الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاكاديمية الاقتصادية: (من الاحادية النظرية الى التعددية الفكرية)

مظهر محمد صالح

2018 / 8 / 23
الادارة و الاقتصاد


لاكاديمية الاقتصادية: (من الاحادية النظرية الى التعددية الفكرية)

مظهر محمد صالح

19/6/2017 12:00 صباحا

لم تنفك كاثي ويلسن طالبة الدراسات العليا في جامعة مانشستر بانكلترا من ان تطلق صرختها الهادئة قبل انتهاء الدرس الاول في النظرية الاقتصادية بوجه استاذها آندريه مايكل في خريف عام 2008 وهي تقول له: ويحك ايها الرجل وانت انهيت الدرس الاول والجميع في دوامة من الانفعالات لا تقوى المدرسة النيوكلاسيكية في الاقتصاد وصرامة افكارها الارثوذكسية في برهنة توازن الاسواق الحرة ودوام استقرارها، ونحن نغرق في بحر الوجد والامل والاستقرار، واسواق المال تنهار الواحدة تلو الاخرى لتفتح تاريخاً مليئاً بالمتاعب والخسائر والمحن في وقت دبت فيه البطالة في اسواق العمل من مانشستر وحتى شيكاغو؛ وان القوى العاملة تدفع مبالغ جسيمة من فرص ضائعة اقتضتها اجراءات التقشف حتى يتحقق لهم نوع من التوازن يكفل لهم ادنى مراتب الحياة.
واردفت كاثي قائلة :لم ابرح قاعة الدرس قبل ان توضح لنا كيف اخذت الانهيارات المالية العالمية تسري كالهشيم في النار وهي تلتهم ثروات الامم الواحدة بعد الاخرى بلهيب الافلاس المشتعل؛ و لم تستطع المدرسة النيوكلاسيكية بكل تنافسيتها وعقلانيتها من ان تطفئ الخسائر بعد ان انهارت التوازنات السعرية في اسواق رأس المال على الصعيد العالمي.
وواصلت حديثها قائلة ًايضاً : استاذ آندريه انت تتحدث عن مبدأ (ليون فالراس) في توازن اسواق المال والسلع والعمل في حين ان الثلاثة هم في انهيار تام .
ففي خضم ذلك الجدل الاكاديمي المشتعل اسست قوى طلابية معارضة للمدرسة النيوكلاسيكية في مانشستر في حزيران 2013 جمعية اقتصادية اطلق عليها أسم (جمعية العلوم الاقتصادية لما بعد الانهيار) وقداوضحت الجمعية الطلابية الاقتصادية المذكورة في ديباجة اهدافها مؤكدةً ان المناهج التعليمية الجامعية النيوكلاسيكية لاتتضمن سوى القليل من التعليم حول كيفية حدوث الازمة الاقتصادية ووسائل الحذر منها؛ اذ تقوم المدرسة النيوكلاسيكية على فكرة قوامها :ان تلاقي العرض مع الطلب يقوم على عقلانية مطلقة للافراد وقابليتهم في تعظيم الربح في جانب العرض وتعظيم المنفعة في جانب الطلب. وان العلوم الرياضية ومعادلاتها التحليلية هي جوهر ما تذهب اليه هذه المدرسة من ادوات لبلوغ غاياتها في الكفاءة الاقتصادية والاستقرار والتوازن.

وعلى صعيد متصل، حث اساتذة جامعيون، وهم من الفريق المناصر للاحتجاجات الطلابية في رسالة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 18 تشرين الثاني 2013، حثوا الوسط الجامعي للتصدي صراحة الى نواقص المذهب النيوكلاسيكي في الاقتصاد الذي وصفوه بـ (الثقافة الاحادية الارثوذكسية) التي تأتي بالضد من التنوع الفكري .
ووصفوا تلك الاحادية الثقافية بـ (التزمت الفكري الديموغوجي) الامر الذي زاد من الضغط على الادارات الجامعية العليا بغية اصلاح الفصول الدراسية الاقتصادية التي ظلت تهيمن عليها فكرة نظرية الاسواق الحرة التوازنية التي تهمل اثار الازمة المالية.اذ اشار اساتذة كبار من جامعتي كمبردج وليدز الى صندوق التعليم العالي البريطاني للبحوث متهمين القائمين عليه بانه يمول نمطاً محدداً من البحوث الاقتصادية التي تتماشى والنظرية النيوكلاسيكية وتعادي التفكير الذي يبتعد عن الاحادية الثقافية ويتجه نحو التعددية الفكرية.
كما ان اساتذة كباراً آخرين امثال روبرت شيلر الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد والاستاذ ستول هيمر من جامعة كنغستون، اشاروا صراحة بان الطلبة المتخرجين من حقول الاقتصاد يحصلون على درجة البكالوريوس وهم لايعلمون شيئاً عن النظرية الكينزية (نسبة لعالم الاقتصاد جون مينارد كينز) اونظرية راس المال لكارل ماركس او نظرية هيمان منسكي العالم البارع في تفسير الازمات المالية والذي كان من اشد المعارضين لمبداْ الغاء النظم الرقابية على الاسواق المالية التي جاءت بها الليبرالية الجديدة ابان ثمانينات القرن الماضي.
كما أكد اساتذة الاقتصاد المتضامنون مع مبداْ التنوع الفكري، الذي قادته جمعية العلوم الاقتصادية لما بعد الانهيار لطلاب جامعة مانشستر ،بان معظم خريجي الجامعات الانكلوسكسونية يتخرجون وهم لايفقهون شيئاً عن الكساد العظيم الذي ضرب العالم في العام 1929 .
ففي العام 2014 عقدت الخزانة البريطانية مؤتمراً تناولت فيه مشكلات تعليم العلوم الاقتصادية في الجامعات البريطانية واكدت ضرورة تدريس تاريخ الفكر الاقتصادي ابتداءً من ذلك العام وعده جزءاَ لا يتجزأ من التعددية الفكرية؛ ولاحظ الاستاذ روبرت شيلر ان ثمة اخطاء في تدريس مواد الاقتصاد التي تقوم على مبدأ الاسواق التنافسية كما ترى النظرية النيوكلاسيكية، اذ ان هناك معتقد بان الباعة والمشترين لديهم معلومات كافيةً عن مخاطر إرتفاع اسعار الموجودات خارج حدود استقرارها الطويل الاجل وكانما المستثمرون يحملون في عقولهم اجهزة محوسبة عملاقة تعينهم على معرفة تحركات السوق وهو امر مناف للواقع حقاً.
يقول استاذ الاقتصاد السلوكي في معهد ماساسوتش للتكنولوجيا ( اندرو لو) بكتابه الموسوم :(الاسواق المتكيفة:والتطور المالي بسرعة الافكار) الصادر في العام 2017 من جامعة برنستون في الولايات المتحدة الاميركية، مؤكداً ان التطور لايمتلك نهاية للعبة في اي مذهب اقتصادي.
كما ينصرف اندرو لو في كتابه آنفاً قائلاً: بانه بذل قصارى جهده من اجل تغييرعلم الاقتصاد وابعاده عن التفكير الضيق متهماً في الوقت نفسه المدرسة النيوكلاسيكية كقوة ارثذوكسية متزمتة مقلدة لعلم (الفيزياء) ما ساعدها الاخير في بناء النماذج الرياضية الدقيقة بدلاً من دراسة العالم الحقيقي بأشكاله
كافة.
ويقترح اندرو لوبانه آن الأوان في التركيز على العلوم ( البايولوجية ) حيث ينطلق اندرو لو من ملاحظة اساسية مفادها بان الجنس البشري هو ليس بتلك القوة التي تمتلك حواسيب فائقة العقلانية (كما تدعي نظرية الخيار العقلاني النيوكلاسيكية) لكي ترهن نفسها الى بعض النماذج الرياضية واعتمادها في التحليل الاقتصادي لبلوغ التوازن المنشود بين العرض والطلب .ونتيجة لذلك فان الاسواق هي ليست كفوءة حتى النهاية في تحديد الاسعار بالدقة وعلى وفق المعلومات المتاحة كافة كما يقال.
فلذلك فان نظرية الاسواق المتكيفة هي مستمدة من التجربة التي تظهر كيف يصنع الجنس البشري قراراته؟ وعلى اساس السلوك النفسي وهو مايعبر عنه بعلم الاقتصاد السلوكي الذي هو مزيج بين علم النفس وعلم الاقتصاد و يمثل الصورة المرئية للتعددية الفكرية في علم الاقتصاد المعاصر.
فتحقيق الربح على سبيل المثال في مدرسة الاقتصاد السلوكي هي اقرب من رجل قد جرت معالجته من الادمان على المخدرات ؛اما الخسارة فهي اقرب في تأثيرها السلوكي على الجنس البشري وتصرفاته كمن يسير بين مواد عضوية متفسخة عفنة .
ختاماً، في العام 1984 كانت المدرسة النيوكلاسيكية في اوج عظمتها ابان ولادة عصر العولمة والليبرالية الجديدة، فبعد ان امضينا اكثر من ساعة ونصف مع استاذ الاقتصاد الجزئي السيد روب وهو يجري حلولاً رياضية شاقة على لوحة الكتابة (في قاعة المحاضرات في واحدة من الجامعات الكندية) لبلوغ السعر التوازني لسلعة ما. وقد انتهى الدرس وبلغنا السعر التوازني للسلعة المذكورة ولكن النتيجة ان السعر التوازني المذكور كان يحمل اشارة سالبة .
هنا توقف زميلي كيم ،طالب الدراسات العليا من كوريا الجنوبية، وسأل الاستاذ روب قائلاً له:كيف يتحقق السعر التوازني للسلعة وان الاشارة سالبة؟اجابه الاستاذ روب :ما عليك الا ان تقبل الحقيقة النيوكلاسيكية في توازن السعر.. واخرس!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام