الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة التركية بين الحقيقة وزيف الاعلام الايديولوجي

سامي عبدالقادر ريكاني

2018 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


قيل الكثير عن الازمة التركية الحالية مما اخذت لها ابعادا متفرقة وادخلت فيها مسارات متعددة اخرجتها عن مسارها الاقتصادي لتدخل فيها اصطفافات ايديولوجية دينية وقومية التجات اليها عقلية المؤامرات الكونية ، واقبلت على اسوارها اطراف دولية تتنازع من اجل الحصول على موطيء قدم في مستقبل تشكل الاطار الاقتصادي العالمي الذي لم تصل الى حدود الاستقرار بعد مستفيدة من انتهاز أي فرصة للحصول على مزيد من الاوراق المربحة لتضيفها الى رصيدها في المواجهة المستمرة.
ذكرت خلال لقائاتي التلفزيونية في الاربع ايام السابقة الى حقيقة الازمة التركية الحالية الا ان قصر الوقت في مثل تلك اللقاءات لم يعطي المجال لاخوض في عمق المسالة حتى يتسنى لنا توضيح الامر لذلك اردت اضافة هذا المقال لعله يفي بالغرض
اذا ماهي القصة الحقيقية للازمة التركية الحالية؟
مع ان الازمة بين تركيا وامريكا ليست السبب الرئيسي لتدهور وضع الليرة التركية الا انه لايخفى بان تازم العلاقة بينهما زادت من سوء اوضاع هذه العملة ، اما السبب الرئيسي للازمة انما يعود الى طبيعة السياسة الاقتصادية التي بني عليها علاقة حركة الاسواق التركية مع راس المال الاجنبي المستثمر عبر البنوك التركية فجل العمليات التجارية والمشاريع الكبيرة والصغيرة في تركيا تجري عبرالاستدانة من هذه الاموال عبر البنوك التركية الخاضعة لقواعد الاقتصاد الحر وفق النظام الراسمالي العالمي وعبر الادارة المستقلة البعيدة عن تدخلات الدولة في رسم سياساتها المالية، وتلك الاستقلالية فسحت المجال لارتفاع سعر قيمة الفائدة على الاموال الاجنبية المستثمرة في تركيا مما اعطى حافزا قويا لتنشيط حركة الاسواق التركية وازدهار اقتصادها الا ان ذلك لم يكن سوى فقاعة اقتصادية سرعان ما افاقت تركيا على حجم الضرر الذي تسببته تراكمات الزيادة في سعر قيمة الفائدة تلك على اقتصادها مسببة تراكم الديون العائدة للمال المستثمرعلى القطاعين الخاص والعام وصلت حجمها الى مايقارب 500 مليار دولار حسب بعض الاحصائيات.
فمع مرور الوقت اوصلت هذه العملية بالوضع الاقتصادي التركي الى حافة الهاوية، وتنبا الاقتصاديون اذا ما استمر الوضع على هذا الحال فان الاقتصاد سينهار كليا في غضون اعوام قليلة، وحينها اقدمت الحكومة للتدخل في الامر وطالبت بتخفيض سعر قيمة الفائدة، مما تسبب بردود فعل عكسية من قبل المستثمرين الاجانب ودفعتها لسحب اموالها والتوقف عن اسثمارها في البنوك التركية لكونهم راوا بان الاقتصاد ستفقد استقلاليتها عبر تحكم الحكومة في سياسات البنك المركزي المسؤول عن ادارة العملية بين المستثمرين وطالبي القروض من القطاعين، وكان ذلك السبب الرئيسي لتراجع العملة التركية.
ولكن هذا لايخفى من ان للازمة الاقتصادية التركية وواقع عملتها علاقة قديمة ايضا بتدهور موقفها مع امريكا ، حيث تعود جذور الازمة بينهما الى 2010 حين حاولت تركيا خرق الحظر الاقتصادي الامريكي على ايران واستمر ذلك الخرق الى 2015 الى حين رفع الحظر عنها بعد الاتفاق النووي بينها وبين امريكا، والاتهام الامريكي لتركيا شمل شخصيات وبنوك تركية وكان على راسها هالك بنك صاحبة اكبر تداول مالي بين تركيا والعالم الخارجي وضد نائب رئيسها "محمد هاقان اتيلا" بتهم وصلت الى حد اتهامهم بغسيل الاموال لصالح ايران عبرعملية بيع الطاقة من نفط وغاز الايرانيين الى الاسواق العالمية مقابل الذهب ومن ثم تحويلها عبر هذا البنك الى عملات اجنبية، مما ساعدت ايران على الصمود امام الحصار الامريكي، كما ساعدت على انتعاش الاقتصاد التركي في تلك المرحلة، واليوم يقبع نائب رئيس هذا البنك في السجن في امريكا اضافة الى تاجر تركي اخر وهو "رضا صراف" الايراني الاصل الذي يعتبر عراب غسيل الاموال والاحتيال المصرفي بين البنوك التركية والايرانية ، كما ان البنك هالك يترقب اصدار حكم ضدها من المحكمة الامريكية والتي سيتم بموجبها تغريمها بمليارات الدولارات كتعويض على انتهاكها للحظر المفروض على ايران، واذا ماتم ذلك فان القرار سيكلف اقتصاد تركيا خسارة كبيرة ، كما ان هذه القضية ربما لن تقف عند هذا الحد بل ربما ستشمل حتى اتهام اردوغان وحكومته ايضا بالتورط في هذه اللعبة. وهذه الاسباب مجتمعة زادت من حدة هبوط العملة التركية والتي ستستمر في التاثير على اقتصادها حتى بعد انفراج الازمة بين الدولتين بخصوص القس الامريكي المحتجز لدى السلطات التركية.
تطورات الازمة
الحكومة التركية ومنذ بداية اتهامها بخرق الحصار الدولي على ايران، قد فطنت الى عواقب هذه الازمة على امنها الاقتصادي والسياسي مما دفع بها كاحتياط احترازي الى تطبيق سياسة الرد بالمثل مع امريكا، بان وجهت اليها تهم مختلفة بدات باتهامها بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في 2016، ومن ثم صعدت من اتهاماتها ضدها حتى طالت شخصيات دبلوماسية وعسكرية وصلت الى حد شن حملة اعتقالات في صفوف مواطنيها المقيمين في تركيا حيث شمل اعلاميين وموظفين في السفارة الامريكية في انقرة وتم بموجب ذلك حجز اكثر من 18 مواطن امريكي واخرهم كان القس اندرسون، واتهمتهم تركيا جميعا بالتخطيط والتعاون مع جماعة فتح الله كولن وحزب العمال الكوردستاني المصنفين لدى السلطات التركية كجماعتين ارهابيتين، وكانت ترمي تركيا من حملة الاعتقالات هذه الى امكانية مقايضتهم مستقبلا بالاتراك المحتجزين لدى امريكا، وكذلك لوقف اصدار الاحكام من القضاء الامريكي ضد هالك بنك التركية، فتركيا تعلم ان امريكا جادة في تغريم هذا البنك لكونها تعتبر القضية 13 من بين ما يقرب من 12 قضية اخرى رفعت امام المحاكم الامريكية ضد بنوك أوروبية تم تغريمها بمبالغ تجاوزت قيمتها 16 مليار دولار بسبب مساعدتهم إيران على التهرب من العقوبات، وبقي قضية البنك التركي الوحيد الذي لم تصدر الحكم بحقها لحد الان مع اثبات تورطها في هذه القضية حسب القضاء الامريكي.
اذا نحن هنا امام قضيتين منفصلتين تسببت بالازمة بين تركيا وامريكا وهما:
اولا: ازمة ارتفاع سعر قيمة الفائدة لرؤوس الاموال الاجنبية المستثمرة في البنوك التركية وما رافقتها من تراكم للديون اضافة الى ارتفاع نسبة التضخم وتكدس الانتاج وتراجع نسبة الصادرات مع زيادة نسبة الاستيراد الخارجي، وارتفاع نسبة البطالة ، وهنا كان لابد للحكومة التركية التحرك لتدارك الامر، الا ان خياراتها كانت محدودة ولم تخرج عن خيارين، اما التدخل عبر البنك المركزي لوقف ارتفاع سعر قيمة الفائدة ووضع حد لها وفي هذا مخالفة لقانون السوق الحرالتي تحكمها قواعد اللعبة الراسمالية ، كما ان عليها تحمل انهيار العملة الوطنية بسبب حجب المستثمرين من ضخ اموالها في البنوك التركية والذي سيرافقه محاولة سحب راس مالها منها، واما تركها دون التدخل وتحمل تبعات ما سياتي المستقبل عليها بعواقبها الوخيمة جراء هذا الازدياد المستمر لسغر قيمة الفائدة، وهنا كان سوء العلاقة مع امريكا عاملا ثانويا وغير مباشرا زاد من سوء الموقف ولم يكن سببا مباشرا او رئيسيا لللازمة.
فموقف الحكومة التركية امام هذه الازمة كانت اشبه بمن حاول انقاذ حياة مجموعة من العطشانين عبر اروائهم من ماء البحر المالح الذي لايملك سواه ، وكلما حاول اروائهم بهذا الماء المالح كلما تسبب بازدياد عطشهم اكثر الى ان احس بان الامر سينتهي بموتهم ، وفي محاولة لتدارك الامر قبل فوات الاوان فاذا به لايجد امامه سوى خيارين اما الاستمرار باروائهم بهذا الماء حتى يتسبب بموتهم، واما قطع الماء عنهم وتوجيه انظارهم الى سراب على الطريق وايهامهم على انه ماء ومحاولة حثهم على تحمل المشقة حتى الوصول اليها.
وحل هذه المشكلة لايمكن تداركها الا بايجاد بدائل عن المستثمرين السابقين التي وصلت ديونهم على تركيا الى حدود التهديد بالافلاس خاصة وان موعد التسديد الدوري للديون الخارجية هي نهاية السنة الحالية واذا لم تسدد فانها ستضاعف عليها، وليس امامها الا بزيادة الصادرات والبحث عن اسواق بديلة بعد فقدانها للاسواق الامريكية واذا لم تفلح من اقناع دول الاتحاد الاوروبي ايضا في مساعدتها فما عليها الا اللجوء الى اسواق بديلة كالصين والدول الاسيوية والاسلامية، وكما عليها التقليل من الواردات، وايجاد مستثمرين ماليين يستثمروا في بنوكها حتى تستطيع من مليء الفراغ الذي تسببته ، وباعتقادي انها عملية صعبة، فلابد من شراكة استراتيجية مع قوة اقتصادية بديلة متمكنة كالصين، فهي القوة الصاعدة التي تبحث عن شراكات استراتيجية في المنطقة، وهي الوحيدة التي تخاف منها امريكا والغرب بصورة عامة، وهناك روسيا ايضا ولكن ليست بدرجة الصين ، ولكن في هذه الحالة سيكون على تركيا توديع المنظومة الغربية الحليفة نهائيا، كما عليها ترقب الاسوا معهم، ولا اعتقد ان تركيا مع كل التلويح والتهديد لامريكا بانها ستبحث عن شركاء بدائل عنها وعن عملتها الدولار الا انها في نهاية المطاف لن تستطيع التخلي عنهم وستعود اليهم.
ثانيا: ازمة تركيا مع امريكا حول التهم الموجهة اليها بخرقها للعقوبات المفروضة على ايران في الفترة السابقة واتهام بنوكها واشخاصها بقيامها بغسيل الاموال، والذي طور الامر الى احتجاز كل طرف لمواطنين من الطرف الاخر بتهم مختلفة، وفي هذه الحالة لايمكن لامريكا التنازل عن مواطنيها التي تعتبرهم ابرياء ، ولاتقبل ان تقوم تركيا باحتجازهم لمقايضتهم مع امريكا مقابل اطلاق سراح رئيس البنك (هالك بنك) التركي (محمد هاقان) وعدم تغريم البنك ايضا، وهذه المفاوضات جاري الان وتحاول تركيا اطالة احتجاز القس والضغط على امريكا الى ابعد نقطة ، ولكنها خطة فاشلة وستفشل تركيا لان امريكا دولة مؤسسات وليس بمقدور الادارة الامريكية التدخل في شؤون القضاء وهذا مالايتعقله قادة الشرق الذين عندهم السلطة معناه ان يكون كل السلطات في يد الحاكم ويعتبر هو الامر الناهي بمجرد ان يتسلم السلطة ولن يقبل باي مشاركة او تقسيم للسلطات بينه وبين اية جهة كانت رجل كان او مؤسسات، لذلك لحين ان تعي تركيا بان ترامب ليس باستطاعته القيام بهذه المقايضة كما انها لن تتحمل مزيدا من العقوبات الامريكية فانها حينها حتما ستفرج عن القس الامريكي وليس هو فقط بل على تركيا اطلاق سراح بقية الامريكيين الباقين في سجونها ايضا وان الامر لن يطول وسترون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا