الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجسس وعلمانية الدولة

كمال آيت بن يوبا
كاتب

(Kamal Ait Ben Yuba)

2018 / 8 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني





.. تنبيه : سنتحدث هنا عن الأديان بصفة عامة و لن نتطرق لتفاصيل علاقة الأديان بمعلومات العلم الحديث أي هل معلومات الأديان خاطئة أو غير ذلك حسب تلك المعلومات .

يمكننا تعريف التجسس كنشاط بشري سري يتم بوسائل مختلفة قصد الوصول لمعلومات عن أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو منظمات و دول أو عن بعض الأنشطة المختلفة المستهدفة فقط لكل هؤلاء دون إخبارهم أوأخذ الإذن منهم أو ربما بطريقة لا تخلو من وقاحة قد تستهين بالذكاء أو تحاربه في الدول المتخلفة و الديكتاتورية يقوم بها لزوما أشخاص قد يكونون منحرفين لأن طبيعة هذا العمل قد ينظر لها على أنها مدانة أخلاقيا .
ومن المعلوم أن التجسس صار علما حديثا و بحرا من بحار المعلومة و التكنولوجيا المتطورة في العصر الحديث .وقد يقوم به للهواية أفراد عاديون أو يمتهنه أشخاص محترفون أو جماعات معينة كالجمعيات أو الأحزاب أو ماشابه ذلك لهدف ما أو قد تقوم به بعض أجهزة الدولة الحديثة المتخصصة .
في أيامنا هذه الموبوءة بتصاعد الإرهاب و الحركات الإجتماعية التي تنذر بتقويض أسس الدولة و تصاعد وتيرة خرق القوانين سواء من طرف الأفراد أو الجماعات ، صارت الحاجة للتجسس بالنسبة للدولة الحديثة أمر لا مفر منه لتسيير وضبط الأمن وحماية المواطنين من الخارجين عن القانون أو للوقاية من المخططات الإرهابية أو للإستدلال على المسؤولية من خلال توفير الأدلة عند خرق القوانين بشكل عام.و هدفه هو توفير السكينة والهدوء في حدود الدولة و الدفاع عن مؤسسات هذه الأخيرة ضد الأعداء و الأخطار الخارجية .بل هناك تعاون إستخباراتي بين دول مختلفة بإتفاقيات ثنائية أو جماعية قصد تبادل المعلومات بشأن الإرهاب أو التهريب (تهريب المخدرات و البشر و غيرهما) أو الهجرة غير الشرعية مثلا و غير ذلك .

و هناك دول قننت التجسس داخل حدودها بحيث جعلته يتم وفقا للقانون أغلبها دول ديموقراطية علمانية غير دينية .لكنها تعترف بأن الحرية الشخصية صارت بهذه القوانين يُطرح حولها التساؤل .بل في بعض الاحيان يتم المس بهذه الحرية حتى لأشخاص لا علاقة لهم لا بالارهاب و لا بغيره مسا خطيرا لا مبرر له على الإطلاق في الحالات التي تكون أسبابها سياسية محضة في الدول الإستبدادية ...

في الدولة التي تقول دساتيرها أن دينها الإسلام المشكلة تكمن في الإعتراض الذي يمكن أن يعترض به بعض مواطنيها الذين قيل لهم أنهم مسلمون دون أخذ رأيهم في ذلك و صاروا يعتبرون أنفسهم مسلمين من خلال السؤال حول نص "يعتبرونه مقدسا" يقول " ولا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا " و هو : كيف تقولون أنكم تقدسون هذا النص ثم تقومون بالتجسس ليل نهار على المواطنين ، أليست هذه مخالفة واضحة وصريحة لما تقولون انه مقدس ؟

هذا الإعتراض منطقيا صحيح . لكن ضرورة التجسس للدولة كما أسلفنا لا غبار عليها من حيث الحاجة و الأهداف .هذه الضرورة ملحة لإستمرار خدمات الدولة للمواطنين و ملحة لاستمرار اشتغال هياكل الدولة نفسها و حتى لاستمرار الدولة كرمز للتنظيم و كشخصية معنوية يمكن إستهدافها كل الوقت ومن طرف أي كان.

و لأنها شخصية معنوية ولتجنب ذلك الاعتراض أو لعدم السقوط في التناقض المحرج في السياسة فالمفروض أن لا يكون لها دين أي أن تكون علمانية.هذا لا يعني أن لا يكون لمسؤوليها أو لمواطنيها دينا . لكن ممارسة المسؤولية والسلطة تتم وفق القوانين و ليس وفق الدين و نصوصه . بمعنى آخر يجب كما يقول المنطق فصل السياسي عن الديني و ليس إلغاء الدين .لكن في أطار حرية العقيدة لا يجب أن تستعمل هذه الحرية الدينية للدعوة للعنف أو الكراهية أو العنصرية أو الحرب .

في هذه الحالة أي في حالة الدولة العلمانية يصبح ذلك الإعتراض الذي قدمناه على شكل سؤال حول التناقض بين النص الديني و ممارسة التجسس الضروري للدولة غير ذي موضوع .لأن الدين و نصوصه سيصير في هذه الحالة يخص الأفراد و علاقتهم بما يعتبرونه دينا نافعا في حياتهم الشخصية (بغض النظر عن نفعه الفعلي من عدمه) و ليس حينما يكونون بصدد ممارسة أي نشاط يدخل ضمن عملهم في مؤسسات الدولة .و لهذا فأي مناقشة لحياتهم الشخصية الدينية خارج نشاطهم هذا لا يجب أن تهم الدولة . وإذن لا يجب سؤالهم عن الدين عندما يتقلدون مسؤوليات في الدولة و إنما عن الأنشطة التي تدخل ضمن إختصاصهم و مجالهم المكلفين به لا غير. و هذه هي حدود مسؤولياتهم .

و لهذا الغرض يصير منطقيا و ضروريا خلق وزارة خاصة بالعلاقات مع الأديان داخل حدود الدولة و ليس وزارة خاصة بلون واحد من الأديان حتى لا تكون الدولة عنصرية تجاه الأديان الأخرى .لكن هذه الوزارة لا يمكن سؤال وزيرها مثلا عن أنشطة دينية قام بها مواطنون وفق إرادتهم الحرة و هم في كامل وعيهم و لقوا فيها مشاكل تتعلق بالدين داخل حدود دولة أخرى ...لأن الأمر سيصير مثل سؤال الوزير عن نشاط مواطن ذهب بكامل حريته و إرادته لممارسة صيد الفيلة في إفريقيا الوسطى ثم دهسه فيل هناك..فهنا لا مسؤولية للوزير عن أسباب ما وقع ....أما نقله لبلده اذا كان ذووه يريدون ذلك فهذه مسألة أخرى ..

و حتى لا أطيل على القارئ الكريم فهناك مواضيع و أسئلة أخرى تدخل ضمن نفس موضوع التناقض حينما تكون الدولة دينية مثل تلك الأسئلة التي طرحها أحد المواطنين المغاربة في سنة 2011 من خلال فيديوهات وهو داخل السجن في المغرب لأسباب تتعلق بالإرهاب -و لحسن حظه بقي على قيد الحياة لأنه لو بقي في أنشطته الإرهابية و ذهب لسوريا أو العراق أو ليبيا ربما لكان اليوم تحت الأنقاض - و منها السؤال"لماذا يعلموننا أن الجهاد (الذي يعني الحرب في نظره رغم أن الفعل "جاهد" في العربية لا يعني ذلك ) واجب في الإسلام ثم يحاسبوننا عليه؟"، فأعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة للمسؤولين على دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط أينما كانوا في هذا العالم ،متحلين بكل الشجاعة و الأمانة التاريخية الممكنة لإعلان حيادية الدولة الشخصية المعنوية أي علمانيتها كبداية لبناء الدولة الحديثة في منطقتهم على أسس عقلانية و منطقية تنتمي لحضارة القرن 21 وإعلان نهاية الدولة الدينية القديمة حتى يزول الحرج و التناقض و يحل محله الانسجام العقلي و النفسي لتبدأ صفحة جديدة في التاريخ تخلد إسمهم كمؤسسين للدولة الحديثة في هذا المنعطف التاريخي الجديد الذي ستدخله المنطقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | مع وئام وهاب - رئيس حزب التوحيد العربي |


.. 12345




.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع