لا تسقط عادة بالطرق السياسية والدبلوماسية، ولا بالحصار الاقتصادي، والأمثلة في المنطقة والعالم كثيرة، وخير مثال إيران، وكوريا الشمالية وسلطتي البعث، وغيرهم في العالم، وبينهم العالمين العربي والإسلامي. وهنا فالمجتمع التركي سيكون الأكثر تضرراً في الحصار، فكلما ازداد الضغط الخارجي على سلطة أردوغان سيقابله بالضغط على الشعب، والحجج والتبريرات لمظالمهم عند الحكومات الدكتاتورية كحكومة العدالة والتنمية الإسلامية لا حصر لها.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
13/8/2018م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا