الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل السابع 4

دلور ميقري

2018 / 8 / 27
الادب والفن


الوقتُ، كانَ قد فات على اقتراحها. ليسَ ذلك، حَسْب، لحقيقة أنّ الساعة اقتربت من الثالثة فجراً، بل ولأن ضيفها كان أيضاً في حالة سُكر واضحة. لما أثبط الشابُ عزمَها، همّت بالنهوض كي تتدبّر أمرَ رقاده. إلا أنه جذبها بحركة مفاجئة، لتجدَ نفسها من ثمّ ممدة على وجهها بلا حول فوق الزربية.
" ماذا فعلتَ بحق السماء؟ لماذا فعلتَ ذلك بي؟ "، قالتها مغضبة وكانت ما تفتأ تحته وكان كل شيء قد انتهى. جاءها جوابه المختصر من خلال خصلات شعرها، الملتصقة بفمه: " لستُ أدري.. ". كرر الجملة في صوتٍ تَعِب، أكثر منه آسفٍ. لما تحرر جسدُها من الثقل الرازح فوقه، انقلبَ جسدُ الشاب بدَوره إلى جانب. هذه التلقائية في حركته، كما وفي جوابه، جعلها تُدرك حالاً أنه يهوّم. ابتسمت عندئذٍ في تسامح، بينما كانت تمسح قفاها بسرواله المُهمل عند قدم الأريكة.
فيما بعد، فكّرت بأنه " فرهاد "، مَن كانت تتخيّله أثناء المضاجعة وهوَ يصول فوقها؛ فوقَ رابية، كان قد أعتاد أن يَدعوها بالفردوس الخلفيّ. وفيما بعد أيضاً، ذكّرت " سيامند " بهذه الليلة الحافلة، المنتهية كما علمنا: " كلاكما، أنتَ وأخوك الراحل، أفصحَ من خلال تلك الممارسة عن شيء أنثويّ، أو مخنث، في شخصيته وداخل أعماقه ". كانت تتكلم معه هاتفياً من السويد، على أثر مغادرتها مراكش ببضعة أيام. ولقد ردّ عند ذلك في غضبةٍ لم تتوقعها منه قط، بأن أغلق سماعة الهاتف. على الرغم من ندمها فوراً على ما فات، غيرَ أنها فكّرت ساخرة في اقتضاب: " إنه الخلق الشرقيّ..! ".

***
في اليوم التالي، وكان ما قبل الأخير في رحلتها المراكشية، ركبت السيارة إلى ذلك الحي الشعبيّ، أين يثوي مقامُ حاميه؛ " سيدي بلعباس ". ومع كونها ساعة الأصيل، شعرت السيّدة السويدية بحرارة تكاد لا تطاق. على أنها سَلَت ما فيها من ضيق، آنَ رأت نفسها تسير في دربٍ أشبه بدهليز، محفوف بالأعمدة والأقواس، عليه كانَ أن يذكّرها بما يُعرف عادةً ب " الشارع المستقيم " في المدن الرومانية القديمة. بيْدَ أنها كانت تُدرك حدودَ التشبيه، طالما أنّ الرومان لم يتوغلوا إلى أبعد من الساحل المتكحل بالظلال الليلكية للجبال، المستلقي بين ريف الشمال وبادية الجنوب. ما أن أفضى الدربُ إلى صحن المقام، إلا وتراءى لعينيّ " تينا " ما يُماثل مشهداً كرنفالياً. ليسَ الأمر كما في ساحة المدينة الحمراء، المُعرَّفة بالبهجة، وإنما لناحية تنوّع أشكال الخلق المتواجدين.
" في هذا المكان، ينسى الناسُ منابتهم ومعايشهم، كأنهم صاروا رأساً واحداً بآلاف الأجساد؛ رأساً ينحني بخشوع وابتهال أمام رأسٍ ذي جسدٍ واحد، مقدس، يتوسلون إليه تحقيقَ رغباتهم وأمانيهم. بل وحتى اليهود، كانوا يقدمون إلى هذا المكان وكما لو أنه مقامُ أحد أنبيائهم ".
كذلك أوضحَ لها مَن تدعوه، " عبد "، وكان قد تعهّد إيصالها مع الشابين بسيارة " بيجو " نفسها، القديمة المتهالكة. فيما نساء الأسرة المُحسنة، علاوة على " زين "، حضرن في عربة أحدث من ذات الماركة، قادتها الابنة الكبرى. وإذاً، أجازت " تينا " لنفسها التصالح مع أول شخص عرفته في الطريق إلى هذه المدينة. لقد فهم " سيامند " الأمرَ على طريقته، بما يعني تشجيعها لعلاقته مع ذلك الرجل والقائمة على المنفعة لا الصداقة. الشاب الآخر، " آلان "، كان هنا مع شقيقته وكما لو أنهما أرادا أيضاً تأكيد صداقتهما للسيّدة السويدية قبيل عودتها لبلادها.
" في المشرق، تتوسل نساؤنا للست زينب، المنحدرة من صلب النبيّ محمد. هذه المرأة المقدسة، جعلوا لها عدة أضرحة في الشام والقاهرة والحجاز. مع أنّ المرجح دفنها في الحجاز، على الرغم من كون ضريحها ثمة مفقوداً أو مدروساً مع الأرض وفق العقيدة الوهابية "، قال الشاب السوريّ معقباً على ملاحظة شريك أعمال المستقبل. أبدت صديقته استغرابها من وجود عدة أضرحة لامرأة واحدة، مما جعله يبتسم مستدركاً: " بل لقد سهوتُ عن ذكر ضريحها الموجود في كردستان، في مدينة تُدعى سنجار على ما أعتقد، حيث أتباع الديانة الإيزيدية قد ضموها إلى رموزهم المقدسة "
" هنا، لدينا كذلك الست فاطمة ومقامها كائن في الجبل ليسَ بعيداً عن مراكش "، تدخلت في النقاش " زين ". ثم راحت ترمق الشابَ السوريّ بنظرة مضيئة من عينين سوداوين، ساحرتين، تظللهما أهدابٌ طويلة مكحولة. وفيما كانت " خدّوج " تروز غريمتها هذه، المفترضة، بنظراتها الحادة، فإنّ شقيقتها الكبيرة هتفت بنبرة أسف: " آه، كيفَ غاب عن أذهاننا فكرة أخذ ضيفتنا إلى أوريكا؟ هنالك، إنما تقع القرية المعروفة باسم الست فاطمة "
" في زيارتي القادمة، يا عزيزتي "، أجابتها الضيفة. ثم أضافت راطنةً بالعربية: " إن شاء الله! ". أنفجر الجميع ضاحكين، بما فيهم الطفلة الصغيرة؛ " خجي ". على أنّ والدة هذه الأخيرة لم ينفع معها تعازيمُ المرأة المَجذوبة، حارسة المقام.. مثلما أنّ تلك الجملة العربية، المرددة على لسان المسلمين في كل حينٍ، لم تُعِد السيّدة السويدية إلى المغرب مرة أخرى أبداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ