الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لينين و الانتفاضة

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2018 / 8 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يحاجج لينين في مقاله المشهور: هل يحتفظ البلاشفة بالسلطة؟ بأنَّ المرتعبين من التغير عادة ما يسلَّمون بالانتفاضة, نعم, ولكن شرط ألا تسفر عن وضع معقَّد للغاية. ولكن هل يمكن أن توجد انتفاضة كهذه؟ والحلم بمثل هذه الانتفاضة لا ينطوي إلا على شكاوى نشأت في بيئة اجتماعية تفضِّل العيش مع القديم وترتعب من الجديد. فالانتفاضة, وإن بدأت في وضع قليل التعقيد في الظاهر, تسفر على الدوام, خلال تطورها, عن وضع معقد للغاية. ذلك لأنَّ الانتفاضة الحقيقية, العميقة, الشعبية, على حدِّ تعبير كارل ماركس, هي في النهاية عملية معقدة ومؤلمة إلى أقصى حد, عملية ولادة قيصريَّة, حياة جديدة لعشرات الملايين من البشر. وقد لا تكون هذه الحياة الجديدة أفضل من سابقتها القديمة لأنَّ السيرورة التاريخية تفيد بأنه يصعب التنبؤ بنتائج الانتفاضة العارمة, وقد تسير بالمجتمع خطوتين إلى الوراء وخطوة إلى الأمام, لأنَّ الانتفاضة إنَّما هي كفاح جامح ضار وليس غير الرجال المعلَّبين الخارجين لتوِّهم من معطف "الرجل المعلب" بطل قصة انطون تشيخوف -هذا النموذج من البشر الذي يخشى كل تجديد وكل مبادرة- من يمكنهم أن يتصوروا الانتفاضة الاجتماعية دون وضع معقَّد. ودون وضع معقَّد للغاية لن تقوم أيضاً أيَّة انتفاضة. وحجتهم لا تنطوي على أيَّة فكرة لا اقتصادية ولا سياسية ولا أيَّة فكرة من نوع آخر على وجه العموم. إنَّما تنطوي فقط على شكاوى أولئك الذين تملأ الانتفاضة قلوبهم بالأسى والرعب.
أعرف مهندساً غنياً كان فيما مضى ثورياً بل رفيقاً في الحزب الشيوعي, أما اليوم فهو يرتجف خوفاً, ويتململ ضغينة من هؤلاء العوام الغوغاء أصحابُ الصَّنادل المهترئة, الثائرين المتمردين الذين هبوّا لاقتحام أبواب السماء كأهل "كومونة باريس" ولا يمكن كبح جماحهم. فهو يقول -والرجل مثقف زار عدة بلدان أجنبية- لو أنَّ هؤلاء الثوار من أهل الريف والأحياء الفقيرة في المدن كانوا أكثر تحضرًا, أكثر تنظيماً, أكثر دراية بما يفعلون. لو كانوا أصحاب برامج واضحة لانتفاضتهم لو أنَّها كانت أقل همجية, مع إني أوافق معهم على حتمية الانتفاضة الاجتماعية بوجه عام, ولكن عندنا, هذه ليست انتفاضة, بل هاوية, ومن العار أن أُشارك فيها, لا استطيع ذلك. وها هو يهرب ويترك الرعاع تقود الانتفاضة.
قد يكون صاحبنا المهندس مستعداً لقبول الانتفاضة الاجتماعية لهؤلاء الرعاع الغوغاء, والمشاركة فيها, لو أن التاريخ يوصل إليها بهدوء ونعومة, وملاسة ورقة, مثلما يصل قطار سريع حديث إلى المحطة. وإذا رقيب المحطة يفتح باب العربة بكل رزانة ورصانة, ويهتف قائلاً: محطة الانتفاضة الاجتماعية لينزل الجميع.
لقد شَهِدَ هذا الرجل تمردات واضطرابات وانتفاضات متعددة وهو يعرف أيَّة عاصفة من المشاعر المتأجَّجة ترافق على الدوام مثل هذه الاحتجاجات الشعبية الغاضبة حتى السلميَّة منها. ويقيناً أنَّه يدرك كم من ملايين المرات ينبغي أن تكون هذه العاصفة أشد هيجاناً حين يستنهض الذّل والاستبداد والعسف, السواد الأعظم من الشعب المحكوم بأجهزة أمنية متوحشة. كل هذا يفهمه صاحبنا نظرياً ولكنه لا يقرّ به إلا من رؤوس شفتيه, فقط بسبب الوضع المعقَّد للغاية. ويتمنى من كل قلبه أن تكون الانتفاضة ألين في خطوطها وزواياها الحادة ويسأل من جديد: ألا يذهب الوطن إلى وضع معقد للغاية؟ ولكن عوام الخلق التي ثارت ضدَّ الطغيان العسكري لجهاز الدولة يُتابعون تحطيم البيروقراطية العسكرية التي سلبتهم حريتهم وكرامتهم ووضعتهم تحت البسطار العسكري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماركس قدم دروس حول كومونة باريس
علاء الصفار ( 2018 / 8 / 23 - 14:35 )
تحية طيبة
لا اعرف من المهندس! الا اني اقر ان ماركس كقانوني وفيلسوف ثوري هو مهندس الثورات الطبقية. للعلم ان المقارنة بين كومونة باريس والثورات الربيعية للبلدان العربية جداً مختلفة, وحتى تسمية الربيع هي من انتاج الخارج وليس من انتاج ماركس! الاختلاف يكمن ان فرنسا لم تكن بلد مستعمر ولم تكن محاطة بالاعداء كالسعودية وداعش والنصرة والقاعدة و بقيادة أمريك,من هنا يجب معرفة الظروف الداخلية والخارجية والوضع العام, فأن الزمن مختلف, فلدينا اليوم راسمالية مسيطرة بجبروت لا وبل ظهرت قوة امبريالية ليس كما كانت تحارب في فيتنام وبوجود السوفيت والمعسكر الاشتراكي, اي ان العالم يسيلر نحو الهاوية التي حذر منها ماركس اما الاشتراكية و اما البر برية,فالبر برية واضحة و تتجسد في فرنسا وبريطانيا و غيرها ممن هاجم العراق باسم اسلحة الدمار والقاعدة, واليوم ترامب يجسد البر برية العالمية, واليوم التوحش اقسى من هجوم العالم الراسمالي على كومونة في باريس, فالنتو يقصف و ترامب يسرق, ويريد نفط العراق لانه حرر العراقههه. وهكذا كتب غسان بن جدو -فارس بلا رأس- و انا اقول ان امريكا هي الراس وستضرب اي قوة ثورية على انها ارهاب! ن


2 - اناقش الاقتباس الموجود ادناه
علاء الصفار ( 2018 / 8 / 24 - 13:38 )
ألا يذهب الوطن إلى وضع معقد للغاية؟ ولكن عوام الخلق التي ثارت ضدَّ الطغيان العسكري لجهاز الدولة يُتابعون تحطيم البيروقراطية العسكرية التي سلبتهم حريتهم وكرامتهم ووضعتهم تحت البسطار العسكري.
طبعا لو نرجع للعراق الذي ثار ضد الطغيان قبل الربيع العربي في ال 1991 ما ذا حصل ان تحالفت السعودية وامريكا رغم الحصار على العراق ضد الاحرارو تم قتل الانتقاض في مهده. بعد هذا كله على أي ثوري د جال ان لا يخلط اوراق الماضي وكومونة باريس ولينين في احداث المؤامرة على الشعوب سواء في سوريا ام ايران ام في فيتزويلا ووو. اننا بلدان لم تنجز اي مرحلة ولا يمكن تشبيه ثورة روسيا بما يجري في سوريا ام ايران, فهذه الشعوب تحتاج الى بناء اقتصادي, وحتى لوكان على يد الدكتاتور السوري ام الايراني, لان درس ليبيا والعراق هو ,كما درس كومونة باريس
للشعوب العربية! يعني البسطا ل العسكري اهون من غزو العولمة البر بري. لقد تحالف السوفيت مع دول الحلفاء لصد هتلر, واليوم تتحالف سوريا مع الروس والصين من اجل دحر امريكا!وهذا ما حصل. فأي تنظير بالثورة هو تحريف, ويخدم المؤامرات الامريصعيونية, وسحقا لتشدق البعض بنسيم الثورة فهو نفاق!ن

اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا