الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع الرفيق ملحم بو رزق

حنا غريب
الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني

2018 / 8 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في وداع الرفيق ملحم بو رزق

ماذا عسانا نقول في رثاء الرفيق ملحم بو رزق ونحن نودّعه ونزرعه اليوم وردة حمراء وضّاءة تعانق ثرى بلدته الحبيبة المتين؟ هل من كلام يكفي كي نستطيع الاحاطة بما تحلّى به الرفيق الغالي من مزايا حزبية كفاحية ومن صفات خلقية لا نبالغ إن قلنا أنها أصبحت شبه نادرة؟ ومن أين نبدأ بالكلام عن هذه القامة السياسية الحزبية والقيادية التي واكبت عن قرب كافة مراحل نشاط الحزب على امتداد أكثر من خمسين سنة تخللتها نضالات ومواجهات طبقية واجتماعية وحروب أهلية متنقلة في الداخل، وحركات مقاومة ضد الغزوات الامبريالية والاسرائيلية في كلّ من لبنان وفلسطين والمحيط العربي عموما؟

إن من حقّ الرفيق ملحم علينا أن نستهلّ الكلام عن مشواره الكفاحي الطويل بتسليط الضوء على البدايات الاولى والمهمّة لنشاطه الحزبي، التي قد تغيب بعض تفاصيلها عن رفاقه وأصدقائه ومحبّيه الكثر راهنا، بينما هي التي لعبت الدور الأساسي في تكوين وصقل قدراته السياسية والإعلامية والحزبية التي تميّز بها لاحقا. إن هذه البدايات قد تزامنت مع التحوّلات البارزة التي اقترن بها المؤتمر الثاني للحزب عام 1968، والتي شكّلت نقطة انعطاف في مقاربته لمسألة التغيير السياسي والاجتماعي في لبنان وللموقف من القضية القومية والوطنية.

ويجب أن نشهد أمامكم أن الرفيق ملحم كان أحد أبرز الأبناء الطليعيين للجيل الأول من الشباب الذي انبثق عن هذا المؤتمر، والذي انخرط بكل طاقاته وبفعالية استثنائية في كافة النضالات الطلابية والشبابية والوطنية التي كان لبنان مسرحا لها في تلك الفترة، وبخاصة نضالات الحركة الطلابية في الجامعة اللبنانية أثناء ذروة مدّها الصاعد. ومن خلال مواكبته ومتابعته وإدارته الدؤوبة آنذاك لنشاط العديد من الخلايا الطلابية الحزبية وكذلك خلايا الأصدقاء في الجامعة اللبنانية وفي غيرها من جامعات العاصمة، نجح الرفيق ملحم في اكتساب مهارات وقدرات مميّزة لجهة الوضوح في التحليل السياسي والقدرة على الحوار والمحاججة وامتلاك قوّة الاقناع والاستماع الى الرأي الآخر وبناء العلاقات السوية مع عموم الناس والرفاق والأصدقاء.

إن نجاح الرفيق ملحم في هذه التجربة هو الذي مهّد السبيل أمام القرار الذي اتخذه بالتشاور مع الحزب للانتقال الى مهمات حزبية أخرى، فكان تفرّغه في إطار قيادة النشاط الحزبي الاعلامي. وكما في مهمّاته الأولى، ترك الرفيق ملحم أبو رزق بصماته السياسية والمهنية المضيئة في كل منابر الحزب الاعلامية – العلنية منها والسرية – التي ساهم في قيادتها، وبخاصة جريدة النداء ومجلة الاخبار واذاعة صوت الشعب، حيث عمل جنبا الى جنب، وفي أصعب الظروف، مع العديد من الرفاق المؤسّسين الذين رحلوا أو استشهدوا، من أمثال خليل الدبس وسهيل طويلة ويوسف خطار الحلو وخليل نعوس وسهيل عبود وكثيرين غيرهم.

أثبت الرفيق ملحم، على امتداد تجربته الاعلامية المتراكمة، امتلاكه قدرات استثنائية لا كقيادي حزبي فقط يتعاطى شؤون الاعلام، بل كأستاذ متمرّس في إعداد وتكوين أجيال من الرفاق والأصدقاء الاعلاميين الذين انتشروا – وما يزالون - في عالم الاعلام الحزبي واللبناني والعربي. ومن واكب النشاط الاعلامي للرفيق ملحم عن كثب، يدرك تماما ما تميّز به من قوة إرادة وصلابة وقدرة على التحمّل في مواجهة شتى أنواع المخاطر التي كانت تعترض العمل الحزبي الاعلامي في أزمنة الحروب الأهلية الكبيرة منها والصغيرة، وفي ظلّ الاجتياحات والغزوات الاسرائيلية التي وصلت الى العاصمة ولم تنجو مقرّات الحزب الاعلامية من عدوانها الأعمى وعبثها الحاقد. وفي كل المنعطفات البالغة الدقة التي تمخضّت عنها هذه المخاطر، كان الرفيق ملحم مثل ربّان السفينة، صامدا، متيقّظا، متهيّبا، مستنفرا، وكان قبل هذا كلّه الحارس الأمين على ما إئتمنه الحزب عليه، أي الدفاع عن حرية واستقلال الاعلام الحزبي، وتأمين سلامة الرفاق والأصدقاء العاملين في هذا الاعلام، وحماية مقرّاته.

لقد تمخضّت تجربة الرفيق ملحم، بالإضافة الى كل ما سبق، عن الكثير من المزايا والصفات الشخصية البالغة الدلالة والمعاني، حتى ليصحّ القول أن حياته تشكّل مدرسة بذاتها، ومن مقوّماتها الأساسية: التفاني والمثابرة في العمل في أحلك الظروف، والتواضع والصمت والصبر ونكران الذات الى أبعد الحدود، والاكتفاء العفوي والصلب بشعوره الذاتي العميق بصدقية الموقف وعزّة النفس كلما جرى التلميح الى منصب أو وسام أو جاه. وعندما يضع الرفيق ملحم، كل هذه الخصال في معركة الدفاع عن موقف الحزب وخياراته الوطنية والداخلية، فان قوة المثال هذه تصبح عبرة ومنارة يجب على كل الشيوعيين الاهتداء بها.

في زياراتنا اليك أيها الرفيق، كانت بسمتك الجميلة التي لم تفارق وجهك، تقفز فرحا لاستقبال الرفاق، وانت تحاول النهوض على شبه جسد من على فراش الوجع والألم،

وها انت تستقبلنا اليوم في بلدتك العزيزة المتين، ونكاد نسمع صوتك وانت تقول لنا:

انا هو ملحم بو رزق، انا هو بلحمي ودمي، جمعتكم اليوم من حولي لأقول لكم: أنا معكم وسأبقى معكم، أنى احبكم جميعا ... انا راحل، راحلٌ خلافا" لإرادتي، بعد ان غدرني المرض الخبيث وحكم على بالموت ظلما وعدوانا.

وداعا أيها الرفيق، وداعا يا أعز الرفاق،

كبيراً كنت، وكبيراً رحلت،

نم قرير العين في ثرى بلدتك المتين التي أحببتها، ويعدك حزبك بمواصلة النضال من أجل الأهداف التي عشت وكافحت وكابدّت وضحّيت من أجل تحقيقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر