الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطنُ الهويات المتعددة

أيمن مشانة

2018 / 8 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يقع المغرب العربي )مع التحفظ على كونه عربيا كما يراد له دائما( على خط التماس مع القارة الإفريقية والتي لا يراد له أيضا أن لا يكون منتميا لهذه القارة التي فصلت مخيالياّ إلى سمراء/بيضاء بحسب المخيال المغاربي منفصلاً عن إفرقيته أحيانا كثيرة؛ في الوقت الذي تبرز فيه أسئلة الهوية إلى الساحة الفكرية اليوم، وفي ظل المعاناة المتعددة التي تضرب عمق الأنظمة والشعوب في المنطقة المغاربية والعربية عموما يبرز الصراع الهواياتي في هذه الرقعة الإفريقية والذي تحاول المشاكل الكثيرة التغطية على أهميته وخطورة في نفس الوقت .
إذا كانت المفاهيم التجريدية مثل الثقافة والشخصية موضوع خلاف بين الفلاسفة والعلماء المنظرين قديما وحديثا، فإن مفهوم الهوية يبدو مستعصيا باعتبارها مفهوم متحرك وفي حالة بناء دائم من خلال الوضعيات التي يكون فيها الأفراد والجماعات ونوعية العلاقات الموجودة بينها وفي كل تلك الوضعيات وما يحدث داخلها من علاقات، يقوم شعور الانتماء بوظيفة هامة في تأكيد الهوية ورسم حدودها.
إن الهوية جسر يعبر من خلاله الفرد إلى بيئته الاجتماعية والثقافية، فهي إحساس بالانتماء والتعلق بمجموعة، وعليه فالقدرة على إثبات الهوية مرتبطة بالوضعية التي تحتلها الجماعة في المنظومة الاجتماعية ونسق العلاقات فيها.
فهل أصبح تحقيق شعور الإنتماء إلى الجماعة الوطنية مهددا جنوب البلاد في الجزائر ومستعصيا في أذهان البعض من المحسوبين على الوطن في ظل الخاطب المرحلة. إن المتتبع في هذه الفترة التي يتعرض ويتلقى الجنوب من ثنائية " الحكومة/الشعب الشمالي" تهميشا خطابيا ومعنويا أشبه ما يكون بخطاب موجَّه لأقلية تعيش على هامش الوطن المتعدد الهويات، مما يقيد ممارسته للمواطنة إلا في حدود ما تسمح به المجموعة الكبرى .
إن فكرة الوطن انعكاس للمواطنة والعيش المشترك والمشتركات الشعورية واللاشعورية وللنسيج الاجتماعي الذي يفترش الأرض وتلتحف بسمائه الممتدة إلى أعماق الكون والذي تلتقي أرواح المواطنين به ..عبر الأزمنة الغابرة، فالقوميات، والهويات ،والديانات ... ليست متضادات ومشاجب لتعليق الصراعات والتناحرات عليها، أنها مفاهيم ومدلولات أنجبتها رحم التاريخ والكون لتكون مشتركات وأواصر حسية " تصنع به الأمة تاريخها وحاضرها.
لكن ما يطفو على الساحة الشعبية اليوم في الجزائر قد يهدد بنيان هذا الوطن المأمول ويهدد على المتسوى القريب والبعيد مرتكزات البيان الخالد للثورة الجزائرية ثورة الإنفكاك الهوياتي والأيدلوجي والجغرافي عن القوة الإستعمارية، والذي رسم من خلاله الشخصية الوطنية والذي" يتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية" وعلى امتداد الجغرافيا الوطنية مع " احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني." بيان أول نوفمبر 1954.
إن عدم إيمان البعض بوطن متعدد الهويات والثقافات في إطار مكفول بالدستورو بقوة القانون؛ قفزٌ على مفهوم الوطن والتاريخ " إن الوطن فوق الأصل ،ويطوع كل أصل، إذا لم نقم فكرا روحيا لهذه المعارضة ومقولة ضد المقولة ومفهوما مقابل مفهوم فلن ينتصر الوطن " "إلياس مرقص" .
لعلنا نعود على البدإ لنستأنف ما أشرنا إليه عن غفلة السياسة المتعمدة على أمثال هذه المقولات والخطابات الشعبوية التي تصدر من هنا وهناك _ أشير إلى خطاب الصحفيتين حدة حزام وياسمين سبع العنصري والمتعدي والذي وجهتاه إلى أهالي مدينة ورقلة الصحراوية _ هذه الممارسات التي لم تضع الدولة بعدُ أي تصرف ردعي يحولُ دون تهديد بنى الوطن والمجتمع المشترك _ نشير إضافة إلى ذلك حادثة مقتل الشاب الصحراوي " عيسى زوبير" مؤخرا على يد بلطجية إحدى ولايات الشمال _ فمبلغ الغفلة السياسية يوحي إلى خلفيات أخرى تتجاوز المشاكل القائمة والتي عسر حلها على السياسيين، مما جعل الأزمة تتعدى إلى مجالات عديدة أخطار البنية الهوياتية للوطن المشترك، فهل هو منهج الشموليات القديمة لفك الأمم عن أسر التواصل التاريخي والثقافي وسياسة فرق تسد، أم هي البذرة التي زرعتها الأنظمة البعثية متخذة من التعبئة الديماغوجية ضد هذا وذاك من أبناء الوطن، سبيل التسيّد السياسي في إطار الفوضى المصطنعة.
إن التناول الشعبوي لتعدد الهويات في أوطان الدكتاتوريات الشمولية؛ مضاد تماما للممارسة الديمقراطية التشاركية و التي تعني فهم مدلولات التاريخ والأرض والحضارى لخدمة متطلبات الإنسان ..وخلق السلم الاجتماعي وتعزيز العلاقات ، إن ما يسيل القلم ويجرح مشاعر الوطنية هو الخرق اللامنطقي للتاريخ الثوري لهذه الجهة من الوطن وإسهاماتها الكبيرة غداة الإستعمار وما بعده زمن أفوله أين كانت أطامع الرأسمالية الفرنسية تتجه نحو فصل الجنوب عنا لشمال نظرا لمصلحتها الإقتصادية. الصحراء التي تتلقى اليوم خطابا أقليّاتيا رفضت وترفُضُ دائما أن تنفردَ بخيرات أرضها دون مشاركتها أبناء وطنها الشماليين، فهل نسمعُ قريبا صوتا لأصحاب القرار في هذه الوطن يشفي ولو قليلا ويغطي رداءة التهميش والخطابات العنصرية !؟
ـــــــــــــــــــ
مراجع المقال:
ـ محمد العربي ولد خليفة، المسألة الثقافية وقضايا اللسان والهوية، ص 93، 2003.
ـ صاحب الربيعي، رؤية في مؤسسات الدولة والمجتمع، ص15ـ 18، 2011.
ـ حكيمة بولعشب: تحديات-الهوية-الثقافية-العربية في ظل العولمة، من موقع:http://www.aranthropos.com
*إشارة إلى الانتفاضة الشعبية التي جرت في 27 فبراير 1962 " بولاية ورقلة وهي المظاهرات الشعبية العارمة التي قام بها سكان ورقلة الصحراوية غدات الإستعمار للتنديد بمحاولاته الحثيثة لفصل الصحراء الجزائرية عن باقي التراب الوطني. يقول عنها الأستاذ رضوان شافو أستاذ التاريخ الحديث المعاصر بجامعة حمه لخضر بالوادي: أن خروج سكان ورقلة في هذه المظاهرات الشعبية كانت "ردا حاسما ضد المخططات التي كانت فرنسا الاستعمارية فرضها بخصوص فصل الصحراء الجزائرية عن شمال البلاد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن