الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امنهج المصحف أم منهج التخلف والتطرف والإرعاب

عمر أبو رصاع

2018 / 8 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهجمة الشرسة ضد النائب والوزير السابق بسام حدادين، على خلفية انتقاده لابن تيمية وسيد قطب وعبدالله عزام، تكشف عن جانب من جوانب تطرف الثقافة العامة، بل هي ارتداد حقيقي يعاكس وبشكل جذري منهج القرآن نفسه، نعم ودون انفعالات عدمية تعالوا نحلل هذا الاشكال ونرى كيف يتعامل كتاب الله من جهة وكيف يتعامل من يدعون الدفاع عنه وعن ملة محمد من جهىة أخرى.
أولاً: ابن تيمية وقطب وعزام من ابناء آدم، وبالتالي يعتري الخطأ والصواب كل سلوكياتهم وافكارهم، والأصل الثابت المتفق عليه بين كل المؤمنين أن لا عصمة لابن آدم إلا للرسول الأعظم محمد فيما بلغه عن ربه، أي أن الأصل الثابت الموثوق به عند المؤمنين برسالته الذي لا شك فيه ولا بصحة نسبته هو حصراً كتاب الله المدون بين دفتي المصحف، حتى النبي الكريم كان يقول الرأي ويرجع عنه إذا ما استحسن غيره في غير ما بلغ عن ربه.

ثانياً: الأصل الثابت في الملة وفي الخطاب الإلهي، أن لا اكراه في الدين، خلافاً لتخرصات من ارادوا لي عنق الملة واستنطاق احكامها ما لا اصل له في كتاب الله، فما لا مندوحة عنه هو أن الله سبحانه في كتابه انما قرّع نبيه في خلاف ذلك قال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}؟!

ثالثاً: إذا كان هذا في حرية العقيدة، فكيف يرد المؤمن على غير المؤمن إن جادله في صحة ما يعتقد؟ وكيف يدعو المؤمن إلى عقيدته وسبيل ربه؟

الإجابة نجدها ايضاً في المصحف فلا دعوة إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس للداعي إليه أن يصدر احكاماً على الناس، فالعالِم بمن ضل ومن اهتدى هو الله سبحانه، وليس لمن يدعو لسبيله أن يتدخل في هذا الحق الإلهي الحصري، يقول في الكتاب: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، بل انه لا يجوز لمؤمن أن يسب الذين يدعون من دون الله ومرة أخرى فإن الله وحده في الحكم على الضمائر هو المرجع، يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.

إذن، في اسمى ما يعتقده المؤمن في عقيدته التي يعتقد لا يحق له ان يفرض ما يعتقده او يُكرِه الناس عليه، ولا يجادل فيه إلا بالتي احسن، فلا يشتم ولا يسيء، ولا يفتش في ضمائر الناس، ولا يصدر احكاماً عليها، لأنه إن فعل اشرك نفسه مع الله الذي هو وهو وحده كما انبأ صاحب ذلك الحق.

ما بالنا إذن في من يجادل فيما دون ذلك بكثير، وما القول إذ علمتم أن ابن الراوندي كان يجادل وفي عز الدولة العباسية في العقيدة الإسلامية وهو اشهر ملاحدة التاريخ العربي، وكان الرد عليه يتم بآراء كما فعل الخياط في كتابه "الانتصار في الرد على ابن الراوندي الملحد" وكذلك جادل عبدالمسيح الكندي المؤمنين وفاضل في كتب مطولة بين المسيحية والإسلام، بل وارسل رسالة مطولة إلى عبدالله بن إسماعيل الهاشمي يدعوه فيها للدخول في المسيحية وترك الإسلام، رداً على رسالة وجهها إليه الأخير يدعوه فيها لترك المسيحية والدخول في الإسلام، ومع ذلك عاش عبد المسيح الكندي آمناً لا قتل ولا سحل ولا شتم ولا....الخ وبقيت اعماله وترجمت إلى اللغات الأوربية أيضاً.

الأمة في حال القوة كانت تجادل بالعقل، وقد ألّف شيوخ المعتزلة مئات الكتب والرسائل يجادلون فيها الصابئة والملاحدة والمجوس وخلافهم، بالحجة العقلية وكانوا يتلقون الردود ويحللوها ويفندوها، وهكذا كان العرب في زمن مد لا جزر له، حتى انهزموا حضارياً وشعروا بخطر وجودي تجلى بشكل واضح زمن ابن تيمية.

هنا بدأ الخطاب الإسلاموي ينحى منحاً مختلفاً، تعبيراً عن الشعور بالخطر الوجودي، وإنك لتعجب للفرق الهائل بين آراء ابن تيمية في كتبه العقلية والفكرية والعقدية، التي تحلت بدرجة عالية من السماحة خلافاً لما هو مشهور عنه، وبين آرائه التي ضمها مجموع الفتاوى، حيث نزع نزوعاً متشدداً متطرفاً ضد الخصوم، وقد فعل ولا شك وهو يستشعر الخطر الجاثم على صدر الأمة تحت ضغط الحملات المغولية .

إنك لو راجعت تاريخ الامم والشعوب لوجدتها اكثر تسامحاً وقبولاً للآخر وتحضراً في الرد على خصومها فيما ترى وتعتقد، وهي في حالات المد الحضاري والاطمئنان الوجودي، والعكس بالعكس في حالات التأخر والتراجع والشعور بالهزيمة والخطر، ولا شك ان هذا تجلى بكثافة في عصرنا الحديث بعد هزيمة الدول العربية عام 1967.

اما الثلاثة الذين ذكرهم السيد حدادين، فنصوصهم المتطرفة ضد الغير الداعية للعنف واستعماله، هي المصدر الرئيس الذي تستند إليه كل الحركات التي نزعت للعنف، بدءً بجماعة الاخوان وليس انتهاء بداعش، فالآراء التي سطروها والفتاوى التي اصدروها، هي المرجع الذي تستند عليه تلك الجماعات العنفية الارعابية، وسبق لي ان نشرت الكثير في هذا المضمار، حتى ان بعضاً من اخوان قطب مثلاً وعلى ما هم عليه من تطرف وتشدد، صرحوا غير مرة بلسان شخص كقرضاوي مثلاً وهو أهم مراجعهم الآن، تصاريح تدين غلو وتطرف سيد قطب، الذي اعدم في مصر لتدبيره جريمة التخطيط لتفجير القناطر الخيرية واغراق مصر، لخلق الفوضى والاستيلاء على الحكم.

ما الذي يعرفه فعلاً من هب للدفاع عن سيد قطب عن آرائه وافكاره وتاريخه الشخصي؟
هل يعلم هؤلاء مثلاً أن قطب هذا كان منظراً أولاً للضباط الاحرار في مصر عندما نفذوا انقلابهم عام 1952؟

هل قرؤوا مقالاته التي دعا فيها الضباط لحل الاحزاب والحكم بيد من حديد؟
ثم هل قرؤوا كتبه بعد أن اختلف مع الضباط وانقلب عليهم وانضم للاخوان؟
هل قرؤوا اهم مراجع تلك الجماعة "معالم على الطريق" و"في ظلال القرآن"؟
أنا اتحدى هؤلاء إن كانوا قرؤوا تلك المعالم أصلاً، قبل ان يصدّروا انفسهم للدفاع عن ما لا يعرفون ماهيته، فهل من جهل أكبر من ذلك؟ أن تدفع عما لا تعرف ما هو.
لا يعلم هؤلاء ان داعش واخواتها انما تعتمد على مجوع فتاوى ابن تيمية وآراء عَمَدي الاخوان سيد قطب وعبدالله عزام.

هل تعلمون أن قطب حكم بأن من يسمون انفسهم اليوم بالمسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها وتردد مآذنهم الشهاديتن كل صلاة، هم مرتدين وهم أضل واشد إثماً من غير المسلمين صراحة، فالكل عنده اليوم في جاهلية وكفر وحسب نصه "بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: «لا إله إلا اللّه» بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذابا يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد -من بعد ما تبين لهم الهدى- ومن بعد أن كانوا في دين اللّه" (كتاب الظلال المجلد الثاني)

وبشكل قاطع نحن جميعاً كفار جاهليون عند قطب هكذا يقول في "معالم على الطريق": "يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة... لا لأنها تعتقد بإلوهية أحد غير الله ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها، فهي -وإن لم تعتقد بإلوهية أحد إلا الله- تعطي أخص خصوصية الإلوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله".

حتى المساجد التي نصلي فيها جاهلية ويجب ان تهجر وتعتزل هي ومجتمعها الجاهلي الكافر، كتب: "اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح وتزاول بالعبادة ذاتها نوعا من التنظيم في جو العبادة الطهور" (في ظلال القرآن)
فعن ماذا تدافعون بالضبط؟ هل تدافعون عن هذه الآراء التي تجعل منكم بالذات كفار ومجتمع جاهلي يجب اعتزاله ومحاربته؟! أتدافعون عن أفكار داعش واخواتها؟!

هل تدافعون عن الإخواني عبدالله عزام مؤسس جماعة الأفغان العرب تحت ظلال الراية الأمريكية، المعلم المُلهِم والأب الروحي لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة؟ الذي لما قيل له لماذا تترك فلسطين وتقاتل في افغانستان قال "وهل تريدون منا ان نقاتل تحت راية هؤلاء الكفرة" (يقصد المنظمات الفلسطينية في لبنان في ذلك الوقت)، اما القتال تحت الراية الامريكية فهو الحق وهو الجهاد وهو الذي يُقبَل في سبيل الله!

واما ابن تيمية فهو المشهور بلا منازع بمجموعة ضخمة من فتاوٍ يمكن عنونتها بعنوان "يستتاب وإلا قتل" بما في ذلك من أخّر الصّلاة!
ولعل واحدة من اشهر فتاويه "فتوى التترس" التي اعتمد عليها في تفجير المدنيين، وفتوى جواز الحرق التي اعدم بها الكساسبة، فعن ماذا تدفعون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح