الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل السادس 3

دلور ميقري

2018 / 8 / 21
الادب والفن


" بإمكان حمو مرافقتهما إلى البار، لأن الأمرَ يخص امرأة أخيه "
توجهت الكنّة بالكلام إلى " خدوج "، رامقةً المعنيّ بإيماءة مشمئزة. وما لبثت أن انفجرت ضاحكة، قبل أن تكمل متهكّمة: " مع أنه، على علمي، لم يعُد يشرب منذ أن توقف عن العمل الليليّ في رياض باب دُكالة ". صمتت لحظاتٍ وسط وجوم أفراد الأسرة، ثم تابعت وهيَ تنظر في عينيّ رجلها اللتين تألقتا ببريق مسموم: " لا مانع لديّ من أن تُدعى الليلة إلى كأس، ما رأيك؟ "
" أيّ هراءٍ هذا، رُحماكِ! "، أوقفتها الابنةُ الكبرى ساخطةً. ولكن " غزلان " استمرت في مخاطبة الرجل، كما لو أنها لم تُقاطع: " ما بك لا تتكلم؟ هل آذيتك بحديثي عن الشراب؟ آه، ربما الأمر يتعلق بصيامك في غير ميقات رمضان! عليك أن تعترف، مع ذلك، بأن عملك في الرياض غيّرَ شخصيتك لدرجة لم أكن أتصورها. لقد عدت إليّ مريضاً على أثر ختم الرياض بالشمع الأحمر من قبل الشرطة، أتذكُر ذلك؟ وتلك السائحة الفرنسية، اسمها كاتيا، إذا لم أكن مخطئة؟ إنك اختبرتَ بها غيرتي، مرة واحدة لا غير. إلا أنك ما تنفك مريضاً، وإنني أرثي لك "
" يقيناً إنك حمقاء، أو نسيتِ نفسك تماماً! "، آبت شقيقة الرجل لمقاطعة امرأته. ثم قالت متجهة إلى الآخرين: " وهذا الهراء، يجلب مرحها أيضاً ". كانت " غزلان " تضحك عندئذٍ، فيما بصرها لا يكاد يحيد عن الرجل. وعقّبت على الجملة الأخيرة، ملتفتة بدَورها نحو الحضور: " ولمَ لا أضحك؟ ألم أكن أضحككم قبل قليل، بتقليدي للطبيب، حتى أنكم طلبتم مني الاستزادة؟ والآن، فإنّ كلام المهرج لا يعجبكم مع أنه يضحك من نفسه قبل الجميع "
" بل عليكِ أن تخجلي من نفسكِ، يا امرأة! "، هدرَ صوتُ سيّدة الدار من مكانها بالقرب من الكنّة الطائشة اللب. كانت صامتة حتى ذلك الحين، منقلة بصرها بين الزوجين اللدودين. نظرة احتقار، واضحة لا تخطئها العين، خصت بها أخيراً الابنَ الوحيد. ثم لاحَ من حركتها التالية، أنها تهم باستعمال يدها. وإذا " غزلان " تفلت من المجلس، مرعوبة الملامح، لتندفع مهرولةً باتجاه مدخل الحجرة: " هلمّ يا بنات، اتبعنني إلى المطبخ لنعدّ العشاء! "، قالتها مطلقة من جديد قهقهتها المعابثة. علّقت صغرى الشقيقتين، دونما أن تتمكن من كبت ضحكتها: " حمقاء حقاً، مع أن لها قلباً طيباً وناصعاً كالفضة "
" اقتراحها ذاك، بشأن مرافقة حمو للشابين، دليل حماقتها ولا شك. ستهرب الشريفة لو صادفته في البار، وبذلك تفشل مساعينا كلها "، ردت شقيقتها الكبيرة وكانت لا تفتأ منفعلة. الواقع أن ذلك كان أيضاً حال بقية الحاضرين، وإن كان بعضهم له سببه الخاص. على الأثر، خيّم الصمتُ على الحجرة واستمر على هذا المنوال في خلال تناول العشاء.

***
في أثناء الصمت، المطبق على صالة الطعام، راحت " تينا " تختلس النظرَ إلى الابن المسكين، مستغربةً برودة أعصابه إزاءَ تلك الهجمات اللاذعة من لدُن الزوجة. " فرهاد "، كان قد سبقَ له وحدثها مراتٍ عن فرادة المجتمع المغربيّ، على الأقل بالمقارنة مع المجتمعات المسلمة. ثم قدم لها لاحقاً، " عبد الإله "، معلوماتٍ ضافية ولو أنها كانت في مجملها استطرادات بعيدة عن الموضوع الأساس.
" المرأة هنا أكثر سيطرة على الأسرة، مستمدة قوتها من التقاليد الجبلية الراسخة في مواجهة الجو المحافظ للمدينة، المهيمن عليه رجال الدين. الجبل، يوحي دائماً تقريباً إلى جماعة البربر. هؤلاء، أراد المستعمرون استعمالهم لفرض الحداثة على البلد، وذلك بعزل أبنائهم في مدارس خاصة تستخدم الفرنسية فقط لغة للتعليم إلى جانب اللغة الأم. إلا أن الإدارة الكولونيالية لم تصب نجاحاً مع البربر، بسبب تدينهم العميق وتمسكهم بلغة القرآن. مما حدا بالإدارة إلى الالتفات لتطوير الثقافة اليهودية المحلية، بغية جعلها بؤرة الحداثة. ثم آل المشروع برمته إلى الفشل، بانتهاء فترة الحماية الأجنبية ومن ثم هجرة أكثر اليهود إلى دولة إسرائيل ".
قبل انتصاف الليل بنحو ساعة، أبدت الضيفة رغبتها بمغادرة صحبتهم. إلا أنّ أصواتٍ عديدة احتجّت، كونها ليلة جمعة والغد يوم عطلة. وهيَ ذي " خدّوج "، تقترح على الجميع الخروج من المنزل: " سنتمشى إلى ساحة جامع الفنا، فإنها ستكون حافلة بالناس في مثل هذه الليلة "
" سأبقى مع الطفلة، كما أنني متعبة "، نبذت الأم بنبرة يطغى عليها فعلاً الإرهاقُ. ولكن صغرى ابنتيها هجمت عليها لتقبلها في وجنتيها، قائلة: " لا، ستذهبين معنا. لقد تركتُ خدّوج الصغيرة تلعب في غرفتها، وسأجلبها حالاً كي ترافقنا أيضاً ". وإذا بالكنّة، وكانت متشاغلة في حديث عن الفن مع " آلان "، تلتفت فجأة إلى رجلها لتسأله في خفة: " هل تسمح لي بمرافقتهم؟ أم أنك غير راغب أصلاً بالخروج؟ ". حدّق فيها لحظات، راسماً ابتسامة غامضة على شفتيه السميكتين السمراوين. وما عتمَ أن خطا باتجاه الردهة، المفضية لحجرات الدورين العلويين.
" هه، هكذا هوَ دوماً! "، نفخت الزوجة في أعقابه معلّقةً ساخرة. دقائق، وكانوا جميعاً على رصيف الشارع الرئيس، المتصل بالساحة المقصودة. " سيامند "، استهل الكلام مع الضيف الشاب حول المهمة الموكلة إليهما في ذلك البار. كانا متقدمين بخطواتهما الواسعة عن الموكب العائليّ، فيما ضجة مركبات الشارع تواكب الجميع. وإذا بخطى كعب نسائيّ على بلاط الرصيف، يتناهى من ناحيته اليسرى ويلفت نظرَ الشابين. لتظهر من ثمّ هيئةُ امرأة فتية في العتمة، مبهمة ضبابية ـ كشبح مكتسٍ رداءً بلون أحمر؛ بلون الرغبة والدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا