الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نَكْبَةُ اَلْمَنَاْصِيْرِ نَاْقُوْسٌ لِخَطَرٍ أَعْظَمْ ..!

فيصل عوض حسن

2018 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


سبقني الكثيرون من كُتَّابنا الأفاضل، بالحديث عن تفاصيل ابتلاع نهر النيل، لمجموعة من التلاميذ بمنطقة المناصير، كأحد مآسي أهل المنطقة النَّاجمة عن سد مروي، والتي تفوق بكثير التهجير القسري والامتناع عن دفع التعويضات لتصل إلى فُقدان الأنفس والأرواح، وستتواصل هذه الكوارث طَالَما بقي البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة، الذين – وكعادتهم – لم يهتمُّوا بهذه الكارثة إلا عقب ثلاثة أيَّام، بعدما أحرجهم الزُعماء (الحقيقيُّون) ببرقيات التعازي.
من المُفيد بدايةً، توضيح مفهوم تقييم الأثر البيئي، لإدراك خِيانة المُتأسلمين وتَسَبُّبهم في كوارثنا الماثلة، كالحادثة أعلاه وما سبقها من حوادث، والتي ستتضاعف إلى الأعظم والأخطر، إنْ لم نَتَدَاركها بجدِّيَّة. وفي هذا الخصوص، فإنَّ تقييم الأثر البيئي Environmental Impact Assessment (EIA)، يعني دراسة وتحليل المشروعات/البرامج التنمويَّة والاقتصاديَّة المُقترحة قبل تنفيذها، واستناداً على النتائج يتم قبول المشروع المعني أو رفضه، سواء كان صناعياً أو زراعياً أو خِدَمياً/سكنياً وغيرها. وبعبارةٍ أُخرى، تطبيق مضامين (الوِقَايَةُ خيرٌ من العِلاج)، دعماً للتنمية المُسْتَدَامة والاستخدام الأمثل للموارد. ويشمل هذا التقييم، أثر الانبعاثات/المُلوِّثات على نوعيَّة الهواء والغلاف الجَوِّي، والمياه السطحيَّة والجوفيَّة والنفايات الصلبة والإشعاعات، حتَّى الضجيج يتم تقييمه تبعاً للحدود المسموح بها عالمياً. كما يشمل التقييم، الآثار البيئيَّة على الحياة البَرِّيَّة والتَنَوُّع الحيوي، ونُمُو الأشجار والغطاء النَّباتي، وأثر المشروع على نوعيَّة وإنتاجية التربة، واستقرار المُنحدرات والجريان السطحي والتَعْرِية، والتَصَدُّعات والفيضانات والانهيارات الأرضيَّة، والمُتَنَزَّهات والمواقع الأثريَّة/التاريخيَّة، وتغيُّر/تعديل الخصائص الجماليَّة (Aesthetic Impacts)، والخصائص الاجتماعيَّة والكثافة السُكَّانيَّة والنُمو الاقتصادي وغيرها من الأمور.
بمُقارنة العرض العلمي المُختصر أعلاه، عن مضامين تقييم الأثر البيئي وما حدث بسد مروي، سنجد أنفسنا أمام احتمالين لا ثالث لهما: أوَّلهما أنَّ البشير وعصابته، لم يدرسوا الآثار المُترتِّبة على إنشائه بعنايةٍ ودِقَّة. والاحتمالُ الثَّاني، أنَّهم درسوها ويعلمون آثار السد السلبيَّة وأغفلوها (عَمداً)، أو ما يُعرف بفرض سياسة الأمر الواقع كما فعلوا في حالاتٍ عديدة! وسواء كان هذا أو ذاك، فإنَّ جُرْمَ المُتأسلمين يتطلَّب أقسى درجات المُحاسبة والعِقاب، وقبل هذا علينا الإصرار على وضع مُعالجات (آنيَّة)، تَكفُل إيقاف وعدم تكرار هذه الكوارث لأهلنا المناصير، بعيداً عن الحلول الجُزئيَّة والإلهائيَّة القاصرة. وما يزيد التفاؤُل، أنَّ سد مروي دَّاخل السُّودان وتحت السيطرة، وهو عاملٌ مُهم يُتيح خيارات علاجيَّة أوسع وأشمل، باعتباره شأنٌ دَّاخلي ويُمكننا إجراء جميع التعديلات الكفيلة بتعظيم فوائده وتقليل خسائره.
الخطرُ الأعظمُ والحقيقي/الاستراتيجي على السُّودان، يُمثِّله سدُّ النهضة الإثيوبي، الذي يُهدِّد سيادتنا واستقلالنا الوطني ومُستقبل أجيالنا القادمة، خاصَّة وأنَّ إثيوبيا تتلكَّأ في توقيع عقود دراساته، وتستنزف المُفاوضاتٍ في جوانبٍ انصرافيَّة، مع استمرارها في بناء السد الذي اكتمل بنسبة 65%، بما يُخالِف قواعد وأدبيات تقييم المشروعات، ويتقاطع مع كل المبادئ والقوانين المُتعارف عليها دولياً وإقليمياً، إذ كيف تبدأ تنفيذ مشروع دون معرفة آثاره، خاصَّة إذا كانت تَمِسُّ آخرين وتضر مصالحهم! ولقد بدأت نُذُر سلبياته تظهر في السُّودان، كتزايد الأمطار والفيضانات المُدمِّرة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، والتي ستتفاقم أكثر مع احتماليَّة مُهدِّدات إضافيَّة، وهي أمورٌ كان (لِزَاماً) دراستها قبل توقيع اتفاقيَّة السد، ناهيك بناؤُه الفعلي ليبلغ حدوده الماثلة! وهذا يقودنا لتساؤُلنا الذي طرحناه مراراً: كيف ولماذا تمَّ التوقيع على اتفاقيَّة السد، في غياب دراسات تقييم آثاره؟!
يزدادُ الأمر تعقيداً، بغياب أي (التزام) إثيوبي، تجاه الأضرار النَّاجمة عن السد أو تعويضاته! فقد أغفلت اتفاقيَّة سد النهضة التي وَقَّعها البشير، المبادئ الأساسيَّة للأمن المائي القومي للسُّودان، في ما يخص (إلتزام) إثيوبيا بالإخطار المُسْبَق وعدم الإضرار بمشروعاتنا، وأغفلت (إلتزام) إثيوبيا بالإتفاقيات القائمة وأهمَّها إتفاقية 1902، التي استحوذت بمُوجبها على بني شنقول المُقام عليها السد نفسه، وهي اتِّفاقيَّة تُعنى (حصرياً) بالمشروعات والخزَّانات، التي خَطَّطت وتُخطط إثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط! وخَلَت الوثيقة المُوقَّعة (تماماً)، من أي نَصٍ واضحٍ لتعويض الدولة المُتضرِّرة، من الدولة (المُتسبِّبة) في هذا الضرر كأمرٍ (مُلزم)، وتمَّ التوقيع على صيغة ضبابية هي: "مُناقشة التعويض كلما كان ذلك مُناسباً"! وكذلك الحال بالنسبة للتعاوُن في الملء الأوَّل وإدارة السد، حيث غابت عبارة (إلتزام) واستبدلوها بـ(إحترام) المُخرجات النهائية للدراسات المُشتركة. والمُصيبة أنَّ لإثيوبيا (كل الحق) في ضبط قواعد التشغيل السنوي، دون الرجوع لدولتي المصب، و(إخطارهما فقط) بالأسباب التي استدعت ذلك! ولم يتضمَّن الاتِّفاق المُوقَّع (التزام) إثيوبيا بإعطاء السُّودان، أي كهرباء من السد أو (حجمها) أو (سعرها)، أو متى (ستُنشئ) خطوط نقلها داخل السُّودان ومن سيتكفَّل بإنشائها؟! كما خلا الاتفاق من التحكيم، لكونه (مُلزم) و(نهائي)، وتمَّ استبداله بعبارة: "يُحال لرُؤساء الدول"!
على أنَّ أكبر قنابل الاتفاقيَّة، هي سِعَةُ سد النهضة البالغة (74) مليار، التي تتناقض وآراء المُختصين القاضية بتخفيضها لنحو (11) مليار، وهو الحجم الذي وضعته إثيوبيا في خِطَّتها وإستراتيجيتها القوميَّة منذ أوائل الستينات! والأضرار الناجمة عن تخزين (74 مليار)، حدَّدتها اللجنة الثلاثيَّة المدعومة بخُبراء دوليين في تقريرها في مايو 2013، والبشير نفسه قال لقناة الحياة المصرية عام 2015، أنَّ الطاقة التخزينيَّة لسد النهضة والبالغة 74 مليار، كبيرة وتحتاج إلى مُراجعة! وتَتعَقَّد الأمور أكثر مع (عدم) التأكُّد من (سلامة) السد، الذي مازالت دراساته (مُتعثِّرة) وفي علم الغيب، بخلاف ضياع أراضي الجروف وفُقدان كلٌ من الرَّي الحيضي والفيضي، وغيرها من المشاكل التي أفاض في تفصيلها الكثير من المُتخصِّصين، بمن فيهم وزير الرَّي ووكيله الأسْبَقَيْنْ، وهي جميعاً مُوثَّقة بالتواريخ صوت وصورة!
إنَّ الأهوال التي ستُواجه كل السُّودان، لو اكتمل سَدُّ النَّهضَةِ بشروطه واتِّفاقيَّته الماثلة، ستكون أكثر ضرراً وخطورة من تلك التي سبَّبها سد مروي. وهنا نفتقد الدور المُناط بالكيانات السُودانيَّة (المُتكاثرة)، والتي لم يُصدِر أياً منها مُجرَّد بيان اعتراض أو تحفُّظات تجاه هذا السد، رغم السلبيات العلميَّة والقانونيَّة الكثيفة التي أُثيرت بشأنه، لحرصهم على مصالحهم (الذاتيَّة)، مع الإثيوبيين وداعميهم من الموصوفين بـ(أشقَّاء)، عدا الحزب الليبرالي الذي أصدر بياناً واحداً فقط عام 2015 ثُمَّ صَمَت على ما تلا ذلك من خطوات! مما يجعل القانونيين السُّودانيين الأمل المُرتجى، لتغطية الفراغ المحوري للكيانات السُّودانيَّة، ويضع القانونيين أمام اختبار حقيقي لمصداقيتهم، وسيُوثِّق التاريخ موقفهم هذا وستحفظه لهم الأجيال القادمة.
وكخطوةٍ عمليَّةٍ عاجلة، يُمكنهم إعداد (عرائض/مُذكِّرات) قانونيَّة دوليَّة وإقليميَّة رصينة، لتثبيت أحقَّيَّة السُّودان بإقليم بَنِي شنقول المُقام عليه سدُّ النهضة، والذي آلَت (إدارته) للإثيوبيين بمُوجب اتفاقيَّة 1902، وهي اتِّفاقيَّةٌ انتهت بتوقيع اتفاقيَّة السد، بخلاف إعلان إثيوبيا المُتكرر، بعدم اعترافها بهذه الاتفاقيَّة، وبجميع الاتفاقيات السابقة. وستُحقِّق لنا هذه الخطوة هدفين سَامِيَيْن، أوَّلهما إنقاذ أهلنا بذلك الإقليم وإيقاف الظُلم/البطش الإثيوبي المُمَارَس عليهم، وثانيهما تأطير اتفاقيَّة سد النهضة (المُختلَّة/المنقوصة)، وتغييرها بما يحفظ حقوقنا، ويضمن سلامتنا حاضراً ومُستقبلاً، ويُمكن إشراك بريطانيا كشاهد إثباتٍ وشريكٍ أساسيٍ في هذه الكارثة، وفق ما حدث في مُنازعات الدول التي كانت مُسْتَعْمَرَة. ولو تَحَجَّجَ البعضُ بأنَّ الاتفاقيات السابقة أجراها المُستعمرون، فهي حِجَّةٌ لصالحنا وليس العكس، باعتبار أنَّ السُّودان كان مُسْتَعْمَراً، وتمَّ استقطاع جُزء منه (قسراً) وآن أوان استرجاعه للوطن.
ليتنا نقتدي بالإثيوبيين وكياناتهم، حينما سمعوا بترسيم حدودهم معنا، رفعوا مُذكِّرة قويَّة للأُمم المُتَّحدة، رفضوا فيها الخروج من الفشقة المُحتلَّة وغيرها، وأجبروا ديسالين على الالتزام/التعهُّد أمام برلمانه، بعدم اتخاذ أي خطوة بشأن الحدود إلا بالرجوع للشعب. ولكي ما ننجح في هذه الخطوة، علينا تَجَاوُز المأجورين والمُتخاذلين، المُتدثِّرين بأكذوبة علاقاتنا الشعبيَّة بالإثيوبيين وغيرها من التُرهَات، فالسيادة الوطنيَّة ومُستقبل أولادنا وسلامتهم تعلو على ما دونها، وتَسْبِق العلاقات الشعبيَّة التي يجب أن تستند (للاحترام) المُتبادل و(المنافع) المُشتركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب