الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر صفاء ذياب، ودلالات المكوث، رغم اوجاعه التليدة !!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 9 / 1
الادب والفن


اعتقد ان الوجع العراقي ترسخ منذ سلالاته السومرية، وبقي يتناسل عبر العصور والازمان، واليوم يطالعني ديوان (سلّم قديم تآكلت اضلاعه)1 للشاعر صفاء ذياب، واظن ان الشاعر بعد لحظاته الشعرية المتوهجة في عوالم اللاشعور، عاش بعد ذلك اجواء القصدية في توجيه العنونة دخولا الى متون الديوان، ورسم لنا لوحة موجعة، الا انه استدرك الوجع ببحث جمالي، حاول من خلاله اثبات حساسيته الشعرية وتمسكه بالحياة .. اذن البحث عن فكرة المعنى اخذ مسارين : الاول قبل الشروع بالكتابة وأثناءها، والثاني بعد الكتابة، بمعنى ان القصدية ترافق الشاعر في القبل والبعد، ولكن قد تختفي القصدية في طرق خفية اثناء الكتابة، ثم تظهر بصور مختلفة بعد الكتابة، ثم تضاف لها خبرات وتجارب القراء، فتتنوع المعاني بتنوع المقاصد .. وفي العنونة نجد ضربتين موجعتين الاولى سلم قديم، والثانية تآكلت اضلاعه، وكلا الضربتين تظهر الضعف والوهن، ثم سلسلة اخرى من الضربات الواهنة في متون الديوان .. يقول في اضاءته الافتتاحية :

(حين متّ ..
كانت هناك
بالقرب من مقبرتي حديقة ورد
ذات يوم
جرفني سيل اليها
فازهرت.)

وبين فعل الموت وفعل الازهار مساحة خلقها الشاعر قصديا، ليثبت انه لم يمت الدليل في هذا ان صفاء ذياب يمتلك هوية معلومة وموقف ثابت من ناحية الوعي ويمتلك حساسية شعرية حاملة لهمّ البحث عن الجمال، لذا هو يمسك بزمام الحياة، وهكذا يبقى يمسك بقوة من خلال الفكرة الخضراء التي تجول برأسه، والشيء بالشيء يُذكر، فان اللون الاخضر ـ كما نعرف ـ جاء مزيجا من اللون الاصفر الذي يعني وضوح العقل، واللون الازرق الذي يعني الهدوء العاطفي، وبالتالي هذا المزيج خلق اتزانا بين العقل والقلب في خواطر الشاعر.. فحينما قال في قصيدته (فكرة خضراء) : (بينما يرسم ولدي حركة الريح/والهواء الذي عبّأه برئتيه قبل ان يختنق/جالت برأسي بفكرة خضراء.)، فهو يشير الى ثبت اخر دونه في نهاية الديوان، وبقصدية واضحة ايضا اراد ان يقول انه ابن لحضارة لها عمق تاريخي، وهذه الحضارة هي التي تتحدث، فأنا احد ابنائها في عصر العولمة ولا انسى جذري التاريخي، والثبت في اخر الديوان يقول : (انا ابن الطين، عُرفت باني اسلخ الطين عن جسدي، وماكل هذه الارض سوى بضعة مني ...)، وبأشارة قصدية واضحة تساءل الشاعر: (هل كان كلكامش، هذا الشاب السومري، يعلم بانه سيتحول الى كُسر طينية؟ وان قدميه ستطولان حتى تصلا الى كل هذا الزمن الموغل في المستقبل ... وان بكاءه على انكيدو سيوزع على ست قارات وباكثر من خمسين لغة؟)، هذا الترابط يؤكد بان ديوان (سلم قديم تآكلت اضلاعه)، هو نص واحد تخلق وولد من وجع فكرة خضراء جالت في عقل الشاعر، غير انها اخذت البحث الجمالي طريقا لها في الظهور .. هذه الحالة من حالات الابداع تسمى "الانفعال العقلي"، يقول عنها الناقد عبدالله الغذامي : (انها حالة انفعال، وهذا يضمن للنص شرط وجوده الجمالي، ولكنه ليس انفعالا عاطفيا، انما هو انفعال عقلي، أي ان العقل يسعى لكي يستعير من العاطفة احدى صفاتها وهي "الانفعال". انه نوع من الخلط بين الوظائف العضوية للانسان، فكما قامت الرمزية على تراسل الحواس، فان الشعر ـ هنا ـ يقوم على تراسل الوظائف. انه نوع من تدجين العقل وترويضه ليكون "انسانيا" او هو ترقية للعاطفة وترفيع لها لتكون انتظامية ومهذبة.)2، وهنا القصد توظيف الجمال توظيفا نصوصيا، لجعل النص اشاري حر الدلالة، بمعنى قابلا للتأويلات وليس قارا، (وبما هو من إنشاء العقل والخيال معاً، فهو ليس وصفاً أو محاكاة فقط، وليس انعكاساً ساذجاً للواقع؛ إنه خلق وإبداع في حقيقته وجوهره، يستغرق الواقع والممكن معاً.‏)، مما يثير حالة شراكة تترسخ عبر مسار القراءات المتعددة (وامام هذه الشراكة الحداثوية يتوزع المؤلف والمتلقي الى مدرجين: الاول قدرة المؤلف على الابتكار والثاني قابلية القاريء على خلق المعنى او ما نسميه الاسترداد)ص103، فهو القابل ان يكون الابتداء بمثل ان يكون الانتهاء، فيكون دائريا، وهذه سمة من سمات النص المفتوح، ثم انها تؤكد ((ان التجربة الشخصية للشاعر هي المنجم الحقيقي، لشعره وان كل تجريب “لغوي” او رؤيوي يتجاهل هذا المنجم فانه يذهب بعيدا عن الشعر ولا يقترب)3، ويستمر الشاعر في قصيدة (العراقي)، مؤكدا بحثه الجمالي وملاذات نمو الحياة بقوله :

(كل مساء
يخلع اقنعة ويندس في سرائره
كان يدنو من الزنابق
يحمل الطير على كتف
وعلى الاخرى حديقة.)

فذكر الشاعر الزنابق، وهي من أجمل النباتات المائية الطافية وتنمو بسرعة إذا ما توافرت لها البيئة المناسبة، ولنبات الزنابق جذور طويلة تمتد حتى الأرض، حيث تتغذى على المواد العضوية، ثم الطير ليعطي حساسيته مجسات التحليق، فالطيرأحد مفردات الطبيعة التي تؤثر في وجدان الناس فما بالك بالشاعر؟ فالشاعر كالطائر يعشق التحليق وارتياد آفاق جديدة، والطائر له جذور تراثية قديمة منحته في كثير من الأحيان درجة التقديس وثياب الحكمة والورع وروح الخصوبة والحياة الدائمة، وما بين الماء والسماء والارض حيث الحديقة، حلق الشاعر بهذه الاجواء المختلفة، ليثبت معنى الحياة، رغم اوجاعه التليدة من سلالات سومر حتى اليوم،يقول في قصيدة (ايتها القصيدة التي لاتجيء الا بالعصي) :(كلما برحت نجمة/اضاءت يواقيت المساء منازل/وانتِ التي لاترجمين سوى قميص مبقع/تأفلين خلف ضباب المكوث، وترقصين).. اذن الضوء والمكوث دالتان اخريان على اصرار الشاعر صفاء ذياب على حب الحياة والجمال..

هوامش البحث :
1 ـ ديوان (سلم قديم تآكلت اضلاعه) للشاعر صفاء ذياب/منشورات اتحاد الادباء والكتاب في البصرة/2017م

2 ـ كتاب (تشريح النص) عبدالله الغذامي / المركز الثقافي العربي الطبعة الثانية 2006م ص55

3 ـ كتاب (استرداد المعنى) /عبدالعزيز ابراهيم / دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد الطبعة الاولى 2006م ص103

4 ـ كتاب (أسئلة النقد) جمال جاسم أمين / الموسوعة الثقافية 12 ـ دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط1 2004م ص42








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج