الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء البحر كسؤال وجودي وحضاري

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



كنت دائما أعتقد أن البحر قاتل ولا ينبغي الثقة فيه، أما ما وراء البحر، فمن اللازم أن تكون هناك إمكانية للنجاة، لكن اليوم، وعلى الرغم من ذلك ينتابني سؤال الأفق: إذا ما اجتاز المرء قارب النجاة ووصل إلى هناك أي إلى الضفة الأخرى، هل من الممكن أن يشعر بالأمن والحياة والأمل؟ الموت هاجس وجودي يسكننا أينما رحلنا، صحيح أن إمكانية الموت تكبر وتتقوى وسط البحر، إلا أن ما وراء البحر هناك عالم آخر وثقافة أخرى ما فتئت تتقوى علينا وتستلبنا وتجردنا من هويتنا الذاتية، فإذا لم نستطع أن نتكيف و نتأقلم، نموت على نحو رهيب، وإن رهنا ذاتنا بالآخر الذي يوجد ما وراء البحر، نتلاشى ونتبدد، إن معنى الحياة يجب أن نستمده من ذاتنا، وليس من الغير، إن الغير لا يبالي ولا يهتم بالذات، هناك مسافة بيننا وبين الغير، بل هناك حواجز وجدران سميكة تفصل بين الذاتين، فالألم والموت والمرض الحضاري والوجودي، تبقى هذه الحالات والتجارب ظواهر برانية عن الغير كذات أخرى . وبالتالي فالذات الأخرى ما وراء البحر لن تشعر بمعاناة الذات و ألمها وحتى الذات الأخرى في هذه الضفة، إلا أن البحر كذات أو مجموع الذوات ليس وحده الذي يرعب ويخيف، بل وجودنا هو الرعب ذاته، فمنذ ولادتنا نحمل معنا هم السؤال، إنه سؤال البدايات والنهايات، حملناه معنا منذ أن انبثقنا على الضفة الأخرى ما وراء البحر، على الضفة الأخرى من الرحم، إن الرحم بحر كنا نسبح فيه، نحمل السؤال، ونبحث عن الجواب، وبالتالي إن الجلوس قرب البحر هو بحث عن جدوى الوجود وفائدة السؤال، وتقصي في الرعب الذي يسكننا على نحو رهيب: 《من أتينا؟ وهل نعلم من أين أتينا؟ وإلى أين نمضي؟ 》كل الأجوبة تحير أمام هذه الأسئلة المضجة والمرعبة التي تتقصى الأصول وتمتح من الجذور، ولا يسعنا سوى الوقوف أمامها مشدوهين و حائرين . لطالما كان البحر مخيفا، لأنه يؤدي رأسا إلى الأفق أي إلى ما وراء البحر، لذلك سمي المحيط الأطلسي ببحر الظلمات، لأن أمواجه كانت تخيف وترهب، كان هذا المحيط في تمثل الناس موطن الخطر، إذ التأمل فيه يفضي نحو التساؤل عن سؤال البدايات والنهايات، وبالتالي إن تركز الزوايا على قارعة البحر هو تعبير عن الخلاص والجواب، فبدل طرح أسئلة عما وراء البحر التي تفضي إلى التيه الوجودي، كانت الزوايا هي المدافعة عن الأهالي من الخطر الأجنبي وكانت هي المعالجة من الأمراض الوجودية والحضارية والباثولوجية، إنها حاجز طويل بين البر والبحر وما وراء البحر، وبين الذات والغير، وبين السؤال والجواب.
بيد أنه مع مرور الوقت، تبين أن الزوايا كانت ظلاما، فالغير الغازي الذي جاء من الأفق اكتسح كل شيء، بينما هذا الغير هو الآخر اكتسحته التقنية واستلبته وأفقدته من كل إحساس بالذات، فسقط في حرب ضد ذاته جعلته يغرق العالم في بحار من الدماء . إن العالم وأينما ذهبنا، يبقى هو الظلام والخوف والرعب، مرعب بشره وألمه ومرضه وحربه وموته. إننا لم نتعلم بعد كيف نتضامن ونواجه هذه التحديات ونخفف منها على الأقل سوف نكون البداية والنهاية جماجم نشيد بها تمثال الدمار والموت اللذين اكتسحا كل العوالم في هذا الكون المجهول .

ع ع / 19 اوت/ المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع