الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الخامس 5

دلور ميقري

2018 / 8 / 17
الادب والفن


لقد تحدثا قبل نحو ساعة عن مصادفات الحياة، الأكثر غرابة مما يتفق أن يقرأه المرء في رواية ما. وهيَ ذي المرأة ذات الشعر الأصفر، المترنحة سُكراً، تكاد تبرهن على صحة الفكرة تلك. في الأثناء، أخذت " تينا " تداعب كأسها وعيناها مشغولتين بتأمل حركات رفيق الليل. وكان هذا ما ينفك يشيّعُ المرأةَ الغامضة الملامح، المتجهة على الأرجح إلى ناحية الحمّام. ولكنه لم يتردد من ثم في الإشارة إلى النادل، الذي هُرعَ مسرعاً لتلبية طلبَ من أعتقد أنه " كَاوري ". على الرغم من أنّ المرأة اختفت، لم يَخْفَ على الرجل إدراكَ أنها المقصودة بتأكيده: " هيَ مقيمة فرنسية، تُدعى مدام هيلين "، قالها بلغة المرأة المقصودة وقد عاد بريقُ الطمع يتلألأ في عينيه. الفكرة المفترضة، التي راوحت بين رأسين محنيين على منضدة واحدة، سقطت إذاً على أرض الواقع.
ثمة خارج البار، استجمعت السيّدة السويدية شجاعتها لتسأل صديقها بحذر: " أكنتَ تتمنى، لو كانت هيَ؟ "
" مَن تعنين؟ "
" ذات الفستان الأحمر، بالطبع "
" آه، مجرد أنني خلطت بينها وبين امرأة عرفتها بمستهل وجودي في مراكش "
" برافو، يا صغيري، لمحاولتك خداعي هذه المرة! "
" وأنتِ، كم شخصاً كنتِ قد خَدعت غيري؟ "، سألها متكلفاً ضحكة مكتومة. قرصت ساعده مُداعِبةً على طريقة الشرقيين، شاعرةً بسعادة خفية لأن سؤالها هز داخله. وكان داخل " تينا "، المختنق بنفس السؤال، يحتاجُ أيضاً للتنفيس حال هذه الليلة الحارّة، التائقة للنسيم المعتدل. تعانقا في صمت عند مدخل العمارة، وما لبثَ كلّ منهما أن أعطى ظهره للآخر. كان " سيامند " يخطو باتجاه الشارع الرئيس كي يوقف سيارة أجرة، آنَ أوقفه نداؤها باسمه.
" اسمع، إنني أشعر بسأم كبير وأعرف أن النوم سيجفو عينيّ "، خاطبته ما أن عاد ليقف بمقابلها. ثم أردفت بنبرة حيية " في وسعك النوم لديّ، ولكن.. ولكن لا أدري كيفَ أعبّر لك ". لدهشته، قطعت عبارتها ثم هرولت لترتقي الدرجَ على الرغم من وجود المصعد. أدرك أنها تهرب خجلةً من فكرة ما، راودتها على خلفية دعوته للمبيت في الشقة. دقيقة على الأثر، وكان في ردهة الشقة يجذب رفيقةَ الليل إلى أحضانه مجدداً. قالت له وهيَ تحاول التملص من بين يديه القويتين: " أرأيت؟ كنتُ على حق حينَ ترددت في دعوتك "
" كنتِ تخشين إذاً أن أضاجعك؟ "، ردّ ضاحكاً تاركاً إياها تفلت ليرفع يديه من ثم بحركة استسلام. أجابته عابسة: " لا تكن أحمقَ، أرجوك. تذكّر أنني دعوتك للشقة، مرة من قبل ". أرخى يديه إلى أسفل، قائلاً دون أن تفارقه النبرة المرحة " ما فهمته من ترددك هذه المرة، أن الوقتَ متأخرٌ أو أنك قلقة من كوني ثملاً؟ "
" أنا قلقة حقاً، ولكن لسبب آخر.. وتعسة، فوق ذلك "، قالتها ثم خطت مرة أخرى نحوه. عانقت وسطه الرشيق، مخفية وجهها في صدره. نهنهة بكائها تصاعدت مع تلك الحركة، خافتة لا تكاد تُسمع. إلا أنَ صوتها لم يتأخر عن إعلان حضوره، صوتاً كالنشيج: " أنا معجبة بك جداً، يا صغيري. ولكن الحب، شيءٌ آخر. سيبقى طيفُ الراحل حائلاً بيننا.. بيننا وبين الحب ". بقيا متعانقين مطولاً، يحوطهما الصمتُ والظلال.

***
قالت له عند منتصف الليل، أنها تودّ قضاءَ ساعة لا أكثر في البار. وها هيَ تهم بالاندساس في فراشه، هامسةً في سمعه نصف الصاحي: " أرغب في النوم إلى جانبك، ساعة واحدة حَسْب ". بعين نصف نائمة، تطلعَ إلى عري بدنها المكتنز والناصع قبيل انزلاقه تحتَ اللحاف. قدّرَ من برودة أطرافها، أن الوقتَ على شفا الفجر. بينما كانا يلتحمان تحت وطأة الرطوبة والرغبة معاً، تصاعد صوتُ مؤذن المسجد القريب داعياً للصلاة في مناجاة عميقة وملحَّنة. بعد فراغهما من المضاجعة، راحَ كلاهما يتأمل مشهدَ السماء، وكان يلوح مبيضّاً باضطراد ـ كما قماش لوحةٍ بكر، يُعدّه الرسامُ بالصباغ الجيريّ.
" إنكِ لم تطلبي مني وضعَ الواقي، مع علمك بمعاشرتي لفتيات الشارع؟ "، ألقى كلمته ببساطة بعدما استأذنها في النهوض لإشعال سيجاراً. أجابته وهيَ تلاحق بعينيها منظرَ ظهره العاري، المبتعد رويداً: " سأفعل ذلك في المرة القادمة! ". تذكّرت عندئذٍ وصفَ أخيه الراحل لكفلها، بالفردوس الخلفيّ. كانت في هكذا حالة تتعمّد رجرجته، على طريقة نساء البورنو. تمتمت بشكل لا إراديّ: " كم من فراديسٍ خلفية وطأتَ، أيها المسكين العاثر الحظ ". " سيامند "، وكان قد لحق سماع كلامها، راوحَ قدميه الفارعتين أمامها فيما السيجار الثخين يسد فمه المنمنم. داورَ الجملة في ذهنه، فلما عجز عن الوصول إلى شيءٍ مفهوم، فإنه نفث دخان سيجاره باتجاه صاحبتها في حركة صبيانية.
" ما زلتَ مُديناً لي بجواب "، قالت له وهيَ تبدد بيدها الدخانَ المزعج. واستطردت موضحةً تحت تعبير عينيه، المضيَّقتين " المرأة تلك، ذات الثوب الأحمر؛ أكنتَ تتمنى فعلاً لو كانت أم الطفلة؟ ". فكّرَ قليلاً، وليسَ بلا كدر، كما عبّر عنه تفاقم ضيق عينيه. ثم طوى ساعده تحت يده اليمنى، الحاملة السيجار، قبل أن ينطق جوابه ببعض التوتر: " نعم، من أجل الطفلة بطبيعة الحال. ولا أعني، ما يُمكن أن تعوِّضَ به صغيرتنا من حنان. لأنها امرأة بلا قلب، الشريفة هذه، ولسوء الحظ صارت أماً على سبيل المصادفة أو الخطأ أو الجريمة! ". لزم الصمتَ على الأثر، طويلاً. وما عتمَ أن عاد إلى الفراش، بعدما أطفأ سيجاره. لحظات، ثم قفزَ كالملسوع: " ياه، كيفَ غابَ عني ذلك! "، قالها بصوت عال. فتحت " تينا " عينيها لترمقه بدهشة، وكان النعاس قد أخذها بعيداً قليلاً: " ماذا دهاكَ؟ ". تمعن في عينيها بدَوره، فيما يده تقبض على يدها وتهزها كأنما بهدف التيقن من أنها يقظة: " مدام هيلين؛ كانت زوجة ذلك الرسام الفرنسيّ، الذي عدَّ الشريفةَ بمثابة ربيبة. فإننا التقينا إذاً مع أم صغيرتنا، التقينا بها حقاً! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع