الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع أم خيال

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 8 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمرّ السّنون ولا نكبر، فقط أجسادنا تشيخ
لا زلنا في عمر الطفولة نبحث عن المرح
نعوّض نقصنا بالهزار السّخيف
وضعنا في الكبر مخيف
كأننا مازلنا في الربيع
ونحنّ في عزّ الخريف
من يقرأ ما نكتب عن الحبّ، والجنس، والتعليق يعتقد أنّنا من عالم لا يمتّ للبشر بصلة. حبّنا ليس لنا، بل لك. نرغب أن تحسدنا، مع أنّنا لانكون نحن في الحبّ ولا الحرب. نحن بعض أفكار تنتشر عبر الأثير، نتقمّصها ثم نتبناها، نتحمس لها، نتعصّب، نقتل، نرعب الآخر.
يصطاد أحدهم امرأة ، ثم يغادرمملكته -التي كان يصفها على وسائل التواصل بالعش المثالي- إلى امرأة أخرى. بسلاسة، وهدوء، ويطلب من الكون أن يوافقه بأن ذلك العش الأوّل كان يدار من قبل مجنون. الكون يوافقه، فهل رأيت كوناً يقف مع مظلوم؟ الزواج هو في النهاية شراكة-عفواً مشاركة-و هو قد أنهى شركته الأولى لأنّ الزوجة أفلست، وبنى شركة جديدة سماها" ياعمري"!
عمري، حياتي، سندي كلمات حبّ تتواصل على وسائل التواصل لكنّها تحسب عند الله كلمات لغو لايحاسب عليها الإنسان. هي كلمات لغو فعلاً.
يسرق أحدهم صور أولاده عن وسائل التواصل- مع أنّه لايعرف عن حياتهم إلا ماوضعوه من صور على صفحاتهم -ليقول للعالم أنّه أبّ مثالي، بينما أولاده لا يتواصلون معه. لماذا يتواصلون؟ هو لايدفع حتى ثمن خبزهم. قالت لي ابنة أحدهم وهي تضحك بدلع المراهقة: أبي لم يترك أمي لأنّني لم أشعر أنها حزنت لفراقه . لقد استقال من مهمّته كأب. لو كان الأمر يتعلق بأمّي لكان كفانا من الناحية المالية، ولمس على أكتافنا فشعرنا به جسدياً. تسألني أن أنصحها بكنية تليق بها في وضع كهذا، وتقول: هل تعتقدين أن كنية سفانسون تناسبني؟
تحدّثت إحداهن عن مدى سخافتها عندما كانت متمسّكة ببناء أسرة، وأنّها كانت تمسك خيطاً من الوهم حسب قولها. لأنها تزوجت طفلاً رضيعاً، وعليها تنشئته، وعندما أصبح في سن المراهقة تمرّد على اليد الذي أطعمته وربّته، فذهب إلى حضن ماما جديدة تطعمه لبن العصفور. سماها"الله يخليلي ياكي ياعمري"
وتستطرد السّيدة قولها: " ليس جميع النساء مثلي، فأم منهل في الخمسين من عمرها، وعندما شعرت أن زوجها يقوم بحركات صبيانية. لم تنتظره. أقامت وداً مع إمام الجامع، اختار لها رجل أعمال ينفق عليها قبل أن يتنفّس أبو منهل. لا بأس أنّها محجبة، لكنها لم تنتظر أن يرمي لها أبو منهل عظمة. تزوجت على شرع الله ورسوله مع أنها تعيش في أمريكا"
وتبكي طبيبة في الخامسة والأربعين. تندب حياتها، وتقول: مشكلتي الأولى والأخيرة أنني متعلّمة وسافرة، وعلي أن أتصرّف برقيّ، ومن باب الرّقي هو أن يقوم زوجي بالعمل المشين، وأخجل أنا. أتمنى لو كنت مثل أم منى، وأم عائشة، وأم يسر. هن سيدات بيوت فقط، كما أنهنّ مؤمنات ومحجبات، لكن لاتحتار إحداهنّ على إيجاد شريك، فأوّل كلمة ينطق بها الزوج ضدها تطلب حماية الدولة، المشكلة أنّني لا أعرف أنّ الدّولة تحمي، فقط سمعت ذلك منذ زمن قريب ، أما هنّ فقد أتين إلى الغرب على نيّة الطلاق. لن يتزوجني أحد فأنا لست مثلهن. الناس تخشى الزواج بطبيبة، وسافرة أيضاً. أعتقد أنّني لو نشأت كما نشأن لكان الأمر أفضل، لأنّه سوف يكون لي تجمّعاً أتحدث إليه، ينصحني. بينما أمثالي وهم قلائل يعشن العزلة لأنّهن مختلفات في المظهرفقط.
الشّكاوى ليست من النّساء فقط. بل من الرّجال أيضاً فقد التقيت صديقي الشّاب في السويد، وكنا معاً في مدرسة اللغة، أوقفني في الشّارع. قال لي أرغب أن تكتبي مقالات عن الظلم في السويد. سألته ماذا؟ أعد ما قلت!
قال نعم. الظلم: يأخذون أطفالنا ونساءنا . بدا كأنه ليس ذلك الشخص الذي عرفته قبل لم شمل عائلته التي كانت تعيش في الإمارات، سألته عن زوجته وأولاده. قال لي عادوا إلى الإمارات. لم تعجبهم السويد وأنا سأذهب إليهم .
السّوريون في المدينة التي أعيش فيها مولعين بالمدرسة، وخاصة النساء النصف متعلمات. ليس من أجل العلم. بل من أجل التسلية أحياناً، فبعضهن لها عشرة سنوات في السويد ولا زالت تذهب إلى مدرسة اللغة، وفي المدرسة يتم نشر الغسيل، وفي مرّة استوقفتني زميلتي السابقة الشابّة وحدثتني عن زوجة الصّديق الذي يشكو الظلم، -الذي قال أنّ زوجته عادت إلى الإمارات-قالت: أنّ الزوجة طلبت حماية الدولة بعد وصولها بيوم واحد واختفت هي وأولادها وفق القانون السويدي حيث لايمكنه التواصل معها.
تسألني امرأة: هل لو كانت النساء داخل سورية سوف يفعلن ذلك؟
بالطّبع لا. هناك قانون عبودية المرأة، وهذا لايعني أنها لاتفعل ذلك بطريقة غير قانونيّة، فقد عشت في سكن لجوء لمدة عام كامل وتبدّل السوريون فيه كثيراً وفي كل مرة كانوا أكثر من مئة، فتلك النسوة اللواتي طلبن الطلاق لسن مغفلات. هن يفهمن بالعلاقة الجنسية جيداً قبل الحضور إلى الغرب، ويقمنها، ووجود الحجاب ، أو عدم وجوده لاقيمة له، حيث كانت العلاقة في المطعم، وعلى الدرج، والغابة، يبدو الزوج فيها ليس مغلوباً على أمره بل أتى بتلك الثقافة من مسقط رأسه. من أخطر الأشياء التعميم، ومن أخطر الأشياء التقليل من أهمية ما يحدث أيضاً. لي خمس سنوات في السّويد، ولم أر منظراً في الشارع أو الغابة يخجلني سوى من بعض أبناء بلدي المتزوجين، وأحدهم الذي أحب غجرية ، ويقبّلها في الشارع لأنّه شخص يمارس حريّته كان يثير فيّ الرغبة بالتقيّؤ.
نحن غريبون وغرباء. نحن في تغريبة، وليس في غربة.
كنت أبحث فيما مضى عن علاقة اجتماعية يمكنها أن تخرجني من العزلة، ولا أجد، فجميع العلاقات التي دخلتها كنوع من التجربة كانت مزيفه تعتمد على مبدأ " معك فرنك تساوي فرنك" وأغلبها مليئ بالحسد والغيرة وربما الشّر، لكن الانقلاب سهل، فعندما تتبوأ منصباً حتى لو كان منصبك حاجب فإن المحبين، والمتوددين كثر. هم يحبون حقيقة، وأعتقد أن محبي بشار الأسد حقيقيون. نحن نحب الأفراد الذين ينتصرون علينا-مع عدم التعميم-
في الماضي كنت اذهب إلى الحديقة العامة في الصباح كتنفس رياضي، وكنت لا زلت شابة ، وعندما أرى عدد الأشخاص الذين يتنفسون هواء فاسداً أمتنع عن الذهاب. أما هنا فلست ملززمة بالبحث عن علاقة ما، وطريق الغابة يحرّرني. ربما تعلّمت الابتسام ، وهذا يكفي.
أنقل الواقع كما رأيته، ولكلّ شخص وجهة نظر في الواقع، فأنا مثلاً يرعبني منظر النّقاب، والذقون، كما يرعبني ذلك المدمن على المشروب.
الحرّية ليست الجنس فقطن وربما تكون الحرية الجنسية هامة، لكنّ الأهم منها هي قيم الحريّة التي تعني الكثير، ومن بين الكثير الذي تعنيه الإنسانيّة والتعاطف مع الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن