الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخفاق الذريع 2

أفنان القاسم

2018 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تورط

خامنئي في العراق، في سوريا، في اليمن، وفي باقي بلدان الملح والندم، لا يخفى على أحد. تورطه في المفاعل النووي، في الصواريخ البالستية، في الطائرات الحربية، وفي كل صناعات الرمان والعنب، لا يجهله عالم الدين كالعالم بالبراكين والجاهل بكل شيء. تورطه في تدهور الريال، في تفاقم البطالة، في تمايل التضخم، وفي كل أسباب كره شهرزاد وحبها، لا يغفل عنه شاعر البورصة كالمليونير بفقره والتاجر بأحلامه التي لا مكان لها في بازار الإفلاس. تورطه في التصعيد مع الأمريكيين، مع السعوديين، مع الإسرائيليين، ومع كل الباقين من إنس وجن، حتى ولو بالكلام، لا يمنع بنت وردان من الابتسام وَقَدَمُ طفلٍ إيرانيٍّ يتيمٍ من والديْهِ الحَيَّيْنِ تسحقها، وهو يبكي على حاله. تورطه في تقدير الضرر، في تقدير النفع، في تقدير المسافة التي يقطعها مع العم سام على الجمر تارة وعلى الجليد تارة، وفي كل التقديرات المتعلقة بشؤون الدولة وشجونها، لا يجعلني أنا الأديب أحتار في أمري، فالمذهب الشيعي في اللاهوت كمذهب الجمالية في الفلسفة الذي يحاول إعادة الفنون إلى أشكالها البدائية عند تقديره لها، بينما وقت خامنئي اليوم غير وقت الحسين أمس، المذهب الشيعي اليوم يتطلب محاولاتٍ أخرى في التقدير تتواءم مع عصرنا هو قادر عليها، بِقِيَمِ الشهيدِ وكلِّ القيمِ التي تجمعنا.

أنا لا أريد

أن أدخل في نقاش بيزنطي مع خامنئي حول تورطه، لكني سأشرح له كيفها صيرورة هذا التورط الذي سيلخصُهُ قائدٌ مِثْلُهُ ذو تجربةٍ مكتسبة من تجارب الحياة ومضافة إليها بكلمة أو كلمتين: إنها السياسة! سأشرح له لينشرح صدره، نعم، في قلب المحنة، فلا يُخْفِقُ برأسه، وبالتالي لا يكونُ إخفاقُهُ إخفاقَ الخافِقَيْن، وسأشرح للقارئ العادي ليفهم، ويعرف، ويبصر.

حالاً

يفكر البعض بالتورط تخطيطًا وتنسيقًا وتدبيرًا كتدبير جناية من الجنايات بين إيران وأمريكا وروسيا وإسرائيل والسعودية وغيرها، بينما التورطُ في الحالة الإيرانية هو بالأحرى توريطٌ آليتُهُ الاستدراجُ إلى ما يريده غيرك منك حتى يغدو أمرُ الاستدراجِ عليكَ أقوى من كل شيء، فتنساق انسياق المخدر، ومعك أمة أو بلد أو بلدان أو أمم، وبعد أن تفيق من غَشْيَتِك، تكون الفرصة قد فاتتك، ويكون كل شيء أُرِيدَ له غير ما أردت.

ولكن

في لحظة إدراك استثنائية يُعْزِيهَا البعض إلى الفشل وما يسببه من صراع مع النفس، لحظة يحياها الصعاليك والأنبياء، السفهاء والنبلاء، الجبناء والشجعان، ولا يبلغ منتهاها إلا أولو العزم منهم والإرادة، فيجترح الصعلوك كالنبي، السفيه كالنبيل، الجبان كالشجاع، معجزته، ذاهبًا بنفسه وأمته وبلده إلى بر الأمان والحرية. هذه اللحظة المصيرية لا تتكرر مرتين، إما أن يربح المرء كل شيء، وإما أن يخسر كل شيء. إنها سر كل الفلسفات وكل الأديان وكل الأحلام الكبرى التي غيرت وتغير وستغير وجه المعمورة، وهي حجر الحد الفاصل بين فاوست الذي باع روحه للشيطان لنبيع روحنا لله وبين دانتي الذي اشترى بروحه الجحيم لنشتري بروحنا النعيم.

إيران

أوردها مثلاً أولَ على فبركة الظروف: قبل هذه اللحظة الاستثنائية، ولكن الممكنة في الوعي، كان توريط إيران باستدراجها، ولاستدراجها كان تخليق ظروف دونها لن يكون هناك استدراج: في العراق إسقاط صدام، في سوريا إبقاء أسد، في اليمن إنهاء صالح، في ليبيا اغتيال قذافي، في لبنان انتصار نصر الله، في القطاع حصار حماس، وفي إيران، نعم، انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وقبل ذلك حصارها، وبعد ذلك حصارها، وفي كلتا الحالتين حصارها هي لنفسها، فلا بديل لديها لاقتصادها الريعي، ولا تجديد لديها لبنية تحتية، ولا تأسيس لديها لإدارة أقل بيروقراطية إدارة حديثة لا يكشف خلع الحجاب عن عورتها. دون هذه الأحداث إيران لن تتورط في عقر دارها، لن تتورط هنا وهناك، لن يورطوها هنا وهناك بإرادة طموحاتها المذهبية عليها، فاستخدموا هذا الطموحات لإنهاكها عسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ولإرباكها مع الدور الذي يريدون لها أن تلعبه على مسرح السياسة الشرق الأوسطية، من رائدة لحلم مذهبي لأهلها إلى حاملة لكابوس مذهبي لأهلها وأهالي غيرها. بينما كان من الأجدى في وضع جيوسياسي يقوم على مفهوم الشراكة لا مفهوم الحماقة الذي هو مفهوم مواقع النفوذ توظيف هذه الطموحات المذهبية على نحو سلمي كما أطرح، في استراتيجية جيواستثمارية تحصد إيران منها قمحها وقمح غيرها لها ولغيرها.

تركيا

أوردها مثلاً ثانيًا على فبركة الظروف: تركيا حلف أطلسي، أنا لا أكل من التكرار، لأذكر القارئ دومًا بما يحاولون أن يبتلعه، قرارها السياسي كالعسكري تتخذه دول التحالف تحت إمرة واشنطن، وها هم اليوم يتكلمون عن أكثر صراع أكبر صراع وأعنفه بينها وبين أمريكا، وعلى من؟ على قس أمريكي محتجز يطلب ترامب إطلاق سراحه، وكان يا ما كان في قديم الزمان إردوغان يرفض الاستجابة لطلب أبي شعر أشقراني وغرة وقلم حمرة! فما الذي يمنعه من إطلاق سراحه وحالاً، وهو يرى عملته واقتصاده وكل تركيا تتدهور؟ لا، يجب أن يواصل إردوغان احتجاز القس، ويجب أن تتدهور الليرة إلى حد يشرب فيه رأس المال التركي ما لا يروي ظمأه من مردودات، فهو يجني المليارات بهبوط سعر الليرة وبصعودها، يعني اعملوا اللي بدكم اياه أنا دايمًا الكسبان! ويجب أن يصاب اليورو في القلب، واليورو أصيب في قلبه، فهو في أدنى مستويات صرفه مقابل الدولار، مما سينعش لفترة ليست قصيرة الاقتصاد الأمريكي.

التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية

أورده مثلاً ثالثًا على فبركة الظروف: منذ ثلاثين عامًا ترامب وبوتين يعرفان بعضهما الأول كرجل أعمال الثاني كرجل مافيا، إذن التدخل شيء طبيعي بين الاثنين، لكن متاهات التدخل الذي لم يثبته أحد حتى اليوم ولن يثبته أحد حتى الغد، متاهات التدخل هذه تخلق الظروف الملائمة لسياسة اقتصادية غير ملائمة تريد قوى رأس المال الأمريكي تطبيقها على روسيا تحت شكل "عقوبات"، تمامًا كإيران، وعلى العالم، والشعار "ما فيش حد أحسن من حد".

وإذن

الطريقة الوحيدة للخروج من مأزق الظروف ليس بالهرب، ليس بالاستسلام، ليس بالترقيع، ليس بالاستحمار، ليس باللفلفة وإن شئت التلفيف، أو العكس، ليس بالاستعداد الدائم للحرب (خلوا الإيرانيين ياخدوا نَفَس ويرتاحوا ميشان الحسين ميشان محمد ميشان الله!)، ليس بتطبيل الإعلام المؤدلَج (بالفتح) المؤدلِج (بالكسر)، ليس بتجويق الأدوات المستأجَرة (بالفتح) المستأجِرة (بالكسر) واللي ما بتعرف كلمتين ونص عربي ولا فارسي في سيمفونية الغرب، ليس بشيطنة الحكام الكراكوزِيِّة العربجِيِّة الكرخنجِيِّة الأوغاد في مسرحية الشرق، الطريقة الوحيدة للخروج من مأزق الظروف خلق الظروف، بقوة لحظة الإدراك الاستثنائية التي تكلمت عنها فوق، ليس بالهرب أو للهرب، للتغيير، للتغيير بالفعل، فعل البطاطا سيظن البعض!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظات
نبيـــل عــودة ( 2018 / 8 / 23 - 09:06 )
تحليل يحمل الكثير من السخرية السوداء.. لواقع قيادات تعيش الحاضر بعقلية تجاوزها التاريخ، وتجاوزها المنطق الأبسط في السياسة.
يبدو ان السياسة لم تعد تخضع لتحالفات اذا كثرت مصادر الثرة وجنيها
مثر تركيا تعتمد اليوم على سياحة روسية هائلة جدا وعلى سياحة اسرائيليو من العرب واليهود تقدر بمئات الالاف من السواح سنويا، طبعا عدا دولة اخرى.
اعتقد ان التحالفات التي قامت كانت لها دوافع تتجاوز المفاهيم المتغيرة في عالمنا الحديث..
روسيا اليوم هي مصدر الغاز الرئيسي لأوروبا
روسيا اليوم من اكبر مصدري المواد الخام من الحديد والذهب والفحم الحجري والنفط والسلاح، بل المعلومات تشير الى ان روسيا الدولة الأولى عالميا في تصدير السلاح حتى لدول تعتبر تابعة للولايات المتحدة.
لم يعد عالمنا حلبة صراع بين انظمة، بل حلبة منافسة تجارية بكل البضائع والقيم.


2 - كلامك صحيح اعتبرته مرجعًا لأهميته!
أفنان القاسم ( 2018 / 8 / 23 - 10:41 )
سجلت قولك عن المنطق والتاريخ كخاتمة لمقالي الثالث والأخير من هذه السلسلة...


3 - مرة ثانية: سابوتاج!!!!!!!!!!!!
أفنان القاسم ( 2018 / 8 / 23 - 16:44 )
سابوتاج بالفرنسية تعني تخريب، واحد من التحرير مبتدئ وأرجو ألا يكون متعمد رمى أهم مقالاتي الثلاثة المقال الثالث من سلسلة الإخفاق الذريع تحت يمينًا، وترك المقال الثاني فوق، وذلك منذ الصباح، بمعنى أنه عطل عليّ آلاف القراء!!! هذا آخر ما كنت أتصوره لو صح التخريب!!! أرسلت إلى الزميل رزكار إيميل منذ قليل...

اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير