الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية :أربعون عاما في انتظار إيزابيل ، المفقود من عودة إيزابيل.

أيمن مشانة

2018 / 8 / 23
الادب والفن


تبدأ معنا هذه الرواية بنص يعدُ بالكثير على لسان الراوي جوزيف المتقاعد منذ أربعين عاما صوتُ الرواية الوحيد.
بعد أعوام في طيّ النسيان وعبَث الاتهمات المُغرضة، تأتي رواية:أربعون عاما في انتظار إيزابيل، بقلم الروائي الجزائري: خطيبي لينضمّ إلى صف المدافعين عن الشخصية السويسرية المظلومة والتي تستحق أن تعتبر جزائرية أيضا ؛الكاتبة الرحالة ذات الأصول الروسية إيزابيل إيبرهارت التي أحبت الجزائر وعشقت تلك الوحشة التي تسكن صحرائها الواسعة.
أربعون عاماً انتظرتها إيزابيل حتى تعود إلى الذاكرة لتنعش ذاكرة الشعبية على لسان آخر فرنسي(شخصية الراوي :نصرانيّ ، نصف مسلم) عاش في الجزائر لتُعيد إلى الأذهان قصة آخر عربي عاش في الأندلس؛ وآخر يهودي عاش في تمنطيط، استعادة لا تخلو من إكراهات منطقية.
الصوت الوحيد في الرواية يحاول أن يسترجع إيزابيل، عبر مخيلة الرواي جوزيف: ينتظر القارئ إذا :أن ترسَم له لوحة أخيرة تكتمل بها سيرة إيزابيل ولو تخييليا، وهو ما يضع القارئ أمام تخيلمسبق أن الرواية سيرية جاءت لتنعش هذه الذاكرة الشعبية التي تعودت أن تتنكر لمن يحسن إليها من أبناءها بَلْه الأجنبي الآخر.
وقد يتخيّل أيضا أن تتقاطع الحكى والسير المتضمنة داخل عالم الرواية ، في سيرورة رشيقة تستحضر زمانين متباعدين بأربعين بين وفاة ايزابيل واحة عين الصفراء الصحراوية 1904. وبين لحظة اكتشاف الجندي الفرنسي المتقاعد جوزيف لمخطوط يوميات نادرة للكاتبة ــ العاشقة للكتابة عن أرض إفريقيا المقدسة ، وأربعون أخرى بين الأخيرة ولحظة التفكير في الكتابة عن حياته التي قضاها في الجزائر أربعون عاما أيضا ناضل فيها في صفوف جيش التحرير واستحق وسام الثورة كصديق للثورة الجزائرية التي تسعى للإنفكاك التان عن أمة فرنسا ! إضافة إلى مناقشة شبكة من الحكايا والأجتماعية و السياسية.ــ
ولنبقى في العنوان والذي يعدُ القارئ كما يعده المدخل المشحون بالجمال والانسيابية السردية للرواية يعدان كثيراً بأن الشكل الأدبي للرواية سيكون استعادة ترسم لوحة جديدة عن ايزابيل لا تشبه تلك المنحوتة في الذاكرة القديمة من خلال إعادة تشكيلها اعتمادا على مخطوط اكتشفه الراوي صدفة ..
إلأ أن اللوحة المتخيلة رغم دقتها لم تخلو من خدوش ناتجة عن المخيال المتراكم والذي ضغط على الكاتب رغما عنه فنطقت به تلافيف الراوية، تارة على لسان الشخصية الأخرى في الرواية وهو: سليمان صديق الرواي جوزيف وتارة الراوي جوزيف نفسه، وتارة أخرى تنطق بها اليوميات المتخيّلة لإيزابيل.هذه الويميات المفترضة لم تستند إلى معلومات تاريخية والكم المعرفي فيها لا يتجاوز ثلاث حكايات من مجموع الحكى الكثيف في المتن الروائي* ! والتي تجتمع كلها لتقول:
أن إيزابيل كانت نصف مسلمة كحال جوزيف ــ الذي كان يذهب أيام الأحد إلى كنائس بوسعادة ــ .
أن علاقتها بالسماء ظلت هشة ، تفطر أياما من رمضان الذي قضته في الوادي سنة 1900؟ .
وأنها كانت تضاجع رجالا ونساء من واد سوف الطاهر!
لم أتخيل كمطلع على هذه الشخصية أن يستغل الكاتب المخيال المشوه المعروف للكاتبة ليزيده قتامة عبر هذه الحكى المتخيّلة التي تشبه الهذيان إذ لا يأتي حضور إيزابيل في متن الرواية إلا على شكل تذكّرات تشابه كثيرا " ديجا فو" أو " الفلاش باك" تعبر خيال الراوي الجالس على كرسيه؛ مستعدا تماما لعمليات التخّيل الواسع !
وأنا أقرأ هذه اللوحة المشوهة من كل جانب لا أفكر إلا أن ايزابيل و يومياتها تريدان أن تقولا غير ذلك تماما؟ لكن لي تساؤل ابتداء عن مدى إلمام المعرفي للكاتب حول هذه الشخصية الركيزة ـ كما يبدو لك من العنوان ـ / الهامشية ـ حين نسقريها داخل الرواية ـ ، ولا يبادرني إلأا التفكير في إيزابيل وكيف أنها تريد أن تنطق بمرراة مدافعة عن صورتها الحقيقية والتي رسمت أجزاءا منها في صحراء واد سوف* والتي أرى أن الكاتب همش هذه الفترة الفاصلة في حياتها كذلك.
إيزابيل دون شك كانت تستحق أن تستعاد كاملة إلىى الذاكرة المتناسية ، كانت تستحق أكثر من استعادة تشبه الحلم الذي نحاول تذكره بعد اليقظة المفاجئة، مقاطع منفصلة وصورة غير دقيقة التركيب ولوحة غير مكتملة.
يوميات إيزابيل وكتباتها عن واد سوف هو أول ما توفر عندنا ــ المنشورة عن دار الوليد سنة 2006 بترجمة الأستاذ السوفي ميهي عبد القادر والتي عنونها بعنوان مشرق يأسر القارئ من أوله والذي كان : عودة العاشق المنفي ( كتابات إيزابيل إيبرهارت عن سوف) تريد ــ اليوميات الحقيقية ــ أن تقول أن إيزابيل عاشت مؤمنة تامة الإيمان ذات غرابة وتصوف عميق وشحنة وجودية، كانت تفيض أحيانا بعبارات غارقة في الوجدانية والإيمان بالله والمصير والميعاد: كالتي تناجي بها الوحشة الممتدة في أفق الوادي من جهة جبانة أولا أحمد حين وصلها خبر وفاة الشيخ سيدي الطيب الهاشمي القادري " مات سيدي الطيب الهاشمي فعلا، وأشعر بحزن عميق يجتاحني وأنا أتذكر مظهره الذي يشبه النسر تحت الضو الأزرق للقمر التام.. لازلت أذكر صوته وهو يقول لي: سنلتقي ثانية إن شاء الله،، كان يجهل وكلنا نجهل في ذلك الوقت ما الذي يحيكه العدو ضده وضدي وأن هذا الوداع كان الأخير والدائم..وبأننا لن نلتقي من جديد حتى يوم القيامة، ذلك اليوم حيث يوجد دون شك الحكمة والعدل الغائبان في هذا العالم أين يداس الشهداء والعادلون تحت أقدام الجموع التي تهرول لتقبيل آثار أقدام الطغاة والنصابين والمجرمين تخبط في دمائهم وعلى أشلاء موتاهم"
إيزابيل في يوميات المستشفى في فيفري 1901 على إثر حادثة البهيمة تبتدأ مذكرتها ب " الآية التالية : "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وكتبتها بالعربية كما يذكر مترجم يومياتها، وهي التي ظلت حتى آخر أيامها في سوف متمنية أن توارى مقابر إحدى المقابر الرمليةبين أخوتها المسلمين: "إبدا لن أضع قدمي في أرض المنفى ثانية إن شاء الله، أريد أن نوارى التراب يوما نحن الإثنين، ملفوفين في كفن المسلمين الأبيض، في قاع حفرة بين الرمال البيضاء في إحدى المقابر الشاعرية في الوادي"
الصورة الحقيقية ليزابيل لم تكن مشوهة أبدا إلا من طرف أعداءها واللفيف الذي تفتنهم الخلاعة الصبيانية لإيزابيل والتي ظنها الكاتب كانت نمط حياة دائم صبغ حياة الخوانية ـ لقب يتخذه أتباع القادرية ــ الفقيرة الروسية التي لم تكن في حياتها سوى بسيطة وغريبة لكنها مليئة بالمواقف الأخلاقية مؤمنة ومتعلقة بالله والشيخ عبد القادر الجيلاني وننقل دائما من مذكراتها الشخصية ومراسلاتها المعرفة آنفا،, في الصفحة 31 وتحت عنوان : يوم 24 ديسمبر، تصف إيزابيل حالتها في يوم رمضاني متعب لكنه يجلب السعادة : "لم أكن أتوقع أنه رغم المرض والوهن ومتاعب الصوم وتلك الأكثر خطورة المتعلقة بالجانب المادي، أن هذه الليالي والصبيحات من رمضان تخبئ لي شعورا بالهدوء والطمأنينة العذبة، بالفرح تقريبا " وفي رسالة لأخيها أوجستان دي موردر كتبتها بتاريخ 10/12/1900 تقول عن جولاتها وعلاقتها بالأهالي والتي توصف بأوصاف بعيدة عن واقع الأهالي هناك ويقين ما دونته الكاتبة! ــ وهي تدون بتفاصيل مملة أحيانا وبصدق كبير كل الأحداث التي تمر بها ـ تقول: " أما عن الزيارات ، فليس هناك من يزورنا سوى شيخ الزاوية القادرية في قمار سيدي الحسين بن ابراهيم ، رجل مسن و شيخ وقور ، نعتبره في مثابة الاب ، هو الذي لقنني الطريقة و أعطاني سبحة القادرية . ينزل عندنا كلما حلّ بالوادي و في بعض الأحيان يقضي معنا خمسة أو ستة ايام متتالية . هناك أيضا عبد القادر بن سعيد ، المعلم العربي ، الذي يأتي لزيارتنا ، هذا كل شيء . أغلقنا بابنا في وجه العالم و لا نزور أحدا في الوادي ، أذهب من وقت لآخر لزيارة الزاوية الكبيرة في "أعميش" أو عند سيدي الحسين في "قمار" هذا كل ما في الأمر!" والكاتبة في هذا التاريخ يمرّ على وجودها في سوف قرابة الأربعة أشهر لذا وجدتني محتارا من كلام الرواي المتهِم لأهل سوف وشيوخ زواياها وخصوصا شخص الشيخ الطيب لأنه كان أقرب لإيزابيل من غيره والمورابوات حيث يقول جوزيف متخيلا كعادته ــ لفقر زاده المعرفي الذي يوقفه على حقائق تقوي متن الرواية ودون شك تضفي مصداقية كبيرة على كل حيثية فيها ــ : " كانت تقتات من مقالات تكتبها.. وتموّلُ جنونها ومغامراتها! الصحراوية بالاستدانة من بعض ميسوري الحال، من موظفين وعسكر ورجال دين، وقوّادين يُضاجعونها على مضض" والمتلقي لهذا النص لن يقف ذهنه دون تصور هذه الخلاعة المحكية عن إيزابيل، وكيف عاشت بها في مجتمع محافظ كالذي وجدته وكتبت عليه وأحبته في سوف ! إلا أن القارئ الذي شحُن قلقا تاريخيا وأخلاقيا من تلك الحياة الاجتماعية التي صورتها الرواية؛ ولو تتبع في قراءاته كلام الكاتب لهان عليه الأمر حيث ساق في إطار تقديم قضيته الرئيسة في الرواية: “في هذا العمل، حاولت هدم تلك الميثيولوجيا التي تتوهّم أن الجزائري أعلى شأناً من غيره، بات علينا أن نعيد مساءلة الماضي، وأن نتخلّى عن الأساطير التي زرعتها الدولة الوطنية! في عقولنا” حيث جاء الكاتب خلافا للجهد الأدبي والسياسي والفلسفي الذي تسعى فيه العقول غربا وشرقا لترقيع تاريخها ولملمة الوهن في سيرة أسلافها وإعادة تدوين تراثها في مصلحة الدولة الوطنية والروح القومية كما يؤكد المؤرخ والفيلسوف الألماني تريشكه : أنا لا أكتبُ إلا من أجل عزّة القومية والمجد الوطني ولولا ذلك لكسرتُ قلمي"وفي الوقت الذي يدّعي فيه أن يريد التخلي عن الأساطير التي ربتها الدولة الوطنية حسبهُ! فإن الفيلسوف الشهير فيخته؛ يخاطب الألمان بأن يغرسوا روح الألمان وإيمانهم بعلو جنسهم وشأنهم عبر التربية الوطنية " انها تحرضكم على أن تغرسوا في الأرواح عميقاً وفي قوة؛ بفضل التربية الوطنية الحقة القاعدة المبنية على الايمان بخلود شعبنا، وهو ضمانة خلودنا نحن" فأي فأس نحيلة يحاول بها خطيبي " هدم" ميثيولوجيا سعت الأمم الكبرى لغرسها على أنقاض تاريخ مضخم ومرصوص بالمجد الزائف مقارنة بتاريخ مبنيّ على النصر والإيمان والأخلاق، وبأي وسيلة يريد ال "هدم"؟ هل بإسم إيزابيل الغائبة والتي لن تنطق مدافعة عن الخلاعة التي ألصقت بها من صاحب" الهدم" الواعد!؟
والباحث في متن الرواية ينكشف له وجوهٌ مناقضة للوعود الكبيرة التي تكاثفت في ديباجة الرواية بدأ بالعنوان اللافت!المغري للشراء! والإستعداد الذهني الذي يتركه العنوان ومدخل الرواية بأنه سيطالع رواية تبعث الحياة في سيرة ة إيزابيل إيبرهاردت، وتضفي عليها اعتمادا على كثافة الزاد المعرفي المدون من طرفها ومن طرف من اهتم بها داخلا وخارجا والغوص به في عوالم هذه الخصية ولو بصورة أدبية استعارية لكن البديل عن هذا المونولوج التخيلي لقارئ الرواية العزيز هو "الشيخ جوزيف" البطل الرئيس والصوت الوحيد في رواية تحمل اسم إيزابيل! إيزابيل التي عادت بعد أربعين عاما على أمل أنها اكتملت ذهنيا بعد ما لم تكتمل واقعياً وتاريخياً لكنها عادت على غلاف الرواية لا أكثر!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*( وجاءت أغلب قصص إيزابيل الإحدى عشرة في صورة حلمية افتراضية لم تستند على أية خلفية تاريخية للشخصية إلا في ثلاث قصص حصراً وهي: الأولى: [القصة المشهورة حول نزوات إيرزابيل إيبرهارد وجموح رغباتها وتهتكها في تعاطي الممنوعات وشهوات الجسد] ص(86)، والثانية: [قصة لقاء إيزابيل بالشيخة فاطمة مقدمة الزاوية الريحانية] (ص112)، والثالثة [زيارة إيابيل لقبر الشيخة لالة فاطمة التي حملها مخطوط من أربعة أسطر] (ص112-113)).
ما يعني أن مجموع المحكيات التي ذكر فيها اسم إيزابيل ولو مخيالياً في النص بأسره لم يتجاوز 11/34، وهو ما يناهز 30%، من المحكيات النصية. وما روي عنها كحقائق تاريخية وسند معرفي للنص لم يتجاوز 3 حكايات من 34، أي ما تقل نسبته عن 10%) من مقال بعنوان “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل”.. إشكالات المبنى والمخيال محمد الأمين بحري على موقع :الرواية.
*قدمت الكاتبة لأول مرة إلى واد سوف في أوت 1899 وقد تكلم االكتاب والمؤرخون على تلك الزيارة كثيرا وأنها أتت تجسس لصالح السلطات الفرنسية أو التحقيق في مقتل النبيل الفرنسي الجنرال لو مركيز دي موريس وماإلى ذلك، ولكنها عادت إلى مرة أخرى في 2 أوت 1900 لتستقر إلى غاية رحيلها عن الوادي إثر حادثة البهيمة وما أثارته حولها بعض الجهات بينها وبين السلطات الفرنسية وذلك يوم 25 فيفري 1901، ولم تكن تترك واد سوف إلا باكية والحسرة تملئها وقد دوّنت عن الوادي كثيرا حتى بعد رحيلها كما فعلت بتاريخ :16 ماي 1901 في مارسيليا وهي تخاطب زوجها (قلتُ:إنه بلدُنا، ثمّ أضفتُ:إن شاء الله سنرجعُ قريبا كي لا نُفارقهُ ثانية أبداً.آمين.. ردّ سليمان، مُغتماً وحزينا مثلي على فراق هذه الأرض الفريدة التي وددنا لو متنا بين أحضانها.منذ ذلك الحين لم أرَ سحرَ الغروب في الصحراء. هل أراهُ ثانية!) .
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81