الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل السادس 5

دلور ميقري

2018 / 8 / 23
الادب والفن


بقبولها زيارة ضريح الوليّ، سعياً للاهتداء إلى أم الطفلة، أرادت السيّدة السويدية اختبارَ كلّ من صديقيها الشابين؛ احتمال انسياقه إلى أعمال الشعوذة، أو على الأقل، صمته إزاءها مراعاة لمشاعر الآخرين. لم يكن تقديرها لهما ليقلّ، على أيّ حال، لو أنهما تساهلا في أمر هذه الخطوة الخرقاء، الأكثر جدّة، التي وجدت نفسها متورطة فيها. من ناحية " سيامند "، ما كان لديها شك في إخلاصه لمهمةٍ شبه مستحيلة، قدِمَ في سبيلها من أقصى مشرق العالم الناطق بالعربية. مع أنه سرابٌ مخادعٌ، تعليقه الآنَ أملاً كبيراً على احتضان الطفلة عن طريق استرجاع والدتها ـ كما هوَ أمرُ العثور على هذه الأخيرة بوساطة تعازيم المرأة المَجذوبة، حارسة المقام.
" لِمَ لم تحضر زين، هل هي بخير؟ "، توجّهت بسؤالها للصديق الآخر. وكانت ما تفتأ تفكّر في موقفه على خلفية ذلك الاختبار، حينَ بزغت صورةُ شقيقته كشهابٍ يشق العتمة. غمغمَ الشابُ بعبارات مبهمة، طغت عليها ضوضاء الساحة. في الأثناء، رمقت " سيامند " من جانب عينيها فيما كان هوَ منشغل البصر بمراقبة الفتيات، المتواجدات في الحلقة الموسيقية. وابتسمت لفكرةٍ طريفة، دهمتها للتو: " مصارع الثيران، يبدو أنه سلى أمر الثوب الأحمر في حضور الجمهور الأنثويّ! ". إلا أن بسمتها سرعان ما اختفت مع انتباهها لصاحبة العينين السوداوين، المائلتين قليلاً، وكانت تراقبها كما علمنا منذ مبتدأ النزهة الليلية.
" غيرةُ هذه الفتاة تفسّر، على الأرجح، مسألةَ غياب زين "، قالت في السرّ وكأنما تُجيب بنفسها سؤالها للشاب. وكانت " تينا " خير من يتفهّم عذابَ ذلك الشعور، كونه كاد يحطم حياتها قبلاً. أحست بألم عميق، مرده الذكرى الممسكة بتلابيبها ثانيةً، مثل وحشٍ متضوّر جوعاً. وما فاقمَ من ألمها، توهم الفتاة بأن امرأة سويدية هيَ الأقدر على سحب حبيبها منها قياساً بالمنافِسة الأخرى، المفترضة. بحَسَب ما عرفته عن سيرة " خدّوج "، كانت لا تكاد تشعر بالغيرة من علاقات " سيامند " مع فتيات الشارع. بل ولعلها كان يُسعدها أن تقدم له أولئك الفتيات متعةً جسدية، يصعب عليها بنفسها تقديمها قبل الزواج. ولكن أينَ الحب إذاً، ما دامت المسألة هيَ مجرد امتلاك رجلٍ بغيَة إدخاله في القفص العائليّ؟ إن ما يُمكن ملاحظته هنا، أن تلك الرومانسية الشرقية، المعوّلة على الحب، قد بدأت تنحسرُ رويداً ـ كموجةٍ لن يقدّر لها أن تؤوب للشاطئ مرة أخرى، أبداً.

***
ذهنها، كان يتقافز من فكرة إلى فكرة شأن بهلوان في سيرك ( لنسلوَ بدَورنا أمرَ مصارع الثيران! )، حينَ جمدَ أخيراً مع عينيها، المتسعتين دهشة. مسألة مصادفة مَن تدعوه، " عبد "، في هذه الساحة المليئة بالمواعيد العائلية والغرامية، كانت قد خطرت لها أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة. بيْدَ أنها كانت خارجَ ذهنها تماماً، لما اتفقَ وسمعت صوتاً عالٍ ينادي باسم الرجل، هنالك على طرف الحلقة الموسيقية. شاءت التملص من أمام عينيه، بالاندساس وسط الصُحبة العائلية، غير أنه لمحها بعينيّ بوم العتمة.
" صديقتي العزيزة الغالية، كم أنا بشوق لرؤية وجهك الجميل! "، خاطبها بالفرنسية. كانت لهجته الودية " ملغومة "، بحَسَب التعبير الشرقيّ. وها هوَ يسترسل فيها، مستطرداً بينما عيناه تلتهمانها عن قرب: " يا لها من مصادفة غريبة، إذ كنتُ أفكّر بزيارتك اليوم لولا أنّ شاغلاً طارئاً منعني. وإلا، فهل كنتِ تتصورين ألا أودعك قبل سفرك؟ "
" مسرورة بلقائك مجدداً، مسيو عبد "، حيته باقتضاب ثم أتبعت ذلك بإشارة من يدها في اتجاه الشابين: " أنت تعرف سيامند، بالطبع؟ حسناً، وهذا صديقنا آلان ". تفرسَ الرجل في الشاب، متسائلاً بنفس اللغة: " أأنتَ من سورية، أيضاً؟ "
" لا، إنه مغربيّ أباً عن جد! "، تعهّدت هيَ الجواب قبل أن تستأنف محاولةَ التملص بالقول: " كنا نوشك على العودة، لأن الساعة متأخرة. ويسرني أن ألتقي بك في الغد "
" نعم، سأخابرك غداً صباحاً. تفعلين خيراً بمغادرتك مع الهوانم، لأنها ساعة المنحلين أخلاقياً؛ ممن يلتصقون بالفتيات من الخلف، مثل قراد على كفل الفرس! "
" إلى اللقاء غداً "، قالتها بسرعة وهيَ تعطيه ظهرها. لقد خشيت من استطراداته، وأن تؤدي إلى ما يماثل فعل تلك الحشرة. أمسك الرجلُ عندئذٍ معصمَ " سيامند " في حركة معبّرة عن الصداقة، ثم ما عتمَ أن انتحى به جانباً.

***
ما كتمه الرجل عنها طوال فترة وجودها في مراكش ( عمله وعائلته )، عرفته هيَ عن طريق " سيامند "، وذلك في نهاية أسبوعها الأخير في المدينة. لم يكن الأمر مغلفاً بالألغاز والأحاجي، كجثة جنديّ مجهول ملفوفة طيّ العلم الوطنيّ. لا، كانت سيرة عادية لشخصٍ يعطي لنفسه أهمية كبيرة، محب للشهرة والجاه حتى ليتمنى لو أنه مُنح حظ مَن أعتاد الإشارة إليه وهوَ عاقفٌ فمه اشمئزازاً: " صديق الكاتب الأمريكي، نزيل طنجة؛ صاحبك الأديب، الشاذ جنسياً! ".
على أنّ " عبد الإله "، بعد كل شيء، ساعدها بإخلاص، ودون مقابل، إلى وقت انقطاع صلتها به وكانت في منتصف رحلتها المراكشية. بلى رحلة؛ فلم يعُد من حقها أن تسميها " مهمة "، هذا على الرغم من تعلق أملها بمزيد من المفاجآت في الأيام القليلة المتبقية لها في المدينة الحمراء. وربما أن ظهورَ الرجل ثانيةً أمامها، فجأة وعلى حين غرة، قد يكون أحد تجليات الجو الميتافيزيقيّ، الذي وجدت فيه نفسها مؤخراً.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن