الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الأول 1

دلور ميقري

2018 / 9 / 1
الادب والفن


ربيعاً كان الوقتُ، وإنّ " سيامند " موجودٌ في مراكش منذ نحو الشهر لهدفٍ لم يعُد له أساس. في المقابل، كان احتمالُ عودته إلى دمشق أكثر استحالة ولا منطقية.
على أيّ حال، إنه لا يشكو من قلة الموارد أو من مشاعر الغربة. بل وهوَ بصدد البدء في مشروع تجاريّ، على الرغم من أن فكرته عنه ما تنفكّ في الحدود الأدنى. أما موهبته في تبذير النقود، بحَسَب تعبير صديقة سويدية، فلا يضارعها أحدٌ؛ في المدينة الحمراء، على الأقل. بكلمة أخرى، إنه مُحدث نعمة. بوسعنا أيضاً إضافة ملحوظة في هذا الشأن، وهيَ أنّ الشاب القادم من دمشق كان متلافاً لثروة والدٍ عاشَ حياة الحرص والشح. وفي التالي، كأنما الشابُ كان ينتقمُ لنفسه وأسرته.. ولكن على طريقته.
لقد آلت إليه عقارات أبيه، وعلاوة على ذلك، ما يضاهيها من أملاك أخيه الأكبر، المودع في مستشفى الأمراض العقلية. هذا الأخير، كان قد ورث أمه الراحلة ثم ما لبث مع تدهور حالته الصحية أن صارَ يوقع للأب على أوراق رسمية لم يفقه شيئاً عنها بطبيعة الحال. بدَورهما، فإنّ أخويّ " سيامند " من أمه حرما من ميراث زوجها فضلاً عن حصتها بنفسها. كونه يدرس المحاماة في الجامعة، استطاع الابن الأصغر إقناعَ الأم بكتابة وكالة عامة باسمه متحججاً بالقول: " من الضروري أن أملك هكذا وكالة، كي أتمكن من رعاية مصالح الأسرة دونما أن أجشمك في كل مرة عناءَ الهرولة في أروقة الدوائر الحكومية! ".
ولو شئنا إنصافَ الشاب، دونما حاجةٍ لإقحام العاطفة، ففي الوسع التعويل على ضميرٍ كان قد صحا على غرّة مع عويل الأم، الذي تصاعد ذاتَ يوم على أثر ورود الخبر المشئوم: انتحار أخيه غير الشقيق، " فرهاد "، ثمة في العاصمة السويدية. قبل ذلك بعامين، كانت شقيقته " شيرين " قد رسمت نهاية مماثلة لحياتها، هنا في المدينة الحمراء. الأم المسكينة، الثكلى، هيَ مَن ألحّت على " سيامند " بالسفر إلى المغرب سعياً لاسترداد ابنة أخيه " خجي ". ذلك كان قد جرى، مباشرةً على أثر ورود رسالة من مراكش، مغفلة التوقيع، تنبئ بكون الطفلة محتضنة من لدُن أسرة مُحسنة بعدما سبقَ واختفت والدتها في ظروف غامضة.
سلفاً، سبقَ أن علمنا بتلك التفاصيل. وإنها نفس السيّدة السويدية، مَن تعهّدت تذكرة رحلتها إلى المدينة الحمراء إحاطتنا بما هوَ أكثر من ذلك. وعليها كان أن تضعَ نقطة الختام، كي تتيح لصديقها " سيامند "، المتخلّف في المدينة، فرصةَ إكمال السيرة.. هذه السيرة، التي علمنا كذلك أن آخرين أسهموا فيها قبلاً: " مسيو غوستاف "، " شيرين "، " فرهاد "، " سوسن خانم ".. بل وحتى صديقها القديم، " دلير "، المتعهّد أولاً تحقيقَ ونشر تذكرة تاريخية تحت عنوان " تاجر موغادور "، أبدى استعداداً لمحاولة جمع شذرات ذلك العقد المنفرط من السيرة المراكشية.
الأنبياء في الشرق، المنحدرة سلالتهم من " ابراهيم "، شيّدوا عقيدة التوحيد وفق تلك الطريقة المتسلسلة ذاتها. إلا أنّ " تينا " كانت لا دينية، حال معظم مواطنيها الأوروبيين الشماليين. في حين أنّ صديقها الكرديّ، " سيامند "، وعلى الرغم من مجاهرته بعقيدته الماركسية، كان سيخرج منه فيلسوفاً قدرياً لو أنه عاش في العصر الذهبيّ للخلافة الإسلامية!

***
كان مضى على إقامته شهراً، ولاحَ أنه سلى أو عافَ أمرَ المهمة، التي جاء من أجلها إلى مراكش. ولقد لوّحَت بشرَتَهُ، شمسُ هذه المدينة، المنقوشة على صفحة سمائها الربيعية مثل رمز مبهم في زربية بربرية. آخر الأمطار الموسمية، المتساقطة هوناً في صباح وداعه للسيّدة السويدية، جعلت مزاجه أشد احتداداً عند الظهيرة وهوَ يخوض بحذائه الرياضيّ في برك الشوارع، الملوثة بالوحل. الغريب، سواءً القادم من المشرق أو الغرب، يتصرف عادةً كسائح في الأيام والأسابيع الأولى من وجوده في المغرب. ثم سرعان ما ينسى هكذا عنعنات، لو طالت إقامته ـ كما شأن مهمة استعادة الطفلة، المتعيّن على بطلنا إهمالها جانباً مذ بعض الوقت ومن ثم إيلاء الاهتمام لشئونه الخاصة.
إنها شؤون، يعرفها " عبد الإله " حق المعرفة. وكان هذا قد ترك صديقه الشاب عند مفترق الكتبية، بعد عودتهما سويةً من المطار: " لا تلزم نفسك بأي موعد مساءً، لأنني سأصطحبك إلى بار 68 للقاء ذلك الرجل المهم "، قال له مبتسماً غامزاً بعينه. اندفع بعدئذٍ الشابُ في مدخل الساحة، محاذراً هذه المرة من تلوث حذائه الأنيق ببول الدواب. في واقع الحال، أن هيئته كلها تعطي انطباعاً للمرء بمدى عناية صاحبها بمظهره الخارجيّ. بيده الفواحة بعطرٍ ثمين، راحَ يمسّد أرنبة أنفه في محاولة لطرد رائحة روث خيول الكوتشي. هذه الدواب، كانت مشدودة بسيورها الجلدية إلى العربات المكشوفة، المنتظر حوذيوها في سأم زبائنهم من السيّاح. مرات عدة، ركبَ الشابُ في الكوتشي مع حبيبته، " زين "، وكان حريصاً على أن يكون الحوذيّ عجوزاً، مخضرماً في مهنته، يعرف من الالماحة الأولى مطلبَ الزبون. أما الفتيات الأخريات، اللواتي أعتاد أن يلمهن من الشارع أو البار، فإنه كان من النادر أن يصحب إحداهن في هكذا مشاوير. كان يمضي معها رأساً إلى العمارة، المحروسة من قبل عملاق قاتم اللون لا يتعفف عن بقشيش الحرام على الرغم من عدم تفويته فرضَ صلاة.

> مستهل الجزء الثاني، الفصل الأول، من رواية " الصراطُ متساقطاً "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة