الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الحب 2 تتمة

حسين عجيب

2018 / 8 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



كتاب الحب 2

الحب ظاهرة إنسانية بشكل أساسي ، مع أن بعض الملامح المشتركة للحب ، تمكن ملاحظتها وبسهولة في كثير من السلوكيات بين الأجناس المختلفة من الأحياء ، خصوصا خلال التمهيد الجنسي أو مرحلة التقارب بين الذكر والأنثى ، وبين الأمهات وصغارهن بلا استثناء .
موضوع هذا النص يتمحور حول الحب الإنساني ، والعلاقات الثنائية بالتحديد .
....
خلال هذه الحلقة سأتوقف مع بعض النقاط الهامة لفهم النص الحالي ، ولكتابتي الفكرية عموما ، هي بالتسلسل :
1 _ التمييز بين موضوع الحب ، وبين موقف الحب .
2 _ التمييز بين جانبين مختلفين للفرد ( امرأة أو رجل ) ، هما الموقع والشخصية .
يتصل بالتناقض الذاتي بين وجهي الكلمة ، الدال والمدلول وبين الاسم والمسمى .
3 _ تحليل شعور الحب ، وصلته بالتفكير والعادات اليومية وخصوصا الاعتماد النفسي .
4 _ وربما الأكثر أهمية _ مع أنه يبدو للوهلة الأولى من خارج السياق ولا يتصل بموضوع الحب _ المنطق التعددي والموضوعي _ الذي يتأسس بالضرورة على الجدل المنطقي ( نموذجه ساعة الشطرنج ) ويتجاوزه بعدها ، ومثاله النموذجي مراحل التعليم الحالي ...
_ المرحلة الابتدائية ، أو الأساسية وهي مشتركة بين الجميع في الدولة الحديثة .
الفرد ( امرأة أو رجل ) الذي يفشل في تجاوزها ، يحكم عليه بشكل عام بالعيش في المستوى الهامشي حيث تسود علاقات الخوف والحاجة ، وسوف أهمل الاستثناء السلبي والايجابي معا .
_ المرحلة الإعدادية أو المتوسطة ، حيث عتبة التمايز الحقيقي بين الأفراد يبدأ بالتكشف والبروز ، وهي تشكل الأساس الحقيقي لشخصية الفرد اللاحقة ، وموقعه أيضا ( مع دوره الاجتماعي ) .
من فشلوا في تجاوز المرحلة 1 ، يتعذر عليهم فهم وإدراك المرحلة 2 على مستوى تبادل الخبرة والمشاعر الجديدتين بالفعل .
_ المرحلة الثانوية أو الثالثة ، حيث يظهر نوع وشكل جديد من التمايز والاختلاف بين الأفراد ، ويسهل قياسه والتنبؤ اللاحق بتوجهه ومداه ، بناء على مستوى _ ونوعية ، المهارات المختلفة والمتنوعة ... التي يكتسبها الفرد بشكل تدرجي وتراكمي طوال عمره .
_ المرحلة العليا ، ما تزال نخبوية في مختلف المجتمعات والثقافات _ وستبقى كذلك _ بسبب درجة الجهد والتركيز المرتفعة ، والتي يحتاجها الوصول إلى هذه المرحلة ، ويشترطها كعتبة وشرط مسبق .
الفرد ( امرأة او رجل ) ما دون المرحلة العليا ، شوف يشعر غالبا بشيء من الحرج أو النقص والدونية ، خلال تعامله مع من هم في مواقع القرار والسلطة والشهرة وغيرها . وليس هذا هو الموضوع أو الفكرة المحورية في النص ، بل فكرة وخبرة التقدير الذاتي المناسب والموضوعي ، كعتبة وأساس للحب الذاتي والمتبادل _ وللحب بمختلف أشكاله ومستوياته .
بالمقابل كل فرد بلغ هذه المرحلة ( المرتبة ) ، يتفاجأ بشعوره ...أن لا شيء تغير !؟
حدثت معي شخصيا ، حكاية طريفة وتعبر عن الفكرة ، وسأذكرها كما حصلت حرفيا :
بعد تخرجي من الجامعة بشهادة هندسة كهربائية _ اختصاص طاقة ، تعينت في مؤسسة كهرباء اللاذقية ، وذهبت لتكملة الأوراق المطلوبة في الوظيفة الجديدة .
خرجنا من الديوان ، ... 3 أو 4 موظفين جدد برفقة موظف الديوان إلى مكتب المدير لتوقيع الأوراق ، وفي مكتب السكرتير حيث كان علينا الانتظار ليدخل الأوراق ويوقعها من المدير ، وهو يراجع الأوراق التي قدمها له موظف الديوان ، وقف فجأة عن كرسيه ودعاني إلى الجلوس على كرسي مجاور له بكلمة : تفضل أستاذ ومع ابتسامة مرحبة أول مرة يقابلني بها موظف سوري طوال حياتي .
لم يخاطبني إنسان من قبل بكلمة أستاذ ، ولم تخطر ببالي مطلقا .
بصراحة لم يخطر في بالي أن أكون المقصود . وكرر الدعوة أكثر من مرة ، والجميع ينظرون إلي ، وأنا ارتبكت وشعرت بالحرج الشديد ...ولا أذكر كيف جلست .
بعدها _ صدمني _ التقسيم الطبقي ( العنصري ) بين مهندس وغير مهندس ، كما في المشافي بين دكتور وممرض ، وفي الجيش بين ضابط وجندي ...وليس اعتراضي على التقسيم التراتبي ، الضروري في المؤسسات والشركات وغيرها ، بل على الاستعلاء الصريح ( العنصري ) من قبل أغلبية من حصلوا على الشهادة والامتياز ( ولا أجادل بحقهم في زيادة الأجر والمكانة أيضا ) ، اعتراضي من حيث المبدأ على ، التراتبية الصارمة ، الموروثة مع أخلاق العبودية .
لأهمية هذه الفكرة ، سأتوسع بشرحها ولو ابتعدت عن الموضوع المحوري قليلا ...
يوجد فرق نوعي بين الاستعباد ( القديم ) _ والذي يمارس أيضا في كثير من العلاقات الحالية بشكل مضمر أو مبطن _ وبين الاستغلال ( الحالي ) الظاهري والمكشوف ؟!
_ الاستعباد ، علاقة إنسانية بدائية يحميها القانون والدين والأعراف الاجتماعية المختلفة ، تقوم على سيطرة فرد على فرد آخر بشكل مطلق وتام . وبعبارة ثانية ، السيد يمتلك العبد . وكانت تلك ، هي العلاقة الاجتماعية السائدة ، في مختلف الحضارات والمجتمعات القديمة .
وهي تمثل المرحلة الأولية والدنيا في العلاقة بين البشر ، وتقابل تصنيف المرحلة الابتدائية .
_ الاستغلال ، علاقة اجتماعية من المرحلة 2 ، أيضا السيد ( الذي صار اسمه الأب أو الزعيم أو صاحب العمل وغيره ) ، يمتلك وقت وجهد العبد ( الذي صار اسمه الابن أو المرؤوس أو العامل وغيره ) ، مع حدوث فوارق نوعية وكمية تراكمت عبر التطور ومرور الزمن ....من الغد إلى الحاضر إلى الأمس والماضي الميت بلا أسف .
الفارق النوعي والشكلي معا بينهما ، دستور العبودية _ حزمة القوانين والتشريعات في النظم العبودية المتعددة _ هو الأسوأ ، ويمثل قاع العلاقة الإنسانية ولا يوجد أخفض منها في الأخلاق وغيرها ( هي عديمة القيم ) .
الفوارق الكمية بينهما لا تحصى ، وخصوصا الفارق بين مجتمع بدائي ( نظام العبودية ) ومجتمع حديث ( النظام الرأسمالي ) ، وهو يشبه الفارق بين العصابة والنقابة ، حيث الهرم الاجتماعي _ السياسي في النظم القديمة يقارب العمود ، على العكس تماما من النظم الحديثة التي تقارب الأسطوانة ، بالتزامن مع تزايد أهمية الصفات الفردية كالجدارة والمهارات المختلفة والمتنوعة ، على حساب بقية القيم التقليدية الموروثة وفي مقدمتها توريث الثروة والسلطة وغيرها .
....
موضوع الحب وموقف الحب ، محور كتاب " فن الحب " لأريك فروم ، وقد كتبت عنه أكثر من مرة ، وهو أحد مراجع كتابتي في هذا الموضوع مع هرم الحاجات لابراهام ماسلو ، وقبل ذلك الشعر كله _ العربي والعالمي أكثر _ يتمحور حول الحب العاطفي وغيره ، أو هو شعر من الدرجة الثانية فما دون ، برأيي الشخصي طبعا .
موقف الحب يمثل ذروة التطور لشخصية الفرد ، وهو يتجاوز بالضرورة مراحل ( عقبات ) النرجسية والدوغمائية وبقية صيغ وأشكال التمركز الذاتي .
موضوع الحب قديم ومعروف في مختلف الثقافات ، يبتدأ مع تفضيل الورد على الشوك وغيره من الأعشاب المجاورة ، بالتزامن مع تفضيل الأحجار الثمينة على بقية العناصر والموجودات السائدة في الطبيعة ، مع التفضيل الثالث والكلاسيكي أيضا ، للطيور والطيران على الزحف والزواحف ، ويشاركها في التصنيف التراتبي تفضيل الخيول على الحمير وبقية الحيوانات .
موضوع الحب له أهمية خاصة ، بصرف النظر عن مشروعيته ، هو واقع إنساني عالمي ومشترك ....لن تجد شخصا يفخر بمرض ( جسدي أو عقلي ) إلا كوسيلة للابتزاز العاطفي ، أو يفخر بفقر محبوبه _ حتى في الستالينية كان التعتير ستارة أيديولوجية لا أكثر .
من غير المفهوم غياب الاهتمام الفعلي بالحب وبقية العواطف الرقيقة ، وتأخر المعرفة العاطفية ( الذكاء العاطفي والاجتماعي كمثال ) بموضوعات الحب وعناصره حتى النصف الثاني للقرن الماضي ، وما يزال الجهل العاطفي بالتزامن مع ظاهرة العجز عن الحب صفة مشتركة وعالمية أكثر منها محلية ووطنية !
موضوع الحب يمثله المحبوب في العلاقة الثنائية ، ويمثله الموقع أو الصفة أو المهارة في الحياة الاجتماعية _ الثقافية ، وهو معروف على نطاق واسع ولا يوجد اختلاف حول المواقع المفضلة والمرغوبة اجتماعيا ، خصوصا في ثقافة ومجتمعات تقليدية ومتشابهة وموحدة في الصوت واللون والدين والعرق ....وغيرها .
يوجد غموض في العلاقة بين الموضوع الجنسي وبين موضوع الحب ، واختلاف حاد على المستويين الفردي والثقافي يصل إلى درجات التناقض والصراع . من المعروف أن فرويد كان يعتبرهما واحد ، موضوع الحب هو نفسه الموضوع الجنسي ، بينما خالفه في موقفه حتى تلامذته وزملائه القدامى . وقد تبين خطأ موقفه بوضوح مع الزمن . نادرا ما يتوحد موضوع الحب مع موضوع الجنس في الحياة الفعلية ، وهو امر قابل للملاحظة والاختبار .
.....
شعور الحب يستحق البحث المفصل والمستقل ، واكتفي بعرض مكثف لفكرتي عنه ...
الشعور طبيعة ثانية للشخصية الفردية ، وهذه الفكرة مركزية في التحليل النفسي ، حيث يعتبر الغيظ أو الغضب المزمن عرض النرجسية وماهيتها معا . على النقيض من الحب والتعلق السريع بكل شخص من الجنس المقابل ، وهو ما يساعد المعالج والمحلل النفسي على كسب ثقة المريض للانتقال إلى المرحلة الحاسمة ( التحويل ) ....وهو موضوع ناقشته بشكل مفصل ومنشور على الحوار المتمدن لمن يرغب بتكملة الفكرة .
الشعور الفردي بين حدين ، بشكل متوازن وثابت بالنسبة للفرد الراشد ( امرأة أو رجل ) :
الجانب الأول يتمثل بالأحاسيس والانطباعات العابرة التي تجملها الحواس ، والجانب المقابل العاطفية الثابتة عادة ( شخصية عدوانية أو رضية ) ، وباختصار يمكن التمييز بين عدة مستويات للنضج العاطفي من الأدنى ( النرجسية والدغمائية ) ، مرورا بالأنانية والتمركز الذاتي وصولا إلى الموضوعية والمعايير الإنسانية العليا ( القيم الأخلاقية الحديثة _ نموذجها الديموقراطية وحقوق الانسان ) .
_ الشخصية النرجسية ، في موقف الخوف اللاشعوري بشكل دوري ومتكرر .
تتمثل الشخصية النرجسية بالموقف المتناقض :
مشاعري مسؤوليتك ، ومشاعرك مسؤوليتك أيضا .
تختلف عنها الشخصية الدوغمائية بالكم وليس بالنوعية .
_ الشخصية الأنانية ، تدرك مسؤوليتها الفعلية لكنها دون مستوى المعايير الأخلاقية العليا والمشتركة ، وتتمثل بالموقف المنفصل :
مشاعري مسؤوليتي ، ومشاعرك مسؤوليتك .
_ الشخصية الناضجة خلال علاقة عاطفية خصوصا :
مشاعري مسؤوليتي ، ومشاعرك مسؤوليتك أيضا .
.....
التمييز بين الشخصية والموقع ، أيضا فكرة عالجتها بشكل تفصيلي ، عبر نصوص سابقة ومنشورة على الحوار ، ويمكن التعبير عنها باختصار من خلال مثال احد الأبوين ، الذي يسيء معاملة الابن _ة ( وهو مثال سائد في الثقافة الأبوية ) ، ....الشخصية تتمثل بالمستوى المعرفي _ الأخلاقي ، التي حققها بالفعل الأب ( أو الأم ) ، بينما يتمثل الموقع بالدور الاجتماعي السابق على الفرد ( امرأة أو رجل ) .
لا بد من تحليل شعور الحب ، وهذا سيكون محور الحلقة التالية ، الموضوع الأكثر صعوبة والذي تجنبته بوعي وبشكل مقصود _ منذ بداية كتابتي عن الحب _ ... بسبب التهيب الفعلي من افتراضات واقتراحات ضمنية غالبا ، سيبدو التناقض الصريح بينها مع القراءة المتأنية والتي أكاد أكون متيقنا منها في قادم الأيام ....آمل أن تحدث في حياتي .
كتاب " فن الحب " لأريك فروم الذي اشرت إليه بشكل متكرر ، أحد مراجع موقفي العميق من الحب ، على الرغم من اختلافي معه _ بنفس درجة اختلافي عن موقف فرويد _ حيث يقفانن بشكل تناقض جدلي في قضية الفرد والمجتمع بشكل ثابت غالبا ؟
_ فرويد يعتبر الفرد محور الوجود الإنساني ، وتعبيره الأصيل والجوهري .
الفرد ينتج المجتمع وبقية الظواهر الإنسانية ...كالحب والسياسة والاقتصاد وغيرها .
_ فروم على النقيض يعتبر المجتمع محور الوجود الإنساني ، وتعبيره الجوهري .
المجتمع ينتج الفرد وبقية الظواهر الإنسانية .
ناقشت ذلك بشكل مفصل عبر نصوص سابقة ومنشورة على الحوار أيضا .
الموضوع في هذا النص شعور الحب او نقيضه " العجز عن الحب بتعبير فروم ، حيث يعتبر أن الحب موقف واختيار ومسؤولية ، وليس مشاعر وأحاسيس وعاطفة ، في مقدمة الكتاب ، مع أنه خلال المعالجة يميل إلى التوازن والاعتدال بتقدير المشاعر ولكن بشكل ضمني وغير واضح . على العكس موقف فرويد ، كان يعتبر الفرد والحاجات الجسدية المصدر الوحيد والأساسي لمشاعر الفرد وأفكاره .
شعور الحب أو النقيض ( العجز عن الحب ) ، ظاهرة إنسانية مزدوجة وثنائية ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية