الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للأفكار عواقب: من وهم الشرعية، الى وهم الاعتصام المعزول!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2018 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لم يقدم فصيل سياسى مصرى تضحيات منذ عام 52 مثلما قدم "الإخوان المسلمون" – بغض النظر عن الأهداف التى من أجلها يقدمون هذه التضحيات -، إلا انه وللأسف، منذ 3 يوليو 2013، أهدر هذا الفصيل تضحيات هائلة، وراء وهم ما يسميه "الشرعية"، تضحيات هائلة لشباب وشيوخ ونساء وفتيات وحتى أطفال، تضحيات هائلة، مخصومة من تضحيات مفترضة للشعب المصرى لإنجاز ثورته، التى لم تتحقق بعد!.

فمازال الإخوان يمارسون وهماً، بأنه كان هناك مساراً ديمقراطياً، قاده وأشرف عليه ونفذه المجلس العسكرى، فى الفترة من 11 فبراير 2011 وحتى 3 يوليو 2013!، ووفقاً لهذا التصور "الوهم"، فإنهم قد خاضوا خلال هذه الفترة انتخابات ديمقراطية، وفقاً لمسار ديمقراطى!، على إثرها فازوا برئاسة مصر!، ثم وقع انقلاب على سلطتهم فى 3 يوليو 2013،(هكذا فجأةً ؟!، وبالرغم من المسار الديمقراطى المزعوم اللذين يؤكدونه هم انفسهم؟!)، لذا فهم يُقدمون كل غالى ونفيس لاستعادة الشرعية المسلوبة!، ومن ثم كان اعتصام "رابعة" الذى تم عزله عن باقى قطاعات الشعب اعلامياً، بعد ان تم تفعيل ازمات مفتعلة ف العديد من الخدمات والاحتياجات الاساسية، مما مهد الطريق لقبول ما تم فى تصفية اعتصام "رابعة"، فدائماً يمكن تفعيل ازمة لقبول ما لا يمكن قبوله. للأفكار عواقب.(1)


الموقف العادل، شرط الموقف المبدئى !
احد اعمق اهداف النيو ليبرالية هو ازلة الافكار والقناعات السابقة عليها، لذا فان التطهير العقائدى للافكار اليسارية كان ومازال على رأس جدول اعمالها.

على كل من يعمل او يؤيد الاقصاء السياسى لآى فصيل مجتمعى، لاسباب تميزية، دينية او عرقية اوجنسية .. الخ، عليه ان يعلم ان مكونات المجتمع لا يمكن حذف اياً منها، الا اذا ارتكبًت جرائم مؤثمة وفقاً للمواثيق الدولية، جرائم ضد الانسانية، جرائم التطهير العرقى، حيث تدين القوانين الجنائية فى العديد من البلدان، اعمال الابادة، بواسطة تعريفات تشمل "الفئات السياسية" او "الفئات الاجتماعية"، بشكل واضح على انها: "محاولة اقصاء متعمدة لفئة من الناس تشكل حاجزاً امام مشروع سياسى معين." .. وقد توسع القانون الفرنسى اكثر من ذلك ليعرف الابادة على انها خطة لتدمير "اى فئة قد تتحدد باى نوع معين من المعايير".

ان الافكار والجماعات اليمينية، الدينية او المدنية، "المحافظة"، كما اليسارية "التقدمية"، موجودة فى كل مجتمع على مدى التاريخ، وان بنسب متفاوتة وفقاً لدرجة تطور كل مجتمع، والذى يحددة درجة تطور وسائل وعلاقات الانتاج فى هذا المجتمع. ولكن، للافكار عواقب.(2)

إن القول بأن ما حدث فى 3 يوليو 2013، هو انقلاب عسكرى، يعنى ضمنياً أن المسار السابق عن هذا التاريخ كان مساراً ديمقراطياً حقيقياً، تم الانقلاب عليه!.

ان كل الوقائع فى الفترة من 11 فبراير 2011 الى 3 يوليو 2013 تقول – لمن يريد ان يرى - أن كل ما تم، خريطة الطريق التى وضعها المجلس العسكرى، با فيها استفتاء 19 مارس والانتخابات التشريعية والرئاسية، التى نظمها واشرف عليها واعلن نتائجها المجلس العسكرى، كان جوهرها، التفافاً على "انتفاضة" 25 يناير!، كان مواجهة غير مباشرة "التفافاً"، على ملايين المصريين الذين خرجوا الى الشوارع والميادين، والذين يستحيل معهم المواجهة العنيفة العسكرية المباشرة، حرصاً بلاساس على وحدة وتماسك الجيش المصرى، وفى نفس الوقت تجنب اراقة مزيد من الدماء.


الحراك الشعبى فى 25 يناير، العامل المفسر لكل التطورات اللاحقة..!
لم تكن مشكلة النظام المصرى فى 25 يناير 2011 مع القوى السياسية - اخوان، يساريون، قوميون، ليبراليون .. الخ -، كانت مشكلة النظام تحديدا، فى التقاء هذه القوى السياسية مع ملايين المصريين الذين خرجوا الى الشوارع والميادين فى 25 يناير ورفضوا الانصراف حتى 11 فبراير!.

للخروج من مأزق 25 يناير، ركز النظام على جماعة الإخوان المسلمين، كونها اكبر هذه القوى السياسية عدداً واكثرها تنظيماً، معتمداً عليها فى انصراف هذه الملايين من الشوارع والميادين الى ميادين ومزانق والاعيب وفرقة "السياسة"!، لقد راهن النظام فى كل ذلك على تاريخ هذه الجماعة من البرجماتية "الانتهازية السياسية"، وقد كان، وابتلعت الجماعة الطعم، ومازالت مصرة!.(3)

فى الصراع الممتد منذ 1954 بين جماعة الاخوان المسلمين وسلطة يوليو (المؤسسة العسكرية)، كانت الغلبة دائماً للمؤسسة العسكرية، الا فى انتفاضة 25 يناير عندما خرجت الجماهير بالملايين، رفضاً لقشل سلطة يوليو على مدى ستة عقود فى توفير العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، عندها فقط اصبح فى امكان الاخوان الانتصار، "المؤقت والشكلى"، على المؤسسة العسكرية، تلك المؤسسة التى لم تنتظر الهزيمة فكانت المبادرة بـ"الانقلاب الاستباقى" فى 11 فبراير "بيدى لا بيد عمر"، - الى حين مرور "العاصفة" -، فتولت الامر، عن طريق المواجهة الغير مباشرة، والالتفاف على "العاصفة" عن "طريق رأس الرجاء الصالح" بديلاً عن الاصطدام المستحيل!، وقد كان. مما سمح ان يكون للاخوان الغلبة دستورياً ومجلساً شعبياً ورئيساً، وكلها وفقاً لاجراءات ديمقراطية 100%!، ثم انتصرت المؤسسة العسكرية على الاخوان وعلى انتفاضة يناير وعلى مشروع التوريث، جميعاً دفعة واحدة.

يذكرنا هذا بسذاجة فكرة كانت ومازالت منتشرة بشكل كاسح بين غالبية المحللين السياسيين، تقول "بتخبط المجلس العسكرى خلال المرحلة الانتقالية"!، "سذاجة" لا ترى النجاح المنقطع النظير الذى حققه المجلس العسكرى فى الوصول الى اهدافه!، فالعبرة والمعيار العلمى فى قياس النجاح او الفشل، فى ان يقاس بمدى النجاح او الفشل فى تحقيق الاهداف التى يحددها هذا الطرف او ذاك لتحقيق مصالحه، والتى يحددها هو لنفسه للمرحلة المعينة، وليس الاهداف المفترضة، التى تحددها انت له وترغب فى ان يحققها هو لك!.(4)


لماذا الثورة القادمة قيادتها اسلامية وليست مدنية؟!
على الرغم من ان الشعار الذى رفع فى يناير 2011، كان "دولة مدنية، لا عسكرية ولا دينية"، الا ان جمهور انتخابات 2012 الرئاسية، وجد نفسه امام خياران لا ثالث لهما، اما سلطه "مدنية" ذات خلقية عسكرية (احمد شفيق)، او سلطة "مدنية" ذات خلفية دينية (محمد مرسى)، فى ظل الغياب شبه الكامل للقوى المدنية، حتى وصل الحال ببعضها للترشح على قائمة حزب الحرية والعدالة الاخوانى!.

لقد ناصب نظام يوليو العداء للقوى السياسية اليسارية، اشد من عداؤه للقوى السياسية الدينية (الاسلامية)!، فقد كانت نشاة نظام يوليو متداخلة مع "الاخوان المسلمين"، وحيث كانت "عضوية أغلب تنظيم ‘الضباط الأحرار في جماعة "الإخوان المسلمين" .. وبعضهم ومنهم عبد الناصر كانوا أعضاء في الجهاز الخاص في جماعة الإخوان .. ولم تمض سنة 1953 حتى كان قد تم الإفراج عن المسجونين في قضايا الإرهاب من جماعة ‘الإخوان، وشارك ‘الإخوان ‘في أول حكومة في يوليو واستثنى الإخوان من قرار حل الأحزاب، وتم تطهير وزارة الداخلية من كل خصومهم، وتم إشراكهم في لجنة إعداد الدستور في يناير سنة 1953وهو نفس ما تكرر فى ثورة يناير 2011!.

وطوال تاريخ جمهورية يوليو أخلت الحياة السياسية من كل القوى السياسية لحساب الاخوان، إنها جدلية القلعة والمعبد التى سيطرت على تاريخ مصر كله تقريباً باستثناء فترات أنوار بحر متوسطية قليلة، حتى أنه يمكن القول أن تاريخ علاقة السلطة بالاخوان المسلمين هى سلسلة طويلة من استخدام العسكر لهم ثم تحجيمهم.

لقد مارست سلطة يوليو الوظيفتان (العسكرية والدينية) فى خصومتهما مع الدولة المدنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والفكر العلمي والديموقراطي، ومشروع الطبقة الوسطي، وتبديد النخب، بالإضافة إلى عزل الأقباط عن الحياة العامة، وهم الذين خلا منهم تنظيم الضباط الأحرار ومجلس الثورة.

كل دلائل الواقع المصرى الحالى، تؤكد ان "الانتفاضة / الثورة" قادمة، وتؤكد فى نفس الوقت وفقاً للواقع وليس وفقاً للامنيات، ان القيادة ستكون للتيار الاسلامى وفى مقدمتة الاخوان، لكن واقع خبرة العقود الماضية تؤكد ايضاً، ان سلطة يوليو لن تنتظر الهزيمة، وستتخذ من الخطوات الاستباقية ما يقطع الطريق على كابوسها المزمن، بان تجد تحالف بقيادة الاخوان يحكم مصر، ذلك فى المدى القريب، اما على المدى البعيد والمتوسط، فهذا له شأنً اخر. (5)

فى اعقاب اعلان نتائج انتخابات مجلس الشعب 2012 وحصول جماعة الاخوان المسلمين على نسبة 47،2%، شهدت مصر "النخبة"، نقاشاً واسعاً متعلقا ًبالبحث عن المصطلح "العلمى" الصحيح والدقيق الذى يمكن اطلاقه على كتلة الاخوان الفائزة فى تلك الانتخابات، منطلقاً هذا النقاش من ان وصف هذه كتلة بـ "الاغلبية" لن يكون علميا ولا دقيقاً، على اعتبار ان كتلة الاخوان لم تكن قد حصلت على نسبة اعلى من الـ 50% من اجمالى عدد اعضاء مجلس الشعب، وبعد جولات من النقاش "العلمى" الدقيق، الذى انبرى له جل قيادات الراى فى مصر، وصلوا الى الحل العبقرى لهذه المشكلة "العلمية" العويصة، فقد استقر رأى الفقهاء والمحللين الاستراتيجيين والسياسين والمفكرين من "الطليعة المفترضة" للشعب المصرى، توصلوا الى ان يتم اطلاق مصطلح "الاكثرية" وليس "الاغلبية" على كتلة الاخوان بمجلس الشعب!.

وبخلاف ان مصطلح "الاكثرية" هو مجرد مرادف لفظى لمصطلح "الاغلبية"، الا انه وبعد مرور اكثر من ثلاثمائة عام على نشر مبدأ النسبية الذي وضعه جاليليو جاليلي في عام 1636م، وبعد مرور اكثر من مائة عام على نظريتى "النسبية" (الخاصة والعامة) للعالم الاشهر "البرت اينشتاين" (1005م)، والذى بناهما على مبدأ النسبية، كان من البديهى ان يكون بكل بساطة وسهولة، المصطلح الصحيح والعلمى، الذى يطلق على كتلة الاخوان بمجلس الشعب، مصطلح "الاغلبية النسبية"!، تميزاً له عن مصطلح "الاغلبية" (الاغلبية المطلقة)!.

ان ايراد هذا المثال، كان لمجرد الاشارة الى حالة الضعف والتشوش الفكرى، التى وصلت اليها "النخبة المصرية العتيقة"، هذه الحالة من الضعف والتشوش الفكرى، قابلها حالة من الضعف والتشوش التنظيمى، التى جعلت من فصيل مثل "الناصريون"، يترشح لهذه الانتخابات على قائمة جماعة الاخوان المسلميين، "عدوه التاريخى اللدود"!.(6)

سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
[email protected]
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam


المصادر:
(1) رسالة مفتوحة للمدافعين عن "الشرعية": "الثورة" ولا "الشرعية" ؟!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=524219
(2) "الاخوان"، نجم انتخابات 2018 بلا منازع !
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=582544
(3) لم يكن انقلاباً .. ؟!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=520904
(4) مع استمرار تغييب وضعف القوى المدنية: "الثورة" القادمة فى مصر بقيادة "اسلامية"!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=518469
(5) مع استمرار تغييب وضعف القوى المدنية: "الثورة" القادمة فى مصر بقيادة "اسلامية"!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=518469
(6) "الطمع يقل ما جمع": هؤلاء الشباب الانقياء، وحلمهم النبيل!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=546040








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استهداف فلسطينيين أثناء تجمعهم حول نقطة للإنترنت في غزة


.. طلبة في تونس يرفعون شعارات مناصرة لفلسطين خلال امتحان البكال




.. الخارجية القطرية: هناك إساءة في استخدام الوساطة وتوظيفها لتح


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش خياري إيران ورفح.. أيهما العاجل




.. سيارة كهربائية تهاجر من بكين إلى واشنطن.. لماذا يخشاها ترمب