الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الأول 4

دلور ميقري

2018 / 9 / 4
الادب والفن


فكرة عابرة، كادت أن تفسد سعادته، فعل سحابة سوداء في سماء صافية. كان مستمتعاً بلحظات اللقاء مع فتاته، وكانت السماء في مثل فتنتها فعلاً لا مجازاً، حينَ دهمته الفكرة: تشديد " عبد الإله " عليه ألا يربط نفسه بأيّ موعد في مساء هذا اليوم. لم يكن " سيامند " ليشك، بأنّ الرجلَ يعني لقاءاته المعتادة مع فتاته. فهل سينكص عن دعوته لها إلى ذلك البار، هوَ من ألحّ على الأمر مذ بعض الوقت وأبدى غبطته لموافقتها؟
" سنتناول الغداء معاً في المطعم، ما رأيك؟ "، فاجأها باقتراحه. ولم يكن قد فكّر بنفسه في موضوع الدعوة قبلاً، ولكنها طرأت لذهنه على غرّة. لعله أمِلَ ألا تصاب بخيبة أمَل، ما لو تراجع عن دعوتها للبار مساءً. وها هيَ " زين " خالية الخاطر من خطته، تهزّ رأسها من فوق إلى تحت علامةً على الموافقة. وكانت بصدد فتح فمها الباسم كي تؤكّد حركتها، لما تصاعدَ صوتُ الأذان الداعي لصلاة الظهر. وتبعاً للعادة المحلية، كان على صوت المؤذن الارتفاع دونما أيّ عائقٍ كي يخترق طبقات الجوّ فوق المدينة، وصولاً إلى السماء السابعة؛ إلى حيث عرش الواحد الأحد، المنذورة الصلاة لأجل حمده وشكره. حلّ الصمتُ إذاً، فلا يُسمع بعدُ قرعُ طبول الساحة وناياتها، لا جلبة المرتادين في الأسواق، ولا دردشة رواد المقاهي. إلا ضجة السيارات وغيرها من العربات والدراجات النارية، المتناهية من الشارع الرئيس والدروب المتفرعة عنه، فإن لها شأناً آخر ـ كما ألعاب الأطفال، المُتسامح معها الكبارُ مهما تكن خشنة أو غير لائقة.
" بلى، وأفضّل أن يكون غداؤنا في مطعم شعبيّ "، أجابته أخيراً مشيرة بسبابتها إلى مشهد الساحة تحتَ أنظارهما. آبَ إلى التملي من وجهها الجميل، المنفتحة فيه عينان واسعتان ومضيئتان مثل لألاء هذا النهار الربيعيّ السعيد. على حين فجأة أيضاً، راودت الشاب هذه الفكرة الأكثر جدّة: " إنها في سعادة غامرة، ولا غرو، كونها تخلّصت من غريمتها ". وكان يقصد السيّدة السويدية، التي أوصلها إلى المطار صباحاً في سيارة صديقهما: " والله أعلم ما إذا كانت ستعود مرة أخرى إلى المغرب، وما إذا كنا نلتقي ثانيةً "، استطرد في سرّه وليسَ بدون زفرة أسف.

***
نزلا إلى الساحة في حدود ساعة الغداء، مجتازين بسطات العطارين ذوي العمائم الزرق والعباءات المزركشة والقسمات المتجهّمة. ما أسرع خطاهما أن بلغت عمق الساحة، أينَ يختفي المطعم المطلوب خلفَ واجهة من القماش المشمّع أشبه بالخيمة. وكان في الوسع هنالك رؤية دعائم أكشاك الطعام، التي تُنصب مساءً مع ما يلزم من طاولات ومقاعد. أبعد قليلاً عند الأطراف، بدت خيام حقيقية لحلقات الحواة، المنطلق منها أصوات الدفوف والزرنيات، المفترض أن تتراقص على أنغامها الثعابين. مظلات متفرقة، تنتشر في المكان ويقبع تحتها محترفو نقش الحناء وقراءة الطالع مع ما يتيسّر من زبائنهم. في فيء نخلة الساحة الوحيدة، تمدد حوذيّ عربة الكوتشي منتظراً بدَوره أحد الزبائن. سيارة شرطة ذات عينين بيضاوين، يقظتين، دأبت على مراقبة كلّ ما يتحرك في الساحة من موقفها عند الجدار المصمّت في مدخل درب البرنس.
" لا ضيرَ في حضور زين للبار، حتى لو سبّبَ ذلك ضيق صديقنا عبد الإله "، قر رأي الشاب وقد بعث منظر سيارة الشرطة في نفسه ذكر لقائه المرتقب مساءً بالضابط الكبير. بلى، وإنه ذاك الصديق من كان قد طمأنه في نقاش سياسيّ قبل بضعة أيام، بأن زمن " السيبة " قد ولّى منذ طويت صفحة سنوات الرصاص ومن ثم البدء في سياسة الانفتاح على المعارضة في الداخل والخارج: " حوادث اختطاف خصوم المخزن، باتت نادرة شأنها في ذلك شأن حوادث استغلال المسئولين لمناصبهم في أعمال غير شرعية "، على حدّ تعبير الرجل. وكان على " سيامند " أن يستعيد حينذاك حكاية اختفاء أحد أقارب الأسرة المُحسنة، التي سمعها بشكل مشوّش على لسان ابنتهم الصغرى. ولأن الشيء بالشيء يذكر، كما يقال عادةً، عليه كان أيضاً تصوّر تلك الفتاة لو أنها رأته الآنَ مصادفةً بصحبة الصديقة الجديدة.
" ربما أنك تبالغ في تقدير غيرتها مني، خصوصاً وأنها تحوك الخيوط حول أخي "، علّقت صديقته على ذلك التصوّر حينَ شاءَ نقله إليها. وكان ما ينفكّ يضحك، آنَ تساءل ساخراً: " خيوط صنارة أم خيوط عنكبوت؟ "
" مهما يكن، فليس حسناً أن يضحك المرء إزاء معاناة الآخرين "
" لا تبدأي من جديد، أرجوك! "
" كما تريد، كما تريد.. "، رددت متضاحكة أيضاً. وما لبث عامل المطعم، وكان شاباً سميناً حنطيّ اللون، أن انتصب أمام طاولتهما وفي يده لائحة الوجبات وأسعارها. حيى الفتاة وكأنه يعرفها، مما لفت نظر صديقها. بعيد مغادرة العامل، سألها " سيامند " ما إذا كانت معتادة على تناول طعامها هنا. راحت تروّح اللائحة أمام وجهها، استدراراً لنسمة هواء معتدلة: " نعم، أنا زبونة هذا المطعم الشعبيّ وعلى الرغم من سكناي في غيليز "، ردت بالقول وأردفت بعد لحظة: " وسأبقى كذلك حتى بعد زواجي من مسيو سيامند، المسثمر السوري الكبير! ".
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني