الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل السادس 4

دلور ميقري

2018 / 8 / 22
الادب والفن


إبان ظهور تلك المرأة، الخاطف، وهتاف أحدهم باسم " الشريفة "، فكرت السيّدة السويدية بعبث العودة إلى الوطن مع تطور الأحداث إلى منحىً شبه أسطوريّ. كأنما حياتها أضحت متمركزة في هموم هذه الأسرة وأسرارها، حال كاهنة وجدت نفسها فجأة مع قبيلة بدائية غريبة؛ قبيلة، لا تعرف شيئاً عن عرائض الشِعر أو أيقونات الفن أو عوالم العلم، ولكن في المقابل، بالوسع السيطرة عليها وإخضاعها برهبة رموز ساذجة؛ قبيلة، تتفاهم مع مشاكل الجسد ببساطة عريه الدائب، تماماً كما كان الأمرُ خلال آلاف السنين ولحين ظهور القبيلة " الموسوية " بكل خراقة معتقداتها ودموية تاريخها: ألم يؤكّد لها مَن تدعوه، " عبد "، أن البربر أنفسهم يؤمنون بأن نبيّ اليهود عبرَ مع قبيلته نهرَ النيل غرباً لا شرقاً، ليحتضن جبل الأطلس رسالته ومن ثم يفيض بها إلى الأندلس وأوروبا ـ كما ثلوج ربيعه الذائبة، المنحدرة إلى الوديان الأفريقية؟
" سيامند "، أدهشها أيضاً تقمّصه دوراً لا يتناسبُ ومعتقده الفكريّ. قبل وهلةٍ، كانَ قد تقافز هنا وهناك، بحجّة البحث عن المرأة ذات الثوب الأحمر، التي اختفت فجأة في أحد المنعطفات العَتِمة مثلما ظهرت على حين بغتة. صديقه الجديد، ولم يكن ينقص رئتاه هواء الفكر المتحرر، دعمَ هذه الأسطورة الجديدة عن المرأة الملغزة. بلى، دعمها " آلان " بشهادة عينين خضرواين، تميزان عادةً في الظلمة بنات الهوى، الرخصات المتهافتات، عن بنات الناس، المتحفظات الرصينات. مع أنه، قبيل الحادث الطارئ بدقائق، كان منطلقاً مع الآخر في حديث متضاحك لا علاقة له، على الأرجح، بالمهمة الموعودة بالبار إلا من ناحية تواشجها بذلك الصنف من البنات، الرخِص.
" كونك مغربياً، كان لا بد أن تحيل أيّ حادثة عادية إلى أحد أفعال السحر "
كذلك قالت للشاب ذي العينين الخضراوين، بالإنكليزية وبنبرة دعابة. رد عليها بظل ابتسامة، ثم ما لبث أن أشارَ إلى صديقه ذاكراً المثلَ العربيّ: " مَن عاشرَ القوم أربعين يوماً، صار منهم وفيهم ". استدركت هيَ القول، متوجهة إليه ثانية بلهجتها المرحة: " سوى أنك بنفسك من أصل سوريّ كرديّ، يا ربيبَ السحرة! "
" في هذه الحالة، ربما يمكنني أن أطلب اللجوء السياسي في السويد؟ "
" وبذلك يصبح نصف جماعة رواق الفنون، لاجئاً هناك "، تدخل صديقهما في الحديث ضاحكاً وهوَ يسحب أنفاسَ سيجاره الفخم. وبينما يتبادل رفيقاها جُملَ النقاش، راحت هيَ بفكرها إلى الراحل " فرهاد " ورحلة لجوئه البائسة على الأرض، المستهلة مع هروب الأم " خجي " عبرَ الحدود التركية إلى البلد المعروف بالكردية " شام شريف ".

***
كانت " تينا " عندئذٍ تسير متوسطة الصديقين، متأبطة ذراع كل منهما. وكان جو الإثارة، المعقّب ذلك الظهورَ المزعوم، قد تبددَ تماماً مع النسيم الربيعيّ الشحيح. ولكنها مذ لحظة التفاتتها إلى الخلف، وتعلق عيناها بعيني " خدّوج "، بقيت تحس الألم في ظهرها تحت وابل سهام النظرات الشزرة. وعادت " تينا " إلى محادثة " سيامند " مومئةً إلى المارة من الفتيَة وكانوا بغالبيتهم بسطاء المظهر، أشبه بالمتشردين: " إنهم يحدجون صُحبتنا، الثلاثية، بنظرات الشبهة والريبة. ألا إنهم يذكرونني، بغض الطرف عن أميتهم المرجّحة، بطريقة النقاد الأوروبيين في النظر إلى السيرة الماجنة للكاتبة لو أندرياس؛ عشيقة الفلاسفة المجانين والشعراء الأفاقين "
" لستُ على معرفة جيدة بالأدب، كما تعلمين "
" نعم، وأعلم أيضاً أنّ الاهتمام بالأدب حظيَ به المحرومون من الأب ومن الميراث! "، أجابته وهيَ مشدودة بعينيها إلى طريقة تدخينه للسيجار. توقف على غرّة، ليلتفتَ إلى الخلف: " الجماعة تخلفت عنا كثيراً "، قالها مغيراً مسارَ الحديث. وكانوا ثلاثتهم قد أشرفوا على الساحة، التي تبدت مثل يم متلاطم و" الكتبية " منارته؛ مجازاً وواقعاً معاً. عادت مع اقتراب الموكب العائليّ إلى تأبط الذراعين الصديقين، ومن ثم الشروع في التقدم نحوَ الساحة المحتدمة بأصوات الآلات الموسيقية والمغطاة بدخان مطاعم الأكشاك. وخاطبها داخلها عندئذٍ، بأنها ربما تكون المرة الأخيرة المقدّر لها فيها التجول في ساحة الملاحم والأساطير: " اللهم إلا تجوال عينيّ فيها عبرَ لوحات وموتيفات صديقي، الرسام الراحل ".
" تينا..! "، خاطبها هذه المرة صوتٌ أليف من الخلف. كانت " غزلان "، المعتادة على الضحك عقبَ نطقها الاسم بما فيه من إيحاءٍ جنسيّ باللهجة الدارجة. الاسم، جعل بعض رواد المكان يتطلعون بفضول إلى مطلقته، مرجحين كونها حمقاء مستهترة. هذه الأخيرة، لاحَ أنها انتعشت بالإثارة المفترضة وها هيَ تقول للضيفة بفرنسية لا تقل طرافة وطيشاً: " أنتِ مدعوة معنا، غداً ظهراً أو عصراً لو شئتِ. سنزور مقام سيدي بلعباس، كي يفسر لنا سرّ المرأة ذات الثوب الأحمر "
" هل يتمكن الوليّ الميت من الكلام؟ "
" لا، بالطبع! "، أجابت مطلقة ضحكتها مجدداً. ثم أوضحت، أنهم سيلتقون هنالك مع امرأة عجوز، تُدعى " حَسْنة المجذوبة "، تقيم مُجاورة على طرف المقام. فكّرت " تينا " عند ذلك بتلك المرأة الملغزة، " الشريفة "، المنزوية في عزلتها، وما لو سيأتي يومٌ يُطوّبها فيه مواطنوها بصفة الوليّ ( قديسة: بلغة النصارى ) مع ضريح ذي قبة مهيبة.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-