الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الأول 3

دلور ميقري

2018 / 9 / 3
الادب والفن


" إنك تعني موضوعَ طرد الخانم لنا، أنا وشقيقي، بسبب الحادثة المعروفة. وربما أنتَ تنظر للموضوع بازدراء، لأنه تواشجَ بأكثر من شائعة مغرضة؟ "، قالت لصديقها فيما يدها تمر على شعرها الأسود الناعم. شعرَ بشيء من الحَرج لقاء نظرتها الثابتة، غير الطيبة بحال. مع أنه كان قبل قليل يمتص سيجاره في لذة، متأملاً ملامحها الجميلة وهيَ تنقلب إلى التجهّم نتيجة جملته الأخيرة.
لقد قالت له ذات مرة، تعقيباً على لمزٍ مماثل: " إنّ بعثَ الماضي لا خيرَ فيه لكلينا، وإننا سنكون أكثر ذكاء لو اجتاست خطواتنا في حدود الحاضر فقط ". كانا آنئذ قد شرعا في لقاءاتهما شبه السرية، كون الفتاة تتقلب على جمر علاقة سابقة بينما الشاب يحاول التملص من شراكٍ متعددة.
" زين "، وعلمنا بحكايتها مع ذلك الرجل العراقيّ.. وإنها حكاية، ما تنفكّ تلقي ظلالاً كثيفة على علاقتها بصديقها الجديد: " سيامند "، ومنذ حلوله في المدينة الحمراء يعيشُ حياةً أقرب للإباحية. ولكنه في المقابل، بقيَ في أعماقه ذلك الشخص القادم من المشرق؛ من مجتمع محافظ، يفتقد إلى الحد الأدنى من الحرية والانفتاح والتسامح. وماذا بشأن تلك الشراك، المنصوبة له في هذه المدينة؟
لم يكن قد تورط تماماً في الارتباط مع إحداهن، حينَ ظهرت " زين " على مسرح الأحداث. هذه الأحداث، تتابعت من وقت وصوله لمراكش وكانت كلها على خلفية مسألة الطفلة " خجي "؛ ابنة أخيه، الراحل: سميّتها، وهيَ الابنة الصغرى للأسرة المحسنة، اجتذبته بسبب حنوّها على الطفلة، وكذلك من دون شك، ملاحة قسماتها السمراء وفتنة بدنها الممتلئ. ثم قدمت السيّدة السويدية إلى المدينة من أجل ابنة أخيه أيضاً، وما لبثا أن وجدا نفسيهما في فراش مشترك ضمن علاقة لاحَ مذ البدء أنها ستكون طارئة وعابرة. كذلك كان الأمرُ مع سلواه لموضوع الطفلة، ومع انتزاع نفسه من موضوع أمها، التي توهمَ إلى الأمس أنها ظهرت على صورة امرأة غامضة ترتدي ثوباً ذا لونٍ أحمر برّاق.

***
" عفواً، لم يدُر في خاطري هكذا موضوع "
ردّ عليها باقتضاب، مقطباً حاجبيه السميكين والفاتحين اللون. كان يزعجه، كأيّ رجل شريف النفس، اللجوءَ للكذب. خصلة الكذب، حَسَب مفهومه، ملتصقة بطبع الجبناء. وإنه لا يرغب أن يبدو مثل هؤلاء، في نظر فتاته بشكل خاص. ولو أنه أضطر الآن لذلك الجواب، مجبراً. كان حريصاً على كرامته، قبل كل شيء، كيلا يتفاقم النقاشُ ويجري في مسالك ماضٍ مخزٍ.. حتى لو كان ماضيها هيَ. ألم تكن " زين " نفسها، مَن سبقَ وطلبت منه الاهتمام، حَسْب، بحاضر علاقتهما؟
من ناحيتها، ما عتمت الفتاة أن شعرت بالشفقة على مشاعر صديقها غبَّ إطلاقها للملاحظة الفجّة. إذ قالت مُستدركةً، محاولة الابتسام: " أحياناً أتفوه بالحماقات، فلننسَ إذاً الموضوع تماماً ". على الأثر، انتبهت لتحديقه في سيجاره الخامد. مدت له يدها بالولاعة المذهّبة، ثم عادت واستردتها بطريقة مداعبة كي تعمد بنفسها إلى إيقاد السيجار. لم يسبق له أن أحسّ بالراحة في صحبتها، كما كان الأمرُ في هذا اليوم.. هذا، وبغض الطرف عن الإشكال المنقضي، المَوْصوف. إنها كانت قد لاقته بعينين تضيئان سعادةً، مباشرةً عند اجتيازه عتبة مدخل الترّاس. بل إنه شعَرَ أيضاً بكيانه واقعاً تحت تأثير العينين الساحرتين، وذلك مع مروره في مجالهما آنَ كانت قدماه تسيران فوق أرضية الساحة، المغبّرة والوسخة.
كان يجوس هذه المرة في أعماق عينيها، لا في ماضيها القريب أو البعيد، وكان يتمنى لو يتاح له توقيع قبلاتٍ ملتهبة عليهما. براءتها، الشبيهة بما لدى الأطفال، إنما كانت تنطق بها هاتان العينان بحدقتيهما العميقتين السواد والاحورار في آنٍ معاً؛ ترمشُ بها الأهدابُ الطويلة المكحولة، الساجية حيناً والمرفوعة حيناً آخر. عندئذٍ تختفي كل تلك الشائعات، المتناولة مسلكها سواءً مع الرجل العراقيّ أو السيّدة السورية.
لغرائب المفارقات، أنّ " سيامند " سمعَ لأول مرة بحادثة الترّاس عن طريق بوّاب عمارة الإقامة الفندقية، وذلك في عشية وصوله إلى مراكش؛ وهيَ الحادثة، التي كانت ما تفتأ تلوكها ألسنة نساء الطبقة الراقية، المغرمات بأحاديث الفضائح. وما كانَ مُداناً من قبل أولئك النساء، بوصفه مسلكاً لا أخلاقياً ( كن يشددن على موضوع الخيانة الزوجية وهن في مخادع عشاقهن! )، لم يكن بالضرورة كذلك لدى نساء الطبقة المتوسطة: إنّ الشاب يفكّر بالمفارقة الأخرى، المتعيّن عليها أن تصدمه للوهلة الأولى، حينَ رأى " زين " في ضيافة الأسرة المحسنة وكانت تتبادل معهم أحاديثَ ودية. بلى، إنه يحصل كل يوم على دروس جديدة في المدينة الحمراء. ألم تقل له صديقته قبل قليل، أنها تشفق عليه إزاء ما يُمكن أن يُمتحن به من بلايا على يد أفراد ذلك المجتمع الراقي؟ قالتها، بينما كان يستعد لاصطحابها إلى البار كي يلتقي بأحد أولئك الأفراد النافذين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه