الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المثقف العربي..في ظل إشراقات ما يسمى ب”الربيع العربي”واستنهاض وزير الثقافة التونسي همم المثقفين والمبدعين..

محمد المحسن
كاتب

2018 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية






بعد سبع سنوات من اشراقات ما يسمى ب”الربيع العربي”وانتشار عبق الثورة في أرجاء عديدة من الوطن العربي،تصح الاسئلة المتوالدة عن الثقافة والمثقفين في الوطن العربي،إذ ربما أو يمكن أن تكون مفتاحا لحل صحيح لما بعد تلك التضحيات،وتوضيح أبعاد الثقافة والمثقفين العرب فيها.
أين تكمن المسألة؟هل في الثقافة أم المثقف؟من أين البداية؟
هنا لابد من قراءة ما آل إليه المشهد الثقافي ودور المثقفين العرب فيه.وهو أمر لا تغطيه بالتأكيد مقالات ولا دراسات وحسب،وإنما يحتاج إلى ورش/ هيئات/ لجان عمل ثقافية أكاديمية لوضع الأصابع على الجروح الغائرة فيه،لاسيما بعد هبوب نسمات الحرية وانكسار بعض حواجز الخوف في المشهد السياسي العربي،والتأكيد على أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ثقافة أساسا.
ابتدءاً من القرن الثامن عشر برز المثقّف كموجّه وصانع للرأي العام متحرراً من سلطة الدولة والكنيسة،مكتسباً مشروعيته أمام الرأي العام من خلال دفاعه عن القضايا العامة.هكذا يمضي جان بول سارتر في القرن العشرين حاملاً لواء الالتزام ومنظراً له من خلال مجلّة”الأزمنة الحديثة”التي أطلقت عددها الأول في سبتمبر/ أيلول 1944.وسرعان ما انتقلت قضية الالتزام هذه إلى مثقّفينا العرب،فأعلنت مجلة “الآداب” البيروتيّة منذ عددها الأول في كانون الثاني 1953 عن أنّ الأدب “نشاط فكريّ يستهدف غاية عظيمة هي غاية الأدب الفعّال..أدب الالتزام”.
وبدعوى الالتزام،وجد المثقّف نفسه أكثر فأكثر متورطاً في السياسيّ فكراً وممارسةً،مدفوعاً بحسن النوايا وبالرغبة في التأثير في الرأي العام والتغيير الاجتماعيّ،ومتمترساً خلف الشعارات الكبرى لمختلف الأحزاب والتيّارات السياسيّة.وربّما كان للإنتماء إلى خط سياسيّ تنظيميّ وحزبيّ معيّن دور كبير في رواج عدد من الأسماء الثقافيّة وتصديرها إلى شريحة واسعة خارج دائرة الثقافة النخبويّة.
لكن هذا التداخل بين المشروعين الثقافيّ والسياسيّ كان على حساب الأول،إذ أصبح الثقافيّ رهناً بالسياسيّ لا يتحرك إلا من خلاله وبتوجيه منه،مما أدى إلى سيطرة حالة من السياسوية التي لا ترى في أي نشاط إنسانيّ بما فيه الفكريّ والثقافيّ إلا بعداً وحيداً هو السياسيّ نظرياً وعملياً،ما أدى إلى بروز أزمة مزدوجة على الصعيدين المعرفي والسياسي،تمثلت هذه الأزمة سياسياً بحالة من الرومانسيّة أدّت إلى العجز عن ممارسة السياسة كفنّ للممكن،وبتلك الدوغمائيّة التي أوقعت التنظير السياسيّ في الأيديولوجيا من حيث هي وعي زائف عجزت عن التأثير الفعليّ في واقع الأشياء.
أمّا معرفيّاً،فقد أفصحت الأزمة عن نفسها من خلال فكر لم يعد قادراً على إدراك العام في الخاص،وعجز عن امتلاك البعد الفلسفيّ اللازم لتكوين المفاهيم الضروريّة للقبض على الواقع نظريّاً.وكانت النتيجة،أشباه من المثقّفين وأشباه من السياسيين أسهموا في فشل ذريع سياسيّاً وثقافيّاً.
واليوم..بعد ثورات وحراكات ما يسمى ب”الربيع العربي”،بانتصاراته وهزائمه،تدخل الدولة العربية ومعها المثقف العربي،حقبة أخرى بالغة التعقيد والمخاطر.بعد الحقبة التي همش فيها المثقف العربي واستسلم للعب دور المتفرج،وأحيانا الانتهازي الزبون،تطرح هذه الحقبة الجديدة على المثقف العربي سؤالا لجوجا لا مفر منه:أي دور يجب أن يلعبه المثقف العربي إبان هذه المرحلة التاريخية المتخمة بالغموض والمفاجآت والآمال والإنكسارات..؟
هناك توجه جديد لدى الكثير من الدول العربية للإعتماد في الخارج على شركات ومراكز العلاقات العامة،خصوصا الغربية منها،وفي الداخل على شبكات إعلامية رسمية أو خاصة مشتراة،من أجل تسويق شرعية وصحة إيديولوجياتها في السياسة والإقتصاد.وهي في هذه الحالة تشعر بأنها ليست في حاجة للمثقف كما كان الحال في الماضي.مما جعله
(المثقف العربي) خارج السلطة وخارج الشعب،وهو وضع بالغ السوء بالنسبة للعب دوره التاريخي في نهضة مجتمعه.
ومن هنا،فإن هناك حاجة ملحة لتأسيس علاقة جديدة متينة بالشعب،خصوصا بشبابه وشاباته. وهي علاقات تحتاج أن تبنى على أسس إبداعية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الإفرازات الشعورية والتغيرات النفسية عند الجماهير التي حملتها نسائم الربيع العربي منذ خمس سنوات.وهذا ما يؤسس له بإرادة فذة لا تلين وزير الشؤون الثقافية التونسي الدكتور محمد زين العابدين..
في الماضي كثر الحديث عن تجسير الفجوة بين المثقف العربي والسلطة،أما الآن،فبعد ما طرحته جموع غفيرة من الشعب العربي في ميادين أكبر العواصم العربية من شعارات وأحلام وتطلُعات،فإنّ تجسير الفجوة بين المثقف العربي والشعب يجب أن تكون له الأولوية.
ومن هنا،وعلى ضوء تجارب الماضي يحتاج المثقف العربي أن يحتفظ بمسافة معقولة بينه وبين السلطة،تسمح له قدرا ضروريا من الاستقلالية في التحليل والنقد والمساهمة في إنتاج فكر يتطور باستمرار.
هذه المسافة لن تعني العيش في صراعات ومماحكات مع سلطة الدولة،وإنما لممارسة الحرية التي بدونها لن يوجد فكر إبداعي مفيد..
إن كل ذلك يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع وجود فئة خاصة من المثقفــــين التي تركز على توليد وحمل المعرفة اللازمة لصياغة رؤية عربية جديدة للعالم وللمجتــــمع العربي وللإنسان العربي تقترح بديلا عن الوضع القائم المتردي الذي تعيشه الأمة حاليا بســــبب تكالب المحن على مسيرة “الربيع″الذي أرادته لنفسها منذ سبع سنوات.إنها انحياز للحقيقة بدلا من الانحياز لمطالب القوة والعبث السياسي.إنها حمل لمهمة خلق المستقبل وليس فقط الإكتفاء بتحليل ونقد ما يجري في الحاضر.
لن تكون مهام المثقف العربي في المدى المنظور سهلة،ولكنه قدر يجب أن يقبله ويحمل مسؤولياته..
وهنا أختم: لم يسبق للمثقف العربي أن وضع على المحك كما يحصل الآن،في خضم الربيع العربي،ولم يسبق لمقولاته وقضاياه وآلياته أن تعرضت للإختبار وامتحان المصداقية المرير،كما تتعرض الآن،فمنذ إنجاز مشروع التحرر العربي،من الاستعمار،برزت وتبلورت مهمة جديدة للمثقف العربي،وهي النضال مع الجماهير العربية،التي وجدت نفسها مقصاة،ومحرومة من نصيبها في-كعكة- المغانم،التي ترتبت بعد الاستقلال.ولقد ارتبط مشروع المثقف بالنضال من أجل التغيير، ومقارعة السلطات المهيمنة المتسلطة على رقاب الناس ومقدراتهم،غير أن الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل-الربيع العربي-لم تكن مصنوعة أو موجهة من قبل مجموعات من المثقفين، حتى إن جلهم بقي حائراً ومذهولاً أمام التداعيات الخطيرة،والمتسارعة للشرارة الأولى،ويبدو أن المثقفين لم يكونوا جاهزين لهذه اللحظة التاريخية،التي طال انتظارها عقوداً.ولقد أوقعت هذه التداعيات المثقف في أزمة هي الأعنف في تاريخه،وخلقت تناقضات ما زالت تتناسل في الساحة الثقافية،وتعرض نجوم الثقافة العربية للمساءلة والنقد عن دورهم،بل وعن جدوى مشروعهم الثقافي،في ظل التطورات الأخيرة،وتم توجيه أصابع الاتهام لهم بأنهم لا يفعلون شيئاً سوى التنظير المجرد،البعيد عن هموم الجماهير وطموحاتها،ولم تعد الجماهير تقبل أي دور لهم أقل من النزول إلى الشارع.
على هذا الأساس يمكن القول،أنّ المثقف-اليوم-في ظل ما يسمى ب”إشراقات الربيع العربي”بحاجة إلى أن يكتشف ذاته من جديد،ولن يكتشف هذه الذات من خلال تلك الإيديولوجيات التي جعلته غريباً عن ذاته ومحاولة التقرّب إلى المواطن والشارع والناس متناسيا الضغوط التي تمارسها عليه السلطة،وأن يطرح ما بجعبته من فكر حديث وحقيقي يتناغم مع ايقاع -الثورات العربية-و يساعد في الآن ذاته على النهضة والثورة والتقدم.
على سبيل الخاتمة:
لم يعد منصب الوزير رمزا للوجاهة الاجتماعية والنفوذ السياسي، ولم يعد أي وزير في تونس بعد 14 يناير 2011 بمعزل عن المساءلة والتقييم، الأمر الذي يؤكده وزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين في حوار مع “العرب” أنه يعيه جيدا ويؤيده في سياق توجهاته التي يسعى من خلالها إلى النهوض بالواقع الثقافي في تونس وهو واقع لا ينفصل عن السياسي والاجتماعي والتنموي ويأتي في صدارة مواجهة ثغرات الفترة الانتقالية وما أفرزته سنوات الثورات الأولى من وقائع وتغيرات كان بعضها ضارا على غرار ظاهرة الإسلام المتشدد الدخيلة على الثقافة والمجتمع ومحاربتها لا تكون إلا من خلال الفعل الثقافي.
وزير الثقافة..يحمل أوزار الثقافة على عاتقه ويؤسس لغد ثقافي مشرق:يؤكد محمد زين العابدين أن الثورة الثقافية أساسية لكن لا تختصر فقط في شقها الثقافي، بل هي ثورة اجتماعية إنسانية بالمعنى السياسي والوجودي. فالثورة الثقافية تعني علاقة الإنسان بمحيطه ومجتمعه والتزامه بقيم الحرية والديمقراطية والمشاركة في الوعي العام الذي يغيب فيه العربي للأسف لاعتبارات عديدة.
لا بد من ثورة إصلاحية وتصور جديد للعمل الإبداعي في تونس حتى تسترد الثقافة إشعاعها الذي شهدته خاصة بعد الاستقلال
وكانت من بين مسببات هذا الغياب ظاهرة استقطاب الشباب، التونسي والعربي، وأيضا الغربي، لأن الثقافة الغربية أيضا تواجه نوعا من الركود وعدم مواكبة التغيرات المجتمعية الصاعدة في ظل العولمة والتحولات التكنولوجية “الصادمة” أحيانا للوعي الإنساني ومفاهيمه الزمنية.
يرى محمد زين العابدين، الذي له تجربة في التواصل مع الشباب، باعتباره أستاذا جامعيا وشغل منصب مدير للمعهد العالي للموسيقى بتونس والمعهد العالي للموسيقى بسوسة، أن هناك عملا تربويا وثقافيا لم يتم إنجازه كما يجب في مستوى التأطير مع غياب الاستراتيجية الكاملة للدولة بتغييب دور الثقافة لاعتقادها أن المجالات الحيوية ذات أولوية وأهم من المجال الثقافي.
ونتج عن هذا الوضع فراغ فكري لدى الشباب؛ وهو ما قاد بعض المحبطين منهم إلى طريق الإرهاب. والخروج من هذا المأزق يستوجب قراءة جديدة للأساليب والاستراتيجيات وجعل الثقافة جزءا من التربية والتعليم بالإضافة إلى إعادة كتابة المفاهيم والمصطلحات التي تتحدث عن القيم والوطنية والدفاع عن الوطن بلغة جديدة مواكبة لتطورات الوضع التونسي والعربي عموما، سياسيا وثقافيا واجتماعيا. وينبه محمد زين العابدين إلى أنه لا يعني بالتحدث بمصطلحات جديدة وبلغة مختلفة القطع مع الماضي بل محاولة تحقيق معادلة تقوم على السير في ركب الحداثة مع المحافظة على الهوية والموروث.
هل بقي لدي ما أضيف: كلمة فقط أقولها لمن يحمل نبراس الثقافة وينتصر للإبداع والمبدعين: قفوا مع هذا الوزير الدكتور محمد زين العابدين..فإن خسرتموه سقط المشروع الثقافي الواعد في الحضيض..أقول هذا بمنآى عن المحاباة والمجاملة..فهذا الوزير ينآى بنفسه عن كل أشكال المديج والإطراء..فهمه الوحيد الإرتقاء بالفعل الثقافي..ولا شيء سواه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران