الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية -بنك أوف أميركا- مرويّة

عماد الدين رائف

2018 / 8 / 20
الادب والفن


الكتاب الأخير للباحث والراوي الصديق عباس جعفر الحسيني "26 ساعة – بنك أوف أميركا" يستحق القراءة، ليس بوصفه رواية كما أراده الكاتب (على الغلاف)، بل بوصفه توثيقًا كرونولوجيًا يختفي فيه الراوي ليحلّ محلّه الباحث المجد، الذي صرف الكثير الكثير من الوقت وراء معلومة هنا أو هناك، مدققًا ومقارنًا ومدوّنًا، كي يعيد تجسيد مشهد الساعات الست والعشرين، التي قضاها محتجزو الرهائن في "بنك أوف أميركا" وسط بيروت يومي 18 و19 تشرين الثاني أكتوبر 1973. ما إن تطوي الصفحة الأخيرة من الكتاب (333 صفحة، بيروت: دار المصور العربي، 2018)، حتى تسأل نفسك: أين الرواية التي وعدت بها؟ هل هي في الاستعادة الوصفيّة للأحداث بعد جمعها من جرائد ومجلات ووكالات أنباء ووثائق ومذكرات وشهادات؟ أم في الخلفية (من صفحة 59 إلى صفحة 107) التي كان يفترض أن تسوّغ النيّة الجرميّة وفعل حجز الحريات وارتكاب القتل؟ أم في فصل بعنوان: الأخير.. يا ليل، وهو ليس فصلًا من السرد؟

أربعة شبان يصلون إلى مبنى بنك الصناعة والعمل، في شارع المصارف، يصعدون إلى الطبقة الثالثة منه لينفذوا عملية حجز رهائن. والرهائن هم موظفو المصرف الأميركي وعملاؤه ومراجعوه، أما الشبان الأربعة: علي شعيب (27 سنة)، عادل بوعاصي (25 سنة)، جهاد أسعد (19 سنة)، وعامر فروخ (17 سنة)، المسلحون كل منهم برشاش حربي من نوع بورسعيدي، فستدور أحداث النص حول تسويغ تفاصيل أدائهم الآني، أثناء عملية احتجاز الرهائن وإمكانيات التفاوض وردود فعل السلطات اللبنانية الأمنية والسياسيّة وتنوّع المفاوضين، بالإضافة إلى أداءاتهم السابقة، التي تشبه عمليتهم الأخيرة من حيث النوع لكن تقل عنها حجمًا بكثير، فهنا جيّشوا ضدهم القوى الأمنية المحلية وسفارات الدول الأجنبية ووزارة الخارجية الأميركية وول ستريت. وكانت النتيجة الطبيعية أن يلقوا حتفهم، بغض النظر عن مدى التضامن مع مآربهم من قبل المحتجزة حرياتهم، إن حدث أم لا، أو في الشارع الذي لم يهتز لهم ولم يجارهم في مغامرتهم الميؤوسة.

يستحق الكتاب أن يطبع مرات كثيرة، وأن يُقتنى، فهو يحكي عن أناس لا يزال رفاقهم أو أقاربهم أو أصدقاؤهم أو أولادهم أحياء يرزقون، ويهمهم أن يسمعوا الحقيقة، أو بعض الحقيقة حول مصرع من يعنيهم أمرهم، سواء أكانوا الشبان الأربعة أم الرهائن الذين قتلوا أثناء عملية الاقتحام أم أسرة الشرطي القتيل والذي بقيت جثته داخل المبنى لأكثر من يوم كامل. يستحق الكتاب أن يطبع مجدّدًا، وأن يُقتنى فهو يدغدغ "ثورويين" كثيرين حالمين لا يزالون على قيد الحياة عاشوا تلك اللحظة الخاطفة، المرافقة لحرب إسرائيلية عربية، وحلموا مع الخاطفين أن يُمرّغ أنف أميركا بالتراب، ربما. وليس فقط لذلك، يستحق الكتاب أن يُعمّم، لأنّه أيضًا يتسم بشيء من الموضوعيّة وهو يعد القارئ بأن "وقائع هذه الرواية حقيقيّة لكنها ليست كل الحقيقة"، ويوجّهه الكاتب من دون أن يدعي ذلك صراحة، لكن يفرد صفحة لاقتباس من مجلة البلاغ، عدد 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973، يقول "إن مؤرخي الأدب بعد سنوات تقصر أن تطول، سيكتشفون أنّ شاعرًا ما قد اغتيل في قضية عادلة، وأن صورته ظلت في مخيلة البعض مدة من الزمن مقلوبة رأسًا على عقب". وهو تضامن مسبق من الكاتب مع بطل عملية احتجاز الرهائن علي شعيب، ليتحوّل بعد صفحة إلى توجيه مباشر للنص كله فيهديه "إلى الذين ضلّوا طريق الثورة"! وهذا الاهداء فيه ما فيه، لكّنه قد لا يجد المكان والزمان الملائمين اليوم، بعد مرور 45 سنة على ذلك اليوم...

أما عن "الرواية".. فماذا عنها؟ بعدما قرأنا لعباس جعفر الحسيني "آخر أيام السكوكع"، و"فتوى في بيت إبراهيم"، وهو يسير قدمًا نحو القصّ ململمًا أطراف الحكايات، ليمضي في زمنين متوازيين ويعيد إحياء ملحمة شعب في "افندار"، فبعد قراءة "بنك أوف أميركا" تخيلت للحظة أنّ البطل طفل في الخامسة عشرة من عمره، قادته قدماه إلى مكان خاطئ في زمان خاطئ، فظنّ أنّ هناك لعبة ما أو أنّ فيلمًا ما يُصوّر وأن الرهائن مجرد ممثلين محشورين في زاوية... هو سعيد سكاف (15 سنة)، عاد من تورنتو بعد 45 سنة ليروي تفاصيل مشاعر عميقة انتابته في 26 ساعة، كان محشورًا مع الرهائن وبالكاد تناول الطعام بين جثّة وأسلحة ومفاوضات وإطلاق نار... قد يعيد تجسيد المشهد ويغوص في الشخصيات بعدما بات في الستين واختبر الحياة، ويمكنه أن يقارن نفسه بقاصر آخر كان في عداد الخاطفين، وهو عامر فروخ الذي يكبره بعامين، أو يمكنه كذلك أن ينصف علي شعيب ورفاقه.. وسلسلة طويلة من المناضلين بعده ظلمهم الأقربون قبل الأبعدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما