الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرأة في المشهد السياسي التركي ..!

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2018 / 9 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


من المؤكد ان الازمة الراهنة التي تشهدها تركيا جعلتها في دائرة الغضب الامريكي الشديد لكنه غضب له حساباته السياسية لايتعداها كثيرا وفقا لمنظور الأمن الامريكي حيث تركيا عضو في حلف الناتو وبها اكبر قاعدة عسكرية امريكية منذ خمسينات القرن الماضي ،وتقدم خدمات كبيرة تساعد في التغلغل الأمريكي داخل المنطقة ..وللعلم تركيا كما ايران لا تريد امريكا تدمير النظام والدولة فيهما بل تريد تغيير السلوك السياسي للنخبة الحاكمة ودورانها في اطار توافقات كاملة مع الاجندة الامريكية التي يجري تنفيذها في الشرق الاوسط .
وبالتالي لامجال لان تكون لتركيا وايران فضاءات خارج حدودها دون تنسيق مسبق مع امريكا ناهيك عدم التعرض لأي امريكي اكان مواطن او جندي او جاسوس.(للعلم إسطنبول مثل كل المدن العربية والاوربية مقر مهم لمختلف جواسيس امريكا وروسيا والاتحاد اوربي وإسرائيل وهو امر له استمرارية من خمسينات القرن الماضي )..
ولما كانت تركيا المعاصرة دولة ذات توجه اسلاموي لها حضور محدود عربيا ولا تستطيع ان تكون القوة الاقليمية الاوحد في المنطقة لمنافسة من السعودية ومصر وايران الا ان النزعة الشعبوية لأردوغان ونظامه وهي ترتكز على نزعة طورانية منافسة للنزعة العروبية بقوميتها كما هي منافسة للنزعة الفارسية بالتوجه الإيراني لاتكل من السعي الحثيث لتصدر المشهد السياسي في الشرق الأوسط كزعيمة وقائدة وهو امر لا يتحقق حضوره لكنه يبقى حلم كبير لاردوغان وحزبه نظرا لافتقاده الأسس الموضوعية اللازمة لذلك الحضور وفق شروط المنطقة وطبيعة المشهد السياسي المتحرك فيها ..ومثلها تذهب ايران وهي دولة ذات توجه اسلامي مذهبي توغلت يدها في عواصم عربية متعددة نحو فرض هيمنة كبيرة في المنطقة بالاتكاء على تفوقها العسكري مقابل جيرانها الأقل عدد في الديموجرافيا والقوة المسلحة .
كلاهما تركيا وايران قدمتا دعما كبيرا لأمريكا في غزو افغانستان والعراق وكان لامريكا معها تنسيق سياسي وامني واستخباراتي لايزال مستمر..
اليوم ترامب بنزعته الشعبوية ذات التوجه اليميني لا يريد معارضة من دول يراها تابعة لأمريكا وليس حلفاء لهم خصوصية في الشأن السياسي .. ترامب يزعق مخاطبا ناخبيه انه يستطيع حماية مصالحهم واسكات اي صوت معارض له خارج الاطلسي والا اوقع به عقوبات متعددة .. واردوعان يزعق في ناخبيه ظنا أنه يستمد قوته منهم ولهذا يقول انه يواجه بشخصه وحزبه ودولته مؤامرات حتى من اقرب حلفائه ..
الجدير بالذكر ان الازمة الاقتصادية الراهنة لا ترجع الى عقوبات امريكية حديثة بل الازمة سابقة لذلك ترتبط بطبيعة السياسات العامة والاقتصادية خصوصا ولامجال لعلاجها الا من خلال قوانين الاقتصاد والسياسة المالية وليس عبر خطابات شعبوية . وجزء رئيسي في حل ازماتها يكون عن طريق الخارج الاوربي والعربي وامريكا ذاتها ولذلك لا تستطيع تركيا الخروج من الناتو لان مطمحها الدخول الى السوق الاوربية وهذه الاخيرة لها شروط كما امريكا لها شروط ، وهو امر يضع قيود كبيرة في أساليب الاختلاف التي تبديها تركيا تجاه أمريكا واوربا ويضع حدودا له أيضا .
واذا كان النظام الايراني الحديث الذي تشكل في ثلاثينات القرن الماضي وتطور قليلا في حقبتي الخمسينات والستينات صنيعة امريكا ليكون شرطيا حارسا لمصالحها في المنطقة فان الامر ذاته ينطبق على تركيا حيث النظام التركي الحديث منذ منتصف العشرينات من القرن الماضي كان صنيعة غربية ومنذ الخمسينات تلقى دعما امريكيا كبيرا واصبح صنيعة أمريكية ..
وللعلم في كلا البلدين حدث تغير دراماتيكي ، ففي ايران تغيرت الدولة والسلطة نحو نظام ولاية الفقيه واعلان العداء لأمريكا ، هنا تحولت أمريكا سريعا نحو تركيا لتعلن منها نظام بديل يخدم المصالح الامريكية ، ولذلك تخففت قيود العسكرية العلمانية لتسمح للإسلاميين بالحضور السياسي تدريجيا وصولا الى منصب الرئاسة ضمن خطوط تم التوافق عليها مع العسكر وامريكا والنخب الاسلامية ..
الإسلاميون الاتراك نجحوا وفق جهود كبيرة منهم في سياق نظام سياسي علماني مكنهم من فضاء ليبرالي فاتجهوا نحو القاعدة الشعبية لمخاطبتها بحقوقها الاجتماعية والاقتصادية ولم يرفعوا يوما شعار الإسلام هو الحل ، ورغم الإقرار بما اسلفنا كان الامريكان والعسكر موافقين على الحضور الإسلامي بنزعته البراجماتية المتوافقة مع المنظور الأمريكي والذي تتعدد أهدافه منها تكوين حلف إسلامي سني ضد الهلال الشيعي وقد تم التعبير عن ذلك من اكثر من رئيس عربي .
لا تستطيع تركيا معارضة أمريكا ومعاندتها طويلا نظرا لضعف الاقتصاد التركي وتعرضه لاهتزازات مدمرة ، إضافة الى رغبة تركيا في الالتحاق بقطار اوربا الموحدة اقتصاديا ، وهذه الأخيرة لها شروط لابد وان تتوافق مع الاجندة الامريكية .. وللعلم أمريكا لاتزال تنظر لتركيا كبديل سياسي وتوجه ديني مقابل ايران بتوجهها السياسي والديني مع تشكل اصطفاف عربي داعم للتوجه نحو تركيا مع وجود اصطفاف اخر ولو محدود مع ايران .
إضافة الى ذلك يمكن القول ان تركيا وايران لهما حضور كبير في اسيا الوسطى –الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي ولهذا موقف روسيا لا يستطيع الا ان يكون حاضرا وفاعلا مع طهران وإسطنبول خدمة لمصالحه السياسية والاستراتيجية ، زد على ذلك متغيرات الحضور الروسي في سوريا ودوره الفاعل كلاعب رئيسي احتكر تنظيم قواعد اللعبة وشروطها كما احتكر قواعد الاشتباك وحدودها . وان كانت روسيا تعتمد تنسيقا سريا وعلنيا مع أمريكا الا ان لها تنسيقا متعدد الصور والأساليب مع ايران وتركيا المتواجدتين ميدانيا داخل الأراضي السورية .
من هنا يجب قرأه الازمة الاقتصادية التركية في أسبابها ومظاهرها كانعكاس لهذا المشهد السياسي العام ولمتغيرات داخلية أعقبت الانقلاب وما تلاه من اعتقالات واسعة خاصة ونحن نعرف ان السياسة ليست الا الاقتصاد المكثف بعملياته وإجراءاته ومشاريعه ، ومن هنا لا فصل بين السياسي والاقتصادي بل ترابط عضوي لا تنفصم عراه ..ومن هنا لا يمكن القول بنظرية المؤامرة الذي تردد كثيرا من سياسيين اتراك منهم اردوغان ذاته .
ووفقا لذلك فالخطوات اللازمة لحل الازمة الاقتصادية ستكون مالية واقتصادية وسياسية بدءا من تقشف الحكومة التركية ومحاربة الفساد وفرض ضرائب على السلع الأساسية وعلى كثير من الخدمات مما يقلل من الإنجازات الاجتماعية التي كانت علامة للإسلاميين وهنا ستتزايد الازمة والمتضررين منها ..
والهدف من الإصلاحات الاقتصادية زيادة حصة الحكومة من الأوراق المالية خاصة وان ميزان التجارة العامة يؤشر بقلة الصادرات وكثرة الاستيراد فالحجم التجاري يصل الى 390 مليار ، ثلثه فقط تصدير والباقي استيراد مما يجعل تركيا خاضعة للعملات الأجنبية خاصة الدولار ومنفتحة تجاه الأسواق الأجنبية التي تتعامل بالدولار أساسا .
ولا تستطيع تركيا الاستجابة لأمريكا تجاه العقوبات ضد ايران لأنها تحصل على قسط كبير من الموارد النفطية الإيرانية بسعر منخفض والميزان التجاري بينهما تتسع فيه حجم المبادلات طوال العام و تضاؤل الدعم السعودي والاماراتي بل وغيابه وتشكل موقف مضاد للنظام التركي اصبح معلنا .. وتزايد هذا الموقف وفقا للعلاقات الجيدة بين تركيا وقطر كما ظهرت في الازمة الراهنة.
وللعلم تركيا كما ايران والسعودية تعاني من ارتدادات الازمات الراهنة في دول الربيع العربي التي انعكس بصورة أزمات متنقلة سياسيا واقتصاديا وازمات ثقة بين النظام والدول وصولا الى حصار وقطيعة بين بعضها ، لكنها جميعا لم تستطع النجاة من مشهد الازمات المتنقلة والتي تتداخل فيها الأسباب الذاتية بالموضوعية ، الداخلية والخارجية ،، مما يجعل أي محاولة للحل او العلاج لا تكون ناجحة الا من خلال فهم واستيعاب الازمات في عموم المنطقة في تداخلاتها وتقاطعاتها ، فنحن نعيش في مرحلة تتسم بتكثيف العلاقات المتداخلة بين الدول والمجتمعات سياسيا واقتصاديا وامنيا بل ورمزيا ومن ثم لامجال للحلول والاستقرار الا من خلال استراتيجيات عامة وفي جزء منها خطط وبرامج محلية تخص كل دولة .

الازمة الاقتصادية التركية اذا استمرت لمدى أطول قد تكون مؤشر لنهاية العثملية الجديدة بثوبها الاسلاموي فاتحة الباب لنظام سياسي جديد يتوجه نحو اوربا مع الاحتفاظ ببعض المعاملات والاتفاقيات مع روسيا .. مع ان احد حلول الازمة الراهنة لتركيا هو بإعلان توجهها شرقا نحو روسيا والصين والدعوة لخلق تكتل اقتصادي بل وسياسي اذا امكن إضافة الى توجهها نحو الهند وباكستان والدول العربية ناهيك عن دول اسيوية أخرى بل ولاتينية أيضا ..
ولان النظام الدولي الراهن لايزال تحت تأثير هيمنة القطب الواحد فكثير من الدول تتعرض لازمات وفق علاقاتها مع أمريكا بغياب قطب سياسي واقتصادي اخر .. وربما كل هذه الازمات مع أزمات اوروبا ذاتها مع أمريكا تسرع بظهور قطب اقتصادي جديد يشكل واجهة سياسية تقلل من الهيمنة الامريكية ، ولهذا فالتقارب الصيني الروسي مهم جدا ، والتقارب الصيني مع الاتحاد الأوربي مهم أيضا .. وهنا ندعوا الى تشكل قطب اقتصادي وسياسي من دول طريق الحرير لتشكل قوة فاعلة تعادل القوة الامريكية خاصة اذا علمنا ان روسيا واحدة من دول هذا الطريق او القطب المنتظر تشكيله .
وللعلم الدول العربية تتعرض لاهتزازات سياسية واقتصادية كبيرة قد تزداد سوء خلال العام المقبل خاصة وان السياسات العامة لا تتجه نحو مصلحة المواطن الذي يئن تحت أزمات متعددة من غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة خاصة السلع الرئيسية من الغذاء والدواء وكلفة التعليم العام ناهيك عن زيادة معدلات البطالة والفقر مع ضعف الهامش السياسي وتقييد فضاءات الحرية اللازمة للتعبير العام ..
ومعنى ذلك ان المنطقة كلها تعيش على صفيح ساخن سياسيا واقتصاديا ودون حلول جريئة وحاسمة وهو امر يتطلب تكتل سياسي واقتصادي برؤية جديدة منفتحة على متغيرات العولمة وابعادها المستقبلية . ولكن الأهم في هذا المشهد ان الازمات نتاج تراكم داخلي لمتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية تعكس سياسات الحكومة وتوجهها نحو الداخل المتعدد دينيا وثقافيا وقوميا وحزبيا والذي تتسع فيه حجم الطبقة الوسطى ذات النزعة الليبرالية مع نخب سياسية وحزبية وارباب العمل الخاص والشركات الرأسمالية ذات النزوع نحو الغرب مع حجم سكاني يتزايد عددا من تيار الإسلام السياسي.
وهنا لا تستطيع الحكومة ذات التوجه الإسلامي ان توجه تركيا بكل تعدد وتنوع سكانها وطبقاته نحو وجهة ايدولوجية واحدة ونحو مواقف محدد خارجيا هنا يجب الإشارة الى أزمات النظام الاردوغاني مع المسألة الكردية وتوغله غير الناجح في سوريا والعراق وضعف قدراته في المواجهة نحو زعامة المنطقة بمنافسة ايران والسعودية ومصر ودور هؤلاء المعكوس في اضعاف الدور التركي خارجيا وتقليل الدعم الاقتصادي او حجبه نهائيا كما في دور السعودية والامارات .
اذا .. الازمة التركية التي تنعكس في المشهد السياسي ليست نتاج العقوبات الامريكية المستحدثة فحسب بل هي ايضا نتاج سوء إدارة الملفات الداخلية والخارجية وفق متغيرات كبيرة وصادمة لم يتم قرأتها واستيعاب دلالاتها..
ولا ينفع الخطاب الشعبوي في وضع حلول ومعالجات للازمة الراهنة بل مزيد من الحوارات مع الخارج الإقليمي والدولي وانفتاح سياسي في الداخل من اجل إيجاد مساحات كثيرة لتوافقات سياسية واقتصادية وخلق مساحات للعمل المشترك ثم التعبير الليبرالي نحو الداخل بعيدا عن نزعات دوجماطيقية لا تولد سوى تراكم الازمات الامر الذي يمنح الخارج فرص للتدخل في المشهد السياسي التركي الذي قد يكون عرضة لتغيرات مفاجئة في القريب العاجل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا