الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقصّات -4-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 9 / 3
الادب والفن


العصافير تنقر حبّاً من بيدرنا
كأنّها تبارك المواسم
أراقبها. لو كنت عضواً في مجموعتها
نغني معاً للصيف، والنهر، والسّمر
تتشاجر العصافير عندما يحلّ الظّلام
كي تبات في أعشاشها
إنّه قانون العصافير
في حديقة مفتوحة تغصّ بأشجار النّخيل كنت أزورها عندما كان الليل يجافيني، فأشّد الرّحال إلى الحديقة التي ينام على مقاعدها الغرباء. أسند ظهري إلى جذع نخلة، أراقب الكون في الليل حيث الصّمت. أتطلع إلى أسرار السّماء، أشعر بدفء ينتقل لي لا أعرف مصدرة، وأسمع صوتاً يبدو لي كصوت الرّب يباركني.
الليل في الحديقة ليس مملاً كما تتخيّلون. مئة شخص دون مأوى ينامون فيها ولا صوت إلا صوت تنفّس الأشجار. هؤلاء الغرباء. لا يشخرون. يخافون أن يصادر أحداً شخيرهم. أمّا أنا فلست بغريبة على الليل. يعرفني أينما رحلت. إلا الليّلة فإنّني أشعر أنّني لست نفسي. الليلة يتكاتف خصومي في الحديقة، أرغب أن أعود أدراجي، لكن هيهات! أشباح ترغب أن تأخذ بثأرها منّي قبل أن تغادر الأرض إلى السماء . هذه هي المرّة الأولى التي أتعامل بها مع الأشباح. ويحَكم! ماذا تريدون مني؟ حتى أنت يا جدتي؟
. . .
أنا خاتون. تركت قمر منذ فترة. لا أرغب أن تشعر بأنّني عبئاً عليها.
منذ تركتها تحرّرتُ من النّكد.
في إحدى المرات دعتنا صديقتها لشرب القهوة. ذهبت معها، ولما جلبت صديقتها القهوة اعتذرت عن الشّرب. قلت أنّني صائمة.
قمر سيدة وقورة، لكنها لم تختبر الحياة. كان من المفروض أن تقول لصديقتها أن تأتي إليها بدلاً من أن تذهب هي ، زيارة الأصدقاء تذلّك في بعض الأحيان .
عندما عدت إلى المنزل عاتبتني، وقالت أنني كاذبة، وأنّني لا أصوم حتى في شهر العبادة.لم أنكر التّهمة، لكنّني قلت لها :أنّني فقط أتّقي شر الآخرين، وأنت أبسط من أن أشرح لك موقفي الذي يتلخص إذا دخلت بيت أحد. لا تأكل، ولا تشرب قهوة، ولا حتى ماء، ولا تتكلم، وعندما يبدأ مضيفك يتململ غادر، فليس الأمر جيداً أن يتمّ طردك.
قالت قمر: أن رأيي سخيف، وأنّ الناس للنّاس، وبدأت تسرد السخافات التي تعلمتها من المنافقين بدءاً من المدرسة، وحتى رجال الدين. إلى أن طفح الكيل، فلطمتها لطمة خفيفة على خدّها، وغادرت، بينما لا زالت تضع يدها على خدها تنتظر اعتذاراً. لماذا أعتذر؟
صحيح أن قمر في الخمسين، لكنها تلقت علومها بسذاجة فصدقت كل ما تعلمته وسمعته. أقدر نضجها بنضج فتاة في السابعة .
. . .
في السادسة صباحاً. اهتزت نخلة أستند إلى جذعها، وبدأت العصافير تغرّد، اختفت الأشباح. هذه الطبيعة غريبة. كيف تمكنت الأشجار أن تستيقظ وقت استيقاظ الطيور؟
لا. ليست غريبة. جميع الأحياء يستيقظون في الصّباح، بينما الأشباح تختفي مع الَضوء، ويمسك شبح بيدي . نركض معاً. تغمرنا السّعادة، ونحن ندخل إلى نهار المقبرة. سألت شبحي: أين أنا؟
قال لي سوف تبقين معي حبيبتي. نحن هنا في سكننا المؤقت، وبعدها سوف نطير إلى السماء، ونقيم في الجنة إلى الأبد.
ما أفظع أن أقيم معك إلى الأبد حتى في الدجنّة! لكن قل لي: هل أنا ميّتة أم على قيد الحياة؟
لا أعرف عمّ تتكلّمين. نحن نعيش هنا في هذا المكان لأنّنا نخاف الضوء. هذا كل ما أعرفه.
أما أنا فقد كنت أعرف أنّني لست ميّتة، و أنّني لست على قيد الحياة. لازلت أعرف بعض الذّكريات.
. . .
أحنّ إلى جلساتي مع قمر، ومشاحناتي معها. كأنّني أنا في الخمسين، وكأنّها في السابعة. كلما حاولت أن أنسى تعود إلى ذاكرتي.
لم أنهِ الكلام. ها هي قربي تبتسم.
-لم أتِ لأعاتبك. كنتِ على صواب، فقط أردت أن أهرب من مشاعري، فكلّما ذهبت في زيارة لأحد الأقارب والأصدقاء. ألمّس على رأسي بعد الدقيقة الأولى وأدعو الله أن أستطيع الذهاب قبل أن أطرد. في مرّة طردني أخي، وأخرى طردتني أختي، وجميعهم قاطعوني وقالوا: أنّني أنا من أساء معاملتهم، اعتذرت لهم فزاد احتقارهم لي . اقتنعت أنّني أنا فعلاً من أساء لهم. إذا بقي أحد ما يتحدث بقصّة ما أمامي مرات عديدة أصدقها، فأنا لا أجيد فنّ الشّجار. أدّعي الرّقي، وفي الحقيقة أخاف. أخاف أن يضربوني. نعم. في مرّة اجتمعت عائلتي علي وأوسعوني ضرباً دون أن يقيّدوني. أدليت برأسي إلى الأسفل، وأنا أشعر بالخطيئة كزانية. لو لم يكونوا على صواب. لماذا يضربونني إذن؟ هم الأهل الذين عليهم أن يربوني. هل يخطئ المربي؟
ماذا تقولين يا خاتون؟
لماذا تبكين؟
-أبكي عليّ. رغم أنّني لست أنت، فإنّني أراني فيك .
. . .
في الحياة فرح بين ثنايا النسّيم
أحس به يلامس قلبي
نداء يدعوني إلى الرحيل
أشق قميصي كي يتسلل الفرح إلى صدري.
لو كانت خاتون معي كي أشرح لها كيف يشعر الإنسان بالفرح
خاتون في مقتبل العمر، لكنّها اختبرت الحياة أكثر منّي. ليس لدى خاتون شيئاً تخسره، هي مثلي تماماً، فقط هي تجاهر بما خسرت، وأنا أتلّطى خلف إصبعي.
لن أعكّر صفو الفرح في هذه اللحظة. سوف أحتفل به. إذن؟
أتبع نداء قلبي
أسير دون هدى، فالفرح هو الذي يمسك بيدي. نقهقه معاً على أيام نسي الفرح فيها أن يفي بوعده لي. لا بأس أنّك أتيت، ولو كان الوقت متأخراً.
سألته لماذا لا يعيش طويلاً، ولماذا يمرّ عندما نكون مشغولين بالحزن.
لا يجيب الفرح على أسئلتي. لكنه يخزّن نفسه من ذاكرتي. في بعض الأحيان يظهر لي فجأة وأنا أسير كفيلم. أبتسم له، يعود ليختبئ، وهكذا فإنّ عمره قصير، لكنّه موجود تحت الطّلب. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه