الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليق علي مبادرة معصوم مرزوق

حسن مصطفي
(Hassan Moustafa)

2018 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان الجميع يقر الأن بالهزيمة واقعا لثورتنا فأننا هنا لن نخوض في السبب بقدر ما سنتسائل عن المستقبل.. لن نقول أن هذا أو ذاك الحزب قد ساعدوا وتآمروا، اخلوا الميادين وافسحوا الطريق للمدرعات ليجري حرق الميدان بقنابل الجيش ورصاص الشرطة. لكننا فقط سنتسائل ما العمل في وجه كل هؤلاء …

ولمن لا يعرف من (هؤلاء) فهم من صادروا على مجتمعنا وذبحوا أبنائنا وأرغموا كل من فيه على الانصياع ومن لم يفعل كان مصيرة القتل أو السجن، حتى كبار رجال الأعمال وقادة البرجوازية أجبروا على التضامن وبأوسخ وأسوأ الصور ابتذالا.

على أي حال ،، فإننا ولو لم نقل (هيا نسحقهم .. الى الامام .. لابد أن ننتصر) سنضمن قبرا حقيرا حُفر علي عجال في حرب سنذبح فيها ذبح النعاج .. دون أي مقاومة أو قتال .. هكذا اضحى الشرف العربي.. أن نموت مسالمين.

ليكن واضحا قبل كل شئ .. أن نطاعة الطرق السلمية لن تُخفي حقيقة ناصعة وهي : ستتمكن الجماهير في المستقبل من أن ترد بعمل عسكري واسع علي كل ما جري ويجري إلي الأن في حقها من تنكيل وسنكون حتما جزءا من هذا الرد .. فليتذكروا جمعة الغضب السالفة .. وليحذروا جمعة الغضب الآتية.

ما العمل ؟

هي حديث الساعة إذن في الأوساط السياسية، تلك المبادرة التي طرحها السفير السابق معصوم مرزوق تحت شعار (نداء - تعالوا إلي كلمة سواء) ! ليس فقط لتداعي الوزن والقافية لكن بالفعل لان ما اطلق عليه المبادرة لم يتعدى الهراء الرخيص. أو أن هذا هو ما يمكن أن يستنتجه أي عاقل منصف من قراءة تلك السطور، وبمعاني السياسة كانت ورقة لاجل الشو الإعلامي و الوجاهة السياسية .. وحقيقي أن تتمة القصة بكثير من الاستعراض، بسجن صاحب المبادرة.

تناولتها منابر إعلام الدولة في القنوات الفضائية والصحف ومنذ اليوم الأول لطرحها بالتشويه والاتهام بالعمالة والخيانة لمطلقها، وعلى صعيد آخر تناولها الفريق المعارض أو ما تبقيَ منه ولم يقتل أو تغيبه السجون أو المنافي سواء من الإخوان المسلمين أو من المعارضة المدنية بالكثير من الثناء والاستحسان، الأمر الذي دفع الكثيرين لوصفها بالحجر الذي ألقاه الرجل لتحريك مياه الحياة السياسية المصرية الراكدة منذ سنوات بفعل القمع البوليسي الوحشي الذي أصبح العنوان الأبرز للنظام المصري منذ الانقلاب العسكري على الثورة المصرية في 2013.

لكن هذا الهجوم الضاري من ناحية والآمال العريضة التي بنيت على المبادرة من ناحية أخري أثاروا سحابة من الدخان حولها بالشكل الذي يمنع اى متابع للمشهد السياسي من الوقوف على ما تطرحه المبادرة وصاحبها بشكل موضوعي لكي يتمكن من تكوين رأي بشأنها، هذا المقال يهدف إلي مناقشة ما تطرحه هذه المبادرة وصاحبها للوقوف على ما إذا كانت تلك المبادرة تمثل فرصة حقيقية للخروج من حالة الانسداد السياسي الذي خلقه عبدالفتاح السيسي ونظامه، أم أنها مجرد فقاعة أخريَ خارجه من صفوف من يطلق عليهم (النخبة السياسية) وهي لا تملك أي فرصة للترجمة على أرض الواقع عبر آليات محددة وواقعية تسمح لها بتحقيق ما تهدف لتحقيقه.

إلى ماذا تهدف المبادرة؟ وأي الآليات التي يعول عليها مشروع المبادرة لوضعها موضع التنفيذ؟ تلك هي الأسئلة التي ستحاول السطور القادمة الإجابة عنها.

جائت المبادرة في تسع بنود بعد مقدمة ثرية برع كاتبها في صياغتها، في البند الأول تطلب المبادرة إجراء استفتاء شعبي عام وفقاً للمادة 157 من الدستور للإجابة على سؤال واحد هو "هل تقبل استمرار نظام الحكم الحالي في الحكم"، وفقاً لنص المبادرة، لكن ما هي تلك المادة الدستورية التي جائت الاشارة إليها في البند الأول خاطفة وفقط بالرقم دون استحضار نصها وهي التي تعطي للمواطنين حق حجب الثقة عن النظام الحاكم أو كما يصور البند، والتي إذا وجدت في الدستور لكان دستور 2014 المصري من أكثر دساتير العالم تقدمية وديمقراطية، لسبب بسيط وهو أنه يطبق المبدأ الأكثر ديمقراطية، هو مبدأ حق انتخاب وعزل المسؤولين، هذا المبدأ الغير المطبق في أي بلد في العالم.

تنص المادة 157 من دستور 2014 على أنه (لرئيس الجمهورية الحق في أن يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وذلك فيما لا يخالف أحكام الدستور. وإذا اشتملت الدعوة للاستفتاء على أكثر من مسألة، وجب التصويت على كل واحدة منها.)، الأمر إذن ليس كما يصور البند الأول بأن المطالبة بإجراء استفتاء مثل هذا هو أمر منصوص عليه بمادة دستورية، فالمادة 157 صريحة وواضحة ولا تقبل التأويل، لعبدالفتاح السيسي فقط الحق في دعوة المواطنين للاستفتاء، وعبدالفتاح السيسي لا شك آخر ما قد يرغب فيه هو دعوة المواطنين للاستفتاء على أي شئ، وعبدالفتاح السيسي أيضاً هو من امتنع عن دعوة المواطنين للاستفتاء على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تنازلت مصر بمقتضاها عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية و بمخالفة صريحة لنص المادة 151 من الدستور والتي تنص على أنه (يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة) وقد أهدر عبدالفتاح السيسي هذا النص دون أن يهتز له جفن.

ويأتي البندين الثاني والثالث لتوضيح ما ترتبه نتيجة الاستفتاء بالإجابة على السؤال الوارد في البند الأول سواء بقبول أو رفض نظام الحكم علي النحو التالي:
2- إذا وافقت الأغلبية البسيطة (50% +1) على استمرار النظام الحالي، يعد ذلك بمثابة إقرار شعبي بصلاحية هذا النظام في الاستمرار، والموافقة على سياساته المتبعة في كل المجالات، ووجب على الجميع احترام هذا الخيار.
3- إذا كانت الإجابة بنفس أغلبية الأصوات رافضة لاستمرار نظام الحكم، يعد ذلك بمثابة إعلان دستوري يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور الحالي، وتنتهي ولاية الرئيس الحالي ويعتبر مجلس النواب منحلاً، وتعلن الحكومة القائمة إستقالتها، ويتولى أعمال الحكم والتشريع مجلس انتقالي يكون مسؤولاً عن تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أعوام.

المبادرة إذن تطلب من عبد الفتاح السيسي أن يجري استفتاء تكون نتائجة إما موافقة المواطنين عليه وعلى نظامة أو رفضه ورفض نظامه، وفي هذه الحالة يتم وقف العمل بالدستور وتستقيل الحكومة ويحل مجلس النواب ويصبح منصب الرئيس شاغراً.

لكن هل هذا موضوعي أو منطقي ؟! هل عبدالفتاح السيسي الذي صعد علي جثث واشلاء المصريين لسدة الحكم قد يستجيب لمثل هذه المبادرة ؟!

الإجابة بلا شك بالنفي. لن يترك عبدالفتاح السيسي السلطة طوعاً حتى يلج الجمل من سم الخياط. فعبد الفتاح السيسي الذي حول البلد إلى سجن كبير، وأرتكب عشرات أن لم يكن المئات من المجازر في حق المصريين، بل و مازال يرتكب إلى الآن المجازر والتهجير والقتل في حق سكان جزء من الإقليم المصري وهو شمال سيناء والذي تمارس عليه أقصي درجات التعتيم، والذي دأبت اجهزته الامنية على إرتكاب أبشع الجرائم من تعذيب وإخفاء قسري وتصفية جسدية، والذي تعج سجونه بعشرات الالآف من المعتقلين السياسيين بالتأكيد لن يطرح نفسه ونظامه طواعيتا لإستفتاء يعلم تمام العلم أن نتيجته ستكون إسقاطه من على سدة الحكم.

لكن لا بأس.. فقد تكون الخلفية الأدبية للسفير معصوم هي التي جعلت تصور بسيط مثل هذا يستحوذ عليه ويحَمله على تصديق إمكانية تحقيقه، فالرجل وبخلاف عمله كدبلوماسي فهو ايضاً روائي و قصاص صاحب مخيلة خصبة وأفق أدبي واسع، له العديد من المنشورات الأدبية في المجال الروائي والقصص القصيرة وهو عضو اتحاد الكتاب المصري، الأمر الذي كان له على ما يبدو بالغ الأثر على صياغته للمبادرة.

أما عن المجلس الإنتقالي وترتيبات المرحلة الإنتقالية فلا أعتقد أنها تستحق التناول، فلا شئ في المقدمات تشي بأننا قد نصل إليها، ويبدو أن حتى صاحب المبادرة قد فطن لذلك فلم يتعب نفسة في التفكير في الأمر بالشكل الذي يمكن أن يكون تصور لوضع انتقالي موضوعي، فقوام المجلس الانتقالي الذي تتحدث عنه المبادرة يتكون ثلثيه -أي الأغلبية- من أعضاء الهيئات القضائية،
تلك الهيئات التي عينها عبدالفتاح السيسي سواء من المحكمة الدستورية العليا أو مجلس الدولة، أما الثلث الباقي -الأقلية- فتقترح أن تكون من الأحزاب السياسية الغير مؤتلفة مع النظام الحالي.

إذن نحن ننتزع السلطة من عبدالفتاح السيسي لكي نعطيها لرجال عبدالفتاح السيسي! أوليس هذا ما حدث أو ما هو قريب منه في 3 /7 / 2013 حين سُلمت السلطة لعدلي منصور بصفتة رئيساً للمحكمة الدستورية العليا!

لكن حقيقي ما استوقفني بخلاف كل الهراء السابق هو ما تضمنه البند السابع في المبادرة حيث نص علي " بمجرد بدء ولاية المجلس الانتقالي يتم إصدار قانون عفو شامل يتضمن تحصيناً قضائياً كاملاً لكل من تصدى لمهام الحكم والتشريع من ما بعد 25 يناير 2011 وحتى بداية ولاية المجلس الانتقالي"، سيقول بعض البلهاء أن ذلك يمكن أن يشكل حافزاً لمن في الحكم للتخلي عن السلطة بشكل طوعي، فسيكون لديهم في هذه الحالة ضمانة أنهم لن يمسوا بعد تخليهم عن السلطة، فبخلاف أن هذا لا يمكن وصفه سوى بالرأي الخياني قريب الشبه بخيانة وصفقة الخروج الآمن التي عقدتها جماعة الإخوان المسلمين مع قادة المجلس العسكري، فلم اتعود في الواقع أن التفت لرأي البلهاء ولا أعتقد أن من في السلطة قد يفعلوا ذلك.

بعد الإستكمال الشكلي لبنود المرحلة الانتقالية تنتقل المبادرة لطرح خيار آخر ستلجأ إليه في حالة عدم موافقة السلطة على ما تطرحه المبادرة وهو "عقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير لدراسة الخطوات التالية، وذلك من بعد صلاة الجمعة يوم 31 آب/ أغسطس 2018 وحتى الساعة التاسعة مساء نفس اليوم، يحضره كل من يوافق على ما تضّمنه هذا النداء، وتنسق له لجنة يتم تشكيلها من أحزاب المعارضة المصرية، وتكون سلطات الأمن مسؤولة عن توفير التأمين والحماية اللازمة للمؤتمر"، هذا هو إذن مربط الفرس وبيت القصيد، الدعوة للاحتشاد العام في ميدان التحرير لإسقاط النظام.

لكن ولأن السفير معصوم لم يمارس العمل السياسي إلا بعد التقاعد من العمل الدبلوماسي فهو يجهل القواعد السياسية الأساسية والعوامل الموضوعية والذاتية التي يمكن على ضوئها طرح دعوة كتلك من عدمهه، ولست هنا بصدد تفنيد تلك العوامل وشرحها لتجنب الإطالة من ناحية ومن ناحية آخرى لأن الأمر يستحق أن يكون موضوع للكتابة بشكل مستقل لعله يفتح أفق لنقاش أوسع حول رهانية المستقبل والعوامل التي قد تدفع في إتجاه خلخلة نظام عبدالفتاح السيسي واستعادة جزء من المساحات التي أُكتسبت آبان المد الثوري لثورة يناير 2011.

أما عن دعوة الاحتشاد في 31 / 8 في ميدان التحرير فلأن السفير معصوم لم يمارس العمل السياسي سوى بشكل نخبوي فوقي وليس بشكل قاعدي فهو لم يخطر على باله يوماً الحسابات التكتيكية الميدانية التي يجب أن تُوضع في الإعتبار لدعوة كتلك، فميدان التحرير الذي أصبح ثكنة عسكرية في الأيام العادية سوف يتحول لمصيدة مع اقتراب يوم 31 / 8 لإعتقال من يمر الميدان بخطوات متثاقلة.

فالهيمنة الجماهيرية وطرد الشرطة من ميدان التحرير والتي بدأت يوم الثامن و العشروين من يناير 2011 جاءت نتيجة إحتلال الجماهير لشوارعهم وحارتهم اولآ ثم للشوارع والميادين الرئيسية وصولاً لميدان التحرير، وبعد معارك دامية مع الأمن المركزي الذي كان يسعى لمنع تدفق الجماهير للميادين الرئيسية وصولاً لميدان التحرير، الأمر إذن لم يكن عن طريق أن المثقفين والنشطاء استيقظوا صباحاً فذهبوا لميدان التحرير وأعلنوا الثورة.

في النهاية أحب أن ألفت نظر السفير معصوم لأمر هام وهو أن العمل السياسي وطرح المبادرات السياسية امراً عضال ويترتب عليه مصير وحياة الناس، وليس من الشجاعة أو البطولة في شئ خوض معركة لن يكون لها خسائر سوى في صفوف انصارك، ولن يضير عبدالفتاح السيسي ونظامه شئ أن يزيد على الآف المعتقلين في سجونه بضعة عشرات أو حتي مئات، لا سيما وأن الدعوة للاحتشاد التي تضمنتها المبادرة لم تلق أي دعم جماهيري في حين أن الجماهير هي فقط القادرة عليَ قلب موازين المعادلة وليس المبادرات النخبوية التي ستبقيَ قاصرة عليَ المثقفين والسياسيين، الأمر الذي يشي بأن تلك الدعوي لن ينتج عنها سويَ أنها ستزيد أعداد المعتقلين في سجون النظام.

ما هكذا يا معصوم تورد الإبل..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س