الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلب المهجور

عذري مازغ

2018 / 8 / 29
الادب والفن


شقراء ألمانية جاءت في مهمة إلى "تييرا دي الميريا"، كانت تنتمي لجمعية تهتم برعاية الكلاب المتخلى عنهم، وقيل لها بأن عند تقاطع طريقها هذا الذي هي فيه مع الطريق التي تربط "سان اغوستين" ب"لاس نورياس" يوجد هناك "موقف" للعمال المهاجرين سيخبرونها عن وجود كلب من نوع الماني ينام بأنبوب قناة كان قد حطم الفيضان جزء منه، لكن لا زال صالحا لتأمين سقف مربع بالنسبة لكلب، عندما وصلت إلى "الموقف" أخبرها العمال الذين ينتظرون هناك فرصة شغل بمكان وجود الأنبوب ، وحين اقتربت منه قابلها "الجنيرال اعبابو"، كان يبدو عليه أنه قد فاق لتوه من النوم وهو لم يغسل بعد اطرافه، كان ممشوقا يبحث في العشب عن عقب سيجارة تركه ليلا ليفتح به عينيه في الصباح، سألته عن الكلب الألماني الذي ينام في الأنبوب، أخبرته بأن عمال "الموقف" أخبروها بأنه ينام في الأنبوب مشيرة بيدها إليه، ابتسم في وجهها وهو يسألها هل تملك سيجارة، سلمته إياها وهي تبادله الابتسام بشيء من الخجل، اما هو فأخذ السيجارة وهو يردد: قالوا لك بأنه ينام هنا ؟
ــ نعم سيدي!
ــ وماذا ستفعلين انت به؟ فهو كلب أنس هذه الأعشاب؟
ــ سآخذه إلى مقر جمعيتنا لنعتني به
ــ إذا خذيني معك فأنا الكلب المقصود الذي حدثوك عنه
كان "الجنيرال" قد أحرق كوخه البلاستيكي المتواجد بالقرب من المكان في ساحة فارغة من المشاتل البلاستيكية المحيطة بها بينما الأنبوب الذي تركه الفيضان يوجد في ساحة مجاورة يربط بينهما (أقصد بين الساحتين) خط ضيق بين المشاتل، كانت الساحة الاولى ، في الحقيقة، عبارة عن أكواخ بلاستيكية لأكثر من عشرة مهاجرين أغلبهم بدون اوراق إقامة، وفي ليلة صاخبة بالسمر في جو مخمور بأنواع الخمور من نبيذ وجعة وقنينات ويسكي، تحول السمر إلى عراك صاخب جال فيه اعبابو طولا وعرضا، كان الكل يقصف بما اوتي من قنينات النبيذ والويسكي وطاسات الجعة في كل الاتجاهات، وكان نصيب القصف سقف أكواخ القبيلة البلاستيكي الذي هم انفسهم أفراد ساكنيها، وكان الامر أشبه بانتحار ذاتي، كان الخلاف قد نجم بسبب من نفس الخلافات في السكر، ذلك الشكل من أشكال تمثيل الحماقة كما يقول بعض الجديين الفرنسيين: "السكر نوع من الخروج عن العادة، عن الروتين العملي، عن الجد والجدية وممارسة بعض الحماقات المضحكة"، لكن عند قبيلة اكواخ البلاستيك يبدو كما لو كان تصفية حسابات، نجم الخلاف عندما زار "بوشواقر" قلعة الأكواخ لإنزال بعض من سكانيها، كان "بوشواقر" هذا في كل ايام العطلة الأسبوعية يمارس مهنة سائق "سيارة أجرة" ، بسبب من انعدام وجود النقل الحضري في بحر البلاستيك، يتكلف هو وبعض المهاجرين الآخرين بتأدية الواجب من نقل العمال المهاجرين قاطني الأكواخ البلاستيكية إلى التسوق، خصوصا في عشية السبت حيث تنتعش اسواق إلخيدو بزبناء من طينة أخرى، وفي الليل يقوم هؤلاء، أصحاب سيارة الأجرة غير القانونيين، بنقل زبناءهم أيضا إلى سوق المومسات المهاجرات والمتواجد ب"لاموخنيرا"، مومسات من درجة "جوطية" بأثمنة متناسبة مع أجور العمال المهاجرين، وكان خلاف "الجنيرال اعبابو" (هكذا كانوا يلقبونه) نجم على خلفية أن "بوشواقر" اخل باتفاق سابق مع الجنيرال عندما كان في مهمة تسوق إلى سوق المومسات، لقد اتفقا على وقت أن يعيده "بوشواقر" من السوق الموخنيري، لكن هذا الأخير لم يلتزم باتفاقه بسبب قال عنه أنه كان بسبب صفقة لا تعوض، حصلت له صفقة "كورسى" بثمن مناسب فرض على اعبابو أن يترجل أكثر من سبع كيلومترات إلى "لاس نورياس" ومن ثمة أربع كيلومترات اخرى إلى كوخه وهو في حالة سكر لا يغفر لها بسبب النبيذ وعطر المومسات، وكان من حظه، أو من سوء حظه ان أوقفته دورية الحرس المدني بالطريق وهو خارج من "لاموخنيرا"، وبعد تفحص بيانات أوراق إقامته، اتهموه في البداية بأنه متابع لكونه ينتمي إلى منظمة إرهابية جهادية مما جعله ينتفض ويعلن صاخبا أنه مثلهم عسكري مغربي بشكل من الإستعطاف المستأنس كون مهنة الجندية تمثل قاسم مشترك بينه وبين رجال الحرس المدني، وبعد أخذ ورد فرض على الحرس المدني التأكد من بياناتهم، أكدوا له أنه متابع من طرف قضاء "مورسيا" بسبب سرقة دجاج رياضي (دجاج من مزرعة غجرية كان يستعمل للملاكمة قصد الرهان بالمال)، وعليه يجب أن يبيت في المخفر وتقديمه في ما بعد لقضاء "إلخيدو"، أخبروه بان المسالة ليس فيها سجن ولا تعدو اكثر من أمر روتيني، لكن بعد الترغيب والتثمل الباهظ الوطأة والمواساة بحياة "الميليتير" (الحياة العسكرية) اقترحو عليه إصاله إلى كوخه بشروط هي: أن يلتزم بالذهاب إلى قضاء إلخيدو يوم الإثنين وان يمنحهم 50 يورو ثمن نقله إلى كوخه، وكان قد قبل الأمر بدون تردد.
عندما أقبل بوشواقر في ذلك المساء الصاخب إلى قبيلة الأكواخ لينزل بعض المتبضعين، تذكر فيه "الجنيرال" كل مصائبه، أخبره بان اخلاله بالإتفاق كاد يتسبب في أن يكون ضحية سجين متهم بالانتماء للقاعدة الإرهابية، بدأ حوارهما بنوع من العتاب واللوم إلى مزايدات فارغة مرورا بالقصف العشوائي بالزجاجات حيث سيلهب الوضع جميع سكان القبيلة وانتهاء بإشعال النار في كل الأكواخ، ولم يستطع كل هذا الشباب الطامح الذي يقطن هذه الاكواخ إطفاء الحريق بسبب خطأ انفعالي، كان أحدهم قد اتصل هاتفيا بالحرس المدني للإبلاغ عن حريق، فهرب الجميع عندما علموا بالأمر لانعدام وجود وثائق الإقامة الشرعية لأغلبهم وتركوا النار التي بدأت في كوخ "الجنيرال" تلتهم كل الأكواخ.
في اليوم التالي سيتدبر كل عنصر من عناصر قبيلة الأكواخ مصيره وسيبقى "الجنيرال" وحده بدون مأوى بسبب من خصوماته مع الجميع، لم يجد مكانا يقضي به بقية أيامه، وكان يبيت كل لياليه في الساحة الخالية المجاورة إلى أن جاء يوم ممطر اضطره ليختفي من المطر في أنبوب قناة تصريف مياه الفيضانات التي تركها فيضان سابق بالساحة، وبقي على تلك الحالة حتى جاءه ملاك ألمانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني